بسبب الجفاف.. مربو الإبل يرعون في مناطق خطرة وملوثة بمخلفات الحرب  

7 قراءة دقيقة
بسبب الجفاف.. مربو الإبل يرعون في مناطق خطرة وملوثة بمخلفات الحرب   

سعر الجمل يصل إلى 80 مليون دينار لبعض الأنواع النادرة

يواجه مربو الإبل في ذي قار، جنوبي العراق، قسوة الجفاف التي تؤثر على عمليات البيع، فيما يشكون من عدم مساعدة الحكومة في إيجاد الحلول.

 

تحديات الجاف تدفع مربو الإبل للبحث عن مناطق بعيدة عن المدن، كالأراضي الحدودية مع السعودية أو إيران، وحتى بادية الرمادي التي تنطوي على مخاطر أمنية.

رياض مازن، مربي إبل يبلغ من العمر 58 عاماً، قضى أكثر من نصف قرن في تربية هذا النوع من الحيوانات يتحدث "الجبال" عن التحديات التي تواجهه، ويقول إن "الإبل تحتاج إلى مساحات واسعة للرعي، حيث يفضل الجمل الواحد أن يكون له مساحة تتراوح من 200 إلى 300 متر مربع كي يرعى من دون مضايقة الجمال الأخرى".

 

تداعيات اتساع المدن

 

لكن الزحف العمراني وتوسع المشاريع في المناطق القريبة من محافظة ذي قار والمثنى قد ضيق هذه المساحات، مما دفع مازن إلى بيع 150 من إبله من أصل 350، بعد أن تضررت المراعي، فضلاً عن قلة الأمطار وكثرة الرياح المحملة بالغبار.

 

مازن عبر عن أسفه لافتقاد المربين للدعم الحكومي، سواء من ناحية التخصيصات العلفية أو العلاجات، وهو ما يختلف تماماً عن دعم مربي الإبل في دول الخليج، حيث تُعتبر الإبل ركيزة أساسية في الاقتصاد.

 

ويكشف مازن عن أن أسعار الإبل قد تكون مرتفعة وتصل أحيانا إلى " 80 مليون دينار لبعض الأنواع النادرة"، ويمكن توظيف هذا الشيء من قبل الحكومة لتكون رافداً اقتصادياً لميزانية العراق"، على حد وصفه، لكن عليهم في البداية تقليل آثار التحديات التي يواجهها مربو الإبل.

 

أماكن خطرة

 

وفي ظروف مشابهة، يعاني أبو جابر، مربي آخر، من نقص شديد في عدد أبله، إذ لم يتبقى لديه سوى 70 جملًا بعد أن اضطر لبيع حوالي 175 منها بسبب قلة المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف.

و يشير أبو جابر إلى أن زيادة المساحات الاستثمارية قد دفعتهم للرعي في "أماكن خطرة تحتوي على مخلفات حربية"، مما يشكل تهديداً إضافياً على سلامة الإبل والمربين.

تستدعي هذه الأوضاع العاجلة اهتماماً جاداً من الحكومة والمجتمع لحماية هذه الفئة وإيجاد حلول فعالة لضمان استمرارهم في مهنة تربيتهم للإبل التي تعد جزءاً أساسياً من تراثهم وسبل معيشتهم.

 

ماذا عن دعم الحكومة؟

 

وزارة الزراعة عبر دائرتها في المحافظة، أعلنت عن تخصيص كميات علفية من الذرة الصفراء في خطوة تسعى لتخفيف العبء عن المربين وتوفير جزء من احتياجاتهم الغذائية.

يقول الدكتور ميثم عزيز، مسؤول قسم الثروة الحيوانية في زراعة ذي قار، تصريح خاص لـ"الجبال" إن هذه الدفعة من الأعلاف توزع على مربي الإبل مرة واحدة خلال الموسم، مشيراً إلى أن "آخر إحصائية أعدتها المديرية سجلت وجود أكثر من 40 ألف رأس من الإبل في المحافظة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا العدد قابل للتغير بسبب تنقل المربين بحثاً عن المراعي".

 

مناطق ملوثة

 

أما مدير بيئة محافظة ذي قار، موفق الطائي فقد أوضح في تصريح لـ "الجبال" عن الأبعاد الحقيقية للمشكلة البيئية المتعلقة بالمخلفات الحربية والعنقودية في المحافظة، مشيراً إلى أن المساحات الملوثة تصل إلى 95 كيلومتراً مربعاً وأن المناطق الأكثر تلوثاً تتوزع بين مناطق الخميسية ومطار الجليبة وتل اللحم في جنوب المحافظة.

 

الطائي يشير إلى أن مساحة التلوث بجزئين؛ جزء يمتد على مساحة 43 كيلومتراً مربعا وهو ملوث بالمخلفات الحربيةً، بينما تقدر المساحات الملوثة بالمخلفات العنقودية بـ52 كيلومتراً مربعاً، وان مديرية بيئة ذي قار تعمل بشكل مكثف بالتعاون مع مديرية الدفاع المدني بالمحافظة للحد من المخاطر المرتبطة بهذه المخلفات من خلال عملية تطهير شاملة. 

 

وأكد أن هذه الجهود تهدف إلى "حماية صحة المواطنين والبيئة المحلية، ورفع مستوى الأمان في المناطق المتأثرة".

 

أعداد الإبل بالعراق

 

تُعد الإبل من الثروات الحيوانية المهمة التي تحتضنها الأراضي العراقية، حيث يقدر عددها في عموم المحافظات بـ 204,894 رأس.

 

تنتشر الإبل في المراعي الطبيعية الممتدة بين محافظات جنوب وشمال العراق وبادية الأنبار، وعلى الرغم من هذا العدد الكبير تظل الإبل أقل عددًا مقارنةً ببقية المواشي مثل الأبقار والأغنام والماعز، مما يعكس قلة الاهتمام بهذه الحيوانات سواء من قبل المستثمرين أو المؤسسات الحكومية.

 

وفي العديد من دول الخليج العربي، تُعتبر الإبل من المصادر الاقتصادية القيمة، حيث يتم الاستفادة منها في شتى المجالات بما في ذلك اللحوم والحليب والجلود، إضافة إلى استخدامها في السياحة والترفيه.

 

وعلى النقيض من ذلك، فإن العراق لم يُستفد بما فيه الكفاية من الإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي توفرها الإبل. وفقًا للمختصين، هناك فرصة سانحة لتوظيف هذه الثروة الحيوانية بما يعود بالنفع على الاقتصاد العراقي، ولكن هذا يتطلب اهتمامًا أكبر واستراتيجيات تطوير فعالة.

 

محميات طبيعية

التدريسي في كلية الزراعة والأهوار في جامعة ذي قار الدكتور صالح هادي يقترح حلاً  لغرض الاهتمام بهذا الجزء من الماشية من خلال خطة طويلة الأمد لانهاء مشاكل المربين في ظل الظروف الحالية. وقال في تصريح خاص لـ "جبال" إن "إنشاء محميات طبيعية يمكن أن يكون الحل الأمثل".

وأوضح أن هذه المحميات يجب أن "تضم بحيرات مائية وتُزرع بالنباتات الطبيعية، مع منع قطع الأشجار في هذه المناطق".

وأشار إلى ثلاث مواقع محتملة لإنشاء هذه المحميات؛ شمال المحافظة باتجاه سيد أحمد الرفاعي، ومنطقتين جنوبيتين في تل اللحم ومنطقة البادية باتجاه محافظة المثنى.

كما أكد صالح على أهمية تطهير المساحات التي تحتوي على مخلفات حربية لتكون صالحة للرعي، واقترح إنشاء مستوصفات بيطرية لمتابعة الحالة الصحية للإبل وتوفير أعلاف مدعومة لضمان صحة واستدامة هذا القطاع الحيوي.

 

حياة مربي الإبل

 

ويتخذ مربو الإبل في العراق اسلوب حياة تقليدية، فهم يتبعون طريقة قائمة على التنقل والترحال بحثًا عن مصادر الغذاء والماء لإبلهم. هذه الطريقة التي توارثوها عن الأجداد، تتسم بعدم الاستقرار وتطلب منهم التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة رغم الصعوبات التي يوجهونها، بما في ذلك التغيرات المناخية والتحديات اللوجستية، فإنهم يواصلون ممارسة هذا الأسلوب التقليدي للحفاظ على إبلهم وتلبية احتياجاتها.

 

الدكتور محمد عزيز، مدير المستشفى البيطري في ذي قار بيّن لـ"جبال" أن الإبل تُعدّ من الثروات الوطنية القيمة، تمامًا مثل حيوان الجاموس وأن عمليات ذبح الإبل تُجرى وفق شروط دقيقة ومحددة، وليس بشكل عشوائي، إلا أن الاستهلاك الفعلي للحوم الإبل لا يزال محدودًا مقارنةً باللحوم الأخرى مثل لحم الأغنام والأبقار.

 

وأشار عزيز إلى أن الإبل تواجه تحديات كبيرة نتيجة التوسع العمراني والزحف نحو المناطق الصحراوية، مما يجبرها على الانتقال لمسافات طويلة بحثًا عن الغذاء والماء وأن هذا التوسع يقلل من فرص الحصول على الواحات المائية الطبيعية ويحد من توفر المراعي بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

 

 

 

 

الجبال

نُشرت في الأربعاء 18 سبتمبر 2024 09:09 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.