في خطوة تعكس مستوى الصراع السُني، أقدم رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي على رفع شكوى رسمية إلى مفوضية الانتخابات يطالب فيها باستبعاد رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي من المشاركة في انتخابات البرلمان المقبلة، بينما اتسعت دائرة الاعتراضات والمطالبات باستبعاد رئيس البرلمان المقال والانتقادات لـ"مجاملته" من قبل المفوضية.
وبحسب وثيقة حصلت عليها "الجبال" فإن الشكوى تتهم الحلبوسي بـ "الإخلال بالمال العام واستغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية وفئوية"، وهي تهم تعد خرقاً للقوانين الانتخابية والنزاهة المطلوبة في العمل السياسي.
ودعا السامرائي في شكواه المفوضية إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق الحلبوسي، وتطبيق مواد قانون الانتخابات التي تمنع ترشح من تثبت عليه مثل هذه المخالفات.
وبحسب مصادر سياسية فإن الشكوى التي تقدم بها السامرائي ليست وحدها فهناك شكاوى عدة تقدم بها كلٌ من رئيس حزب الحل جمال الكربولي، والنائب السابق ليث الدليمي، والقيادي الحالي في تحالف عزم حيدر الملا، تطالب المفوضية بإبعاد الحلبوسي من الترشح في السباق الانتخابي.
وانتقد ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي، ما وصل إليه القضاء العراقي، فيما أشار البعض الآخر إلى تعرض القضاء للضغوط السياسية من أجل إسقاط التهم عن الحلبوسي، الذي خرج من البرلمان بقرار إسقاط عضوية من قبل المحكمة الاتحادية بتهمة التزوير.
اتهامات الفساد واختلاس المال العام
وفي هذه الأثناء طالب عضو مجلس عشائر الأنبار عز الدين العلي السليمان بإبعاد رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي من الترشح في الانتخابات المقبلة.
ولفت خلال حديثه لـ "الجبال" إلى أن "قانون انتخابات مجلس النواب رقم (9) لسنة 2020 المعدل، اشترط أن يكون المرشح حسن السيرة وغير مدان بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الفساد المالي، فضلاً عن أحكام قانون المفوضية رقم (31) لسنة 2019 التي تلزم برفض المرشحين المتورطين في الفساد".
وتساءل عن كيفية فتح الباب أمام الفاسدين، بينما القوانين صريحة في منعهم، وهل أصبح استبعاد المرشحين يجري وفق الأهواء والمصالح الشخصية وبانتقائية مفضوحة، بدل أن يكون تطبيقاً للقانون على الجميع بلا استثناء.
وأضاف أن "الشارع العراقي ينتظر الانتخابات على أمل التغيير، فكيف يكون التغيير حقيقياً بوجود شلة من الفاسدين والمزورين، والذي صدرت بحقهم عدة أحكام سابقة، من بينها وجود نية مبيتة له لسرقة المال العام عندما كان يشغل منصب محافظ الأنبار، في 245 مشروعاً خدمياً، ومثبت بكتب ومخاطبات رسمية".
وتعد الانتخابات العراقية القادمة من أكثر الدورات تعقيداً منذ سنوات بحسب العديد من المراقبين، حيث بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم، في ظل ارتفاع أعدادهم ووجود المال السياسي الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.
ويمر العراق بتحديات كثيرة تحيط به، بدءاً من الصراع الأميركي الإيراني وانعكاساته على الداخل العراقي وصولاً إلى الخلافات السياسية حول الانتخابات المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، مروراً بالانقسام السابق حول تعديل قانونها، فضلاً عن تحديات أخرى اقتصادية وخدمية.
استفسار من المحكمة الاتحادية
إلى ذلك يؤكد عضو تحالف العزم عايد الشمري أن الشكوى التي تقدم بها رئيس تحالفه مثنى السامرائي، تأتي بهدف ضمان أكبر قدر من النزاهة والمهنية في الانتخابات المقبلة.
وقال في حديثه لـ "الجبال" إلى إنه "من غير المعقول السماح بوجود مجموعة من المزورين، ومن ثبتت بحقه تهم الفساد، في حين يتم اجتثاث واستبعاد المئات، من الأساتذة والأكاديمين، والوزراء والمسؤولين السابقين بتهم بسيطة".
وأشار إلى أنه "لا أحد فوق القانون في العراق، وعلى المفوضية إثبات هذا الأمر، من خلال تطبيق المعايير على الجميع، مهما كان اسمه، أو حجمه السياسي، وبالتالي الحلبوسي بنظر القانون، هو مزور، وعليه تهم تتعلق بإهدار المال العام، وملفات أخرى، تبعده عن المنافسة الانتخابية".
وأردف بالقول، إن "الشكوى التي تقدم بها السامرائي إلى المحكمة الاتحادية، هي لغرض تفسير قرارها السابق، حول إبعاد الحلبوسي وإسقاط عضويته من مجلس النواب، وهل هي دائمية، أم تشمل الدورة الماضية، والاستفسار هذا تستفيد منه مفوضية الانتخابات".
ومؤخراً وجّه الحلبوسي وأثناء حملاته وجولاته الانتخابية في الأنبار وكركوك وبغداد، سلسلة من الاتهامات ضد خصومه، وأبرزهم، رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، متهماً إياهم بالخيانة، وتدمير المكون السني.
وخلال الحملات الانتخابية الأخيرة ظهر تحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي، بقوة داخل محافظة الأنبار، عبر ترشيح شيوخ عشائر، وأخرى لها نفوذ في المحافظة، ما أثار غضب الحلبوسي، وحزبه، الذين يعتبرون الأنبار بمثابة عاصمتهم الإدارية، التى يتحركون فيها بسهولة، ولا ينافسهم فيها أحد.
ويسيطر حزب (تقدم) على القرارين الأمني والإداري في محافظة الأنبار، وخاصة بعد انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التي أقيمت في عام 2023.
تحقيق العدالة وتطبيق القانون على الجميع
من جانب آخرى يرى الباحث في السياسي، سيف آل خنفر، أن المفوضية يجب أن تحقق العدالة، وتضمن نزاهة الانتخابات، وهذا الشعور لا يتولد لدى الناخب، إلا من خلال تطبيق القانون على الجميع.
وذكر في حديثه لـ "الجبال" أنه "رأينا كماً من الاستبعادات قامت بها مفوضية الانتخابات، ومع كتابة نوع العقوبة أمام الأسم المستبعد، وهذه حالة إيجابية، وتحصل لأول مرة، ولكن كان يجب أن يكون من بين المستبعدين من ثبتت عليه تهمة التزوير، والإخلال بالمال العام"، لافتاً إلى أنه "على الأغلب ستستجيب المفوضية لقرار استبعاد الحلبوسي من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد وصول تفسير المحكمة الاتحادية، على الشكاوى والدعاوى المقدمة إليها".
في سياق متصل، يقول عضو تحالف الأنبار، طارق الدليمي، إن المفوضية قامت باستبعاد ضباط شاركوا في الحرب على داعش، وقدموا تضحيات كبيرة، بسبب قضية اجتثاث البعث.
وأوضح في حديثه لـ "الجبال" أن "المفوضية جاملت من ثبتت عليه تهمة التزوير، وهذا يشير إلى مدى حجم الضغوط السياسية التي تتعرض لها، كون الحلبوسي زعيم حزب، ولا يريدون خلق أزمة في البلد".
وأشعلت قرارات مفوضية الانتخابات العراقية باستبعاد عشرات المرشحين، بينهم شخصيات سياسية بارزة، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، وسط اتهامات بوجود دوافع سياسية وراءها، ونفي رسمي يشير إلى استنادها لأسباب قانونية.
ومع فتح باب الطعون أمام الهيئة القضائية، تتباين المواقف بين التشكيك بالاستقلالية والدعوة لحماية الديمقراطية، فيما يترقب الشارع ما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستشهد مزيدا من الإقصاءات.
وفي الأشهر الماضية، أبدت قوى وشخصيات سياسية، مواقفها بالمقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات النيابية، مستندة إلى جملة أسباب من بينها التشكيك باستقلالها، أو عدم قدرة تلك القوى والشخصيات على منافسة الأحزاب النافذة في البلاد.