كانت أسواق الذهب تترقب قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة، متوقعةً أن يؤدي هذا الإجراء إلى ارتفاع أسعار المعدن الأصفر، الذي يُعتبر ملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، إلا أن إعلان الخفض أتى بعكس التوقعات، حيث شهدت أسعار الذهب انخفاضاً مفاجئاً. هذا التراجع، الذي قد يبدو غريباً للوهلة الأولى، ولم يكن خارج سياق المنطق الاقتصادي، بل هو نتيجة لمجموعة من العوامل التي أثرت على ثقة السوق.
العامل الأبرز في هذا الانخفاض هو الفجوة بين توقعات السوق والقرار الفعلي للاحتياطي الفيدرالي. فقد كانت التوقعات السائدة تشير إلى خفض جريء بمقدار 50 نقطة أساس، خاصة مع تعيين ستيفن ميران في مجلس صنع القرار. اعتبر السوق أن تعيين ميران، الذي يُصنف على أنه من دعاة التيسير النقدي، بمثابة ضوء أخضر لخفض أكبر. هذا التوقع رفع سعر الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزاً 3700 دولار للأونصة. لكن عندما أعلن البنك المركزي عن خفض أقل، بمقدار 25 نقطة أساس فقط، عادت الأسواق إلى واقعها، مما أدى إلى تراجع الذهب بنسبة 1%، والفضة بنسبة 3%.
لم يكن مقدار الخفض هو السبب الوحيد. فخطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، لعب دوراً حاسماً في تهدئة التوقعات. أوضح باول أن الخفض الحالي ليس بداية لدورة تيسير نقدي واسعة، بل هو إجراء لإدارة المخاطر. هذه الرسالة أبعدت شبح التوقعات بخفض إضافي في المدى القريب، مما أثر سلباً على الذهب، الذي غالباً ما يستفيد من سياسات نقدية أكثر مرونة. بالإضافة إلى ذلك، حرص باول على تأكيد استقلالية المؤسسة، حتى لو كان ذلك على حساب الخلافات الداخلية. لم يخفِ وجود أصوات داخل المجلس تطالب بخفض أكبر، لكنه شدد على أن القرار النهائي يعكس إرادة الأغلبية الملتزمة باستقلالية البنك المركزي. حتى أنه وجه انتقاداً غير مباشراً للرئيس دونالد ترامب، مشيراً إلى أن زيادة التعريفات الجمركية أدت إلى ارتفاع التضخم. هذا التأكيد على الاستقلالية يطمئن المستثمرين بشأن استقرار السياسة النقدية، مما يقلل من جاذبية الذهب كملاذ ضد التدخلات السياسية.
رغم الانخفاض الأخير، لا يزال التحليل الفني للذهب إيجابياً على المدى الطويل. يشير المحللون إلى أن السعر سيواصل الارتفاع، وقد يكسر مستويات 3800 و3900 دولار للأونصة. أما على المدى القصير، فيعتبر مستوى 3650-3600 دولار خط دعم مهم. كسر هذا المستوى قد يؤدي إلى تراجع مؤقت إلى 3500 دولار قبل أن يعود السعر إلى الارتفاع مجدداً. كما أن الأحداث الجيوسياسية العالمية لا تزال تشكل محركاً رئيسياً لأسعار الذهب. فالصراعات المستمرة مثل الحرب في أوكرانيا وتفاقم الأوضاع في غزة، إلى جانب التحالفات الدولية المتنامية، تخلق حالة من عدم اليقين تزيد من جاذبية الذهب كأصل آمن. هذه العوامل، إلى جانب السياسة النقدية الأميركية، ستحدد مسار الذهب في الأشهر المقبلة.
(فيسبوك)