بينما تسجّل درجات الحرارة أرقاماً قياسية هذا الصيف، بدأت مستشفيات البصرة تستقبل عشرات الحالات من إصابات الطفح الجلدي وسط مؤشرات متزايدة على ارتباطها المباشر بتلوث المياه وارتفاع نسب الملوحة في عدد من الأقضية والنواحي.
وخلال أسبوع واحد فقط سُجلت أكثر من 40 حالة إصابة متنوعة معظمها في مناطق شمال البصرة ومركز المدينة مع تصدّر قضاء أبي الخصيب قائمة المناطق الأكثر تضرراً.
أكّدت مصادر أمنية وطبية لـ”الجبال” أن أكثر من 40 حالة إصابة بالطفح الجلدي سُجلت خلال الأسبوع الأخير فقط، وسط مخاوف متزايدة من اتساع رقعة الإصابة لتشمل آلاف السكان لا سيما في قضاء أبي الخصيب.
أحياء كاملة تحت الخطر
بحسب مصدر أمني تحدّث لـ”الجبال”، فإن الإصابات المسجّلة توزعت على مناطق شمال البصرة ومركز المدينة مع تسجيل حالات متزايدة في مستشفيات الفيحاء والجمهورية والبصرة التعليمي، وهو نبّه بأن “عدد الحالات مرشّح للارتفاع في ظل استمرار تدهور جودة المياه وغياب الاستجابة الصحية الكافية”.
ورغم مرور أكثر من أسبوع على بدء تسجيل الحالات، لم تصدر دائرة صحة البصرة أي بيان توضيحي رسمي حول طبيعة الإصابات أو مسبباتها.
بالمقابل، تشير تقارير أولية من مصادر طبية داخل المستشفيات إلى أن أغلب المصابين يعانون من حكة جلدية، تقرحات وبقع حمراء تنتشر بسرعة بين الأطفال وكبار السن.
أبي الخصيب تتصدّر التلوث
وفي تصريح خاص لمنة ”الجبال”، قال الناشط البيئي علي العبادي مدير مركز الرصد البيئي في البصرة، إن "المركز أصدر بياناً رسمياً عقب تلقيه مناشدات من مناطق جنوب وشرق وغرب المدينة"، مؤكداً أن “قضاء أبي الخصيب سجل أعلى مستويات التلوث والتراكيز الملحية في المياه ما انعكس مباشرة على صحة السكان”.
وأعرب العبادي عن استغرابه من “غياب تركيز لجنة الصحة في مجلس المحافظة على هذه الأزمة رغم خطورتها واتساع نطاقها” مشيراً أن “البيانات الحكومية بشأن الإصابات غير دقيقة حتى الآن”.
العبادي طالب بإعلان محافظة البصرة "منطقة منكوبة بيئياً”، مستنداً إلى تحذيرات أممية سابقة، منها تصريح المفوض السامي لحقوق الإنسان الذي أكد أن البصرة "قد تُصنّف غير صالحة للسكن بحلول عام 2030 إذا استمر التدهور البيئي على هذا النحو”.
هل يتكرّر شتاء 2018؟
تُعيد هذه الحوادث للأذهان الكارثة الصحية التي اجتاحت البصرة في صيف 2018 حين تسببت أزمة المياه الملوثة في إصابة أكثر من 100 ألف مواطن بأمراض معوية وجلدية، وهو ما فجّر احتجاجات واسعة وأجبر الحكومة على إرسال لجان تحقيق ومعالجة دون أن تثمر عن إصلاحات جذرية واضحة حتى اليوم.
تحذيرات علمية
بحسب العبادي فإن مركزه البيئي سيباشر بتشكيل فريق ميداني لإجراء استبيان علمي واسع حول عدد المصابين بهدف توثيق الانتهاكات البيئية ورفع النتائج إلى الجهات المختصة، وقد الناشط البيئي إلى التعامل مع ما يحدث على أنه “أزمة إنسانية لا حدث اعتيادي”.
من جانب آخر، حذّر مختصون في البيئة من أن استمرار اعتماد الأهالي على مياه غير معالجة أو ملوثة يُشكل خطراً طويل الأمد على الصحة العامة مطالبين بتكثيف الرقابة على محطات التحلية وإجراء فحوصات دورية، وتوفير بدائل مياه آمنة خصوصاً في المناطق التي تعاني من ملوحة المياه وتآكل الشبكات القديمة.
دعوات لتدخل دولي
ودعا ناشطون ومنظمات مجتمع مدني في البصرة، إلى تدخل وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية بشكل عاجل، لإرسال فرق تَقَصٍّ وبعثات طبية، لمحاسبة الجهات المسؤولة عن الفشل في إدارة ملف المياه.
وفيما تواصل الحكومة المحلية التزام الصمت، يترقب سكان البصرة نتائج الفحوص البيئية، ويحملون قلقهم على جلودهم في انتظار أن يسمع أحد أصوات الطفح قبل أن يتحوّل إلى كارثة صحية شاملة.