مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، يشتد التنافس في محافظة نينوى، التي تضم مكونات مختلفة، أبرزها العرب والكورد، والأقليات الأخرى من المسيحيين، والتركمان، والشبك، والإيزيدية.
ونينوى هي ثاني أكبر محافظات البلاد، ويسكنها أكثر من 3 ملايين نسمة، ويتنافس المئات من المرشحين فيها على 31 مقعداً نيابياً، بالإضافة إلى 3 مقاعد للكوتا، مخصصة لمكونات المسيحيين والإيزيديين والشبك.
ومنذ تحرير المحافظة من سيطرة تنظيم "داعش"، دخلت في ديمومة أخرى من الصراعات، وسيطرة الفصائل المسلحة، التي باتت اليوم تمتلك المكاتب الاقتصادية، ومقرات عسكرية، وتحالفات سياسية، تدخل السباق الانتخابي، وتنافس القوائم التقليدية الموجودة في نينوى، بحسب سياسيين.
ومن بين تلك الفصائل التي دخلت محافظة نينوى وبقوة، هي حركة "بابليون"، والتي يتزعمها ريان الكلداني، الذي شكل تحالفاً جديداً في المحافظة باسم "الهوية الوطنية"، يضم عدداً من الوجهاء وشيوخ العشائر.
أراض مميزة وشركات
بهذا الصدد، يؤكد الباحث في الشأن السياسي غانم العابد أنه بعد حادثة العبّارة التي حصلت عام 2019، وراح ضحيتها المئات غرقاً في نهر دجلة، دخلت الفصائل المسلحة بقوة، وبدأت تؤسس كيانات ومكاتب اقتصادية وشركات، وتستحوذ على مقدرات المحافظة.
وبيّن العابد في حديث لـ "الجبال"، أن "محافظة نينوى اليوم هي أسيرة بيد الفصائل المسلحة، وعلى رأسها فصيل (بابليون) بقيادة ريان الكلداني، الذي استغل نفوذه واستحوذ على ممتلكات كبيرة، وأراض مميزة تقع على نهر دجلة، ونفوذ كبير في المفوضية، وأسس تحالفاً سياسياً يضم مجموعة من الشخصيات العشائرية التي اشتراها بالمال".
وأضاف أن "الكلداني والفصائل المسلحة التي تدعمه، يضغط على العشائر العربية السنية في مناطق وقرى سهل نينوى، ويبتزون الأهالي، ويفرضون على كل عنصر من عناصر الحشود العشائرية، أن يجلب على الأقل 15 بطاقة انتخابية".
وذكر العابد أن "سعر بطاقة الناخب في مناطق سهل نينوى، ومناطق غرب دجلة، وصل إلى 300 ألف دينار، ويتم الضغط على الأهالي، وإجبارهم على انتخاب قائمة الكلداني الانتخابية، في وقت لا يوجد أي دور للمفوضية، أو الأجهزة الأمنية، في وقف هذه الممارسات".
وصعّدت فعاليات شعبية ودينية مسيحية في منطقة سهل نينوى، بمحافظة نينوى، خلال الفترة الأخيرة، من حراكها الداعي إلى إنهاء وجود الفصائل المسلحة في مناطقهم قبل حلول موعد عملية الانتخابات البرلمانية في البلاد، والمقرّرة في 11 تشرين الثاني المقبل، في سادس عملية انتخاب يشهدها العراق منذ عام 2003.
ومنطقة سهل نينوى ذات الغالبية المسيحية، ممتدّة على طول شرقي مدينة الموصل وشمال شرقها باتجاه أربيل، وتشمل إلى جانب أكثر من 10 بلدات، 4 أقضية إدارية، وهي الحمدانية، وتلكيف، ومخمور، وشيخان، إضافة إلى ناحية بعشيقة، وعشرات القرى الصغيرة.
وتعرضت هذه المنطقة إلى جرائم وانتهاكات خطيرة إبان سيطرة تنظيم "داعش" على محافظة نينوى منتصف عام 2014، ما أدى إلى هجرة كبيرة لمسيحيي السهل، وعلى الرغم من انتهاء حقبة التنظيم واستعادة السيطرة على كامل الأراضي العراقية، لكن نسبة قليلة للغاية من أبناء المكون عادت إلى مناطقها، بينما الغالبية ما تزال متردّدة بالعودة.
التغيير الديموغرافي
ويقول السياسي المعارض ثائر البياتي إن محافظة نينوى "محتلة" بالكامل من قبل الفصائل المسلحة، وعلى رأسها فصيل "بابليون" برئاسة ريان الكلداني، الذي يعبث بنينوى، ويتلاعب بمقدراتها.
وأوضح خلال حديث لمنصة "الجبال" أن "هذه الفصائل ومنها بابليون أفقدت نينوى هويتها، فهي محافظة ذات غالبية سُنية، لكن هناك حملات تغيير ديموغرافي، للسيطرة الأمنية والإدارية على المحافظة، وفرض الأمر الواقع".
وأشار البياتي إلى أن "الحكومة العراقية غائبة بالكامل، عما يجري في نينوى، من عمليات ابتزاز، وتهديد وترويع للمواطنين، وتغيير جنس الأراضي، والسيطرة على ممتلكات المحافظة، ونهبها بشكل علني، من قبل الكلداني، وباقي الفصائل المسلحة".
وشدد في الحديث عن شيوخ تحالفوا مع الكلداني على أن "هؤلاء ليسوا سوى شيوخ المال والدولار، الذين تم شراؤهم بالمال، والنفوذ، والهدايا، وهم لا يمثلون نينوى، ولا يمثلون عشائرها العريقة".
ومؤخراً شارك تحالف "الهوية الوطنية" الذي يترأسه الكلداني بانتخابات مجالس المحافظات، وحصل على مقعدين، مكنته من الحصول منصب نائب محافظ نينوى، ومناصب أخرى، إدارية وأمنية في المحافظة.
ثراء فاحش وقصر فخم
من زاوية أخرى، يشير السياسي الكوردي عماد باجلان إلى أن محافظة نينوى أسيرة بيد فصيلين مسلحين، هما "بابليون"، برئاسة رئاسة ريان الكلداني وأخوانه، و"الحشد الشبكي" برئاسة وعد القدو الملقب "أبو جعفر".
وقال باجلان لـ"الجبال" إن "الكلداني يعبث بمقدرات نينوى، عبر الاستحواذ على الأراضي، وسرقة أموال صندوق إعادة الأعمار، وتهريب الحديد والمشتقات النفطية. وهذا ما ظهر جلياً من خلال الثراء الفاحش، والقصر الفخم الذي شاهدناه في اللقاءات التلفزيونية، والجميع يعلم بأن ريان لم يكن رجل أعمال، أو تاجر أو من عائلة ثرية".
وأردف أن "الكلداني خصص لكل مرشح حوالي 300 مليون دينار، وهناك مرشحون آخرون، خصص لهم نصف مليار دينار، مع سيارات موديلات حديثة، بهدف الحصول على أكبر عدد من المقاعد، كما أنه قام بشراء ذمم شيوخ العشائر، وخاصة من الذي عليهم مؤشرات سابقة بتأييد تنظيم داعش"، مبيناً أن "فصيل بابليون بقيادة ريان الكلداني وشقيقه أسوان يمارسون عمليات الابتزاز والتضييق، وفرض الإتاوات، وإجبار أهالي القرى العربية في سهل نينوى، على إحضار بطاقاتهم الانتخابية".
وأكد باجلان أنه "حتى أبناء المكون المسيحي لا يؤيدون ريان الكلداني، ويرفضون وجوده، ولاحظنا خلال زيارته الأخيرة إلى قضاء تلكيف، كيف تم إحضار المئات من أبناء العشائر العربية، وتحديداً من عشيرة الحديدين، لغرض الترحيب والتصفيق للكلداني".
وتابع أن "النسبة الأكبر من عناصر لواء 50 في الحشد الشعبي التابع للكلداني هم من الذين انتموا سابقاً لتنظيم داعش، أو عليهم مؤشرات أمنية، بالتالي يتم استغلالهم، لغرض ممارسة الجرائم بحق أهالي نينوى، حتى لا يتم اعتقالهم، أو تهجير عوائلهم".
وكان "التحالف المسيحي"، الذي يضم قوى سياسية ودينية عراقية مسيحية عدّة، قد وجّه في وقت سابق، نداءً مشتركاً للحكومة العراقية، طالب فيه بالتدخل وسحب الفصائل المسلحة من مناطق سهل نينوى، وإسناد الملف الأمني إلى أبناء المنطقة.
ويضم هذا التحالف كلاً من "المجلس القومي الكلداني"، و"حركة تجمع السريان"، و"الاتحاد الديمقراطي الكلداني"، و"الجمعية الأرمنية"، و"الرابطة الكلدانية العالمية"، و"تيار شلاما"، و"الهيئة الإداريّة لطائفة الأرمن الأرثوذكس".
وقالت هذه القوى في البيان المشترك إن "الفصائل المسلحة، ومنها بابليون تقوم باستغلال المال الفاسد الناتج عن عمليات التهريب، والإتاوات، والاتّجار غير المشروع في الذهب، والمخدرات، والعملة، إلى جانب توظيف الرواتب الوهمية، لشراء الذمم والأصوات وترويع القيادات الكنسية والسياسية الأصيلة".
قوائم على لائحة الإرهاب
الباحث في الشأن السياسي والأكاديمي، عبد الله الحديدي، يرى أن دخول الفصائل المسلحة ومنها بايلون بقيادة ريان الكلداني، ستكون له تأثيرات كبيرة على المحافظة.
ولفت الحديدي بحديث لـ "الجبال" إلى أن "على أهالي نينوى أن يثبتوا هوية المحافظة، ولا يسمحوا لهذه الفصائل التي تريد الهيمنة الاقتصادية والسياسية والأمنية، أن تفرض واقعاً قانونياً على المحافظة"، مضيفاً أن "فصيل بابليون مهدد بأن يوضع خلال الفترة المقبلة على لائحة المنظمات (الإرهابية) من قبل الخارجية الأميركية، مع الفصائل المسلحة الأخرى، وهذا الأمر يجب أن يوضع بالحسبان عند كل من يفكر بالترشح عبر هذا التحالف، أو انتخابه".
وأشار الحديدي إلى أن "هذه الفصائل تعتمد بالدرجة الأساس على المقاطعة الكبيرة لأهالي مدينة الموصل، وبالتالي تتجه نحو القرى الواقعة خارج مركز المدينة، وتشتري ذمم بعض شيوخ ووجهاء العشائر، كما تعتمد على منتسبي الحشود العشائرية، عبر إجبارهم لانتخاب مرشح بعينه، وأيضاً عامل التزوير، من خلال نفوذهم الكبير داخل مفوضية الانتخابات".