صحافيون يعترضون على نسخة ملغومة من "اللا حق بالحصول على المعلومة".. تواقيع بالمئات ترفض "التقييد"

10 قراءة دقيقة
صحافيون يعترضون على نسخة ملغومة من "اللا حق بالحصول على المعلومة".. تواقيع بالمئات ترفض "التقييد"

تقيد الحريات الصحفية.. ومصطلحات فضفاضة

على مدار عدة سنوات، يطالب الصحافيون في العراق بقانون يضمن لهم "العمل بحرية"، دون التعرض للمساءلة القانونية أو الملاحقة المسلحة، فضلاً عن منحهم حق الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية أو شبه الرسمية.

 

ومنذ 21 عاماً، من لحظة سقوط النظام السابق، يرى الصحافيون العراقيون، أن معظم القوانين في البلاد دائماً ما تشرع لخدمة مصلحة الطبقة السياسية الحاكمة، كما يحذرون من سن قانون يحد من عملهم الصحفي وحقهم الدستوري في الحصول على المعلومات، خصوصاً ما يتعلق بالجانب السياسي.

 

 وأقرّ مجلس الوزراء العراقي يوم (4 تشرين الأول 2023)، مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وإحالته إلى مجلس النواب لتشريعه، فيما قام البرلمان بالقراءة الأولى لمشروع القانون في (14 شباط 2024) خلال جلسته الـ8 من الفصل التشريعي الأول السنة التشريعية الثالثة الدورة الانتخابية الخامسة.

 

تعديل صيغة قانون "ملغومة"

 

وعقب أشهر على القراءة الأولى، وصفت عضو لجنة الثقافة والإعلام النيابية نور نافع أن صيغة مسودة قانون حق الحصول على المعلومة "مُلغّمة".

 

وقالت نافع في تصريح صحافي إنّ "صيغة القانون تحتوي على العديد من القيود التي تفرض على الصحفيين والناشطين والمهتمين بالشأن السياسي"، مشيرة إلى أن "لجنتها تعمل على تعديل بعض المواد وانضاج القانون بما يخدم المصلحة العامة وإزالة هذه القيود".

 

وفي بيان صدر الشهر الماضي، أكدت لجنة الإعلام والثقافة النيابية، عزمها على "تشريع القانون بما يتوافق مع المواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة والدستور العراقي، للوصول إلى نتائج ترضي الجميع وفسح المجال للإعلاميين والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني للاطلاع على كل ما يجري من خلال تنفيذ تعليمات هذا القانون".

 

وتقول مصادر نيابية فضلت عدم الكشف عن اسمها، لـ "الجبال"، إنّ "اللجان المختصة انتهت من صياغة وتعديل مشروع قانون الحصول على المعلومة، مع إجراء بعض التعديلات على الصيغة القديمة"، فيما أشارت هذه المصادر إلى أن "مشروع القانون سيرسل إلى رئاسة البرلمان من أجل إدراجه للتصويت خلال الفترة المقبلة".

 

تقييد المعلومات

 

ويقول حيدر أبو الحب، صحفي يعمل في أحدى وسائل الإعلام المحلية، لـ "الجبال"، إن "الصيغة الحالية لقانون حق الحصول على المعلومة تقيد الحريات الصحفية والاعلامية بدلاً من منح الحريات لأنه وضع الإعلاميين والصحفيين في زاوية طلب المعلومات من الجهات الرسمية، التي يتيح القانون لها رفض تلك الطلبات".

أغلب المعلومات التي يتم متابعتها اعلامياً تخص ملفات والوثائق السرية لا يتم الكشف عنها للأعلام، ـ والكلام لأبو الحب ـ الذي استطرد بالقول إنه "دائماً ما تحاول الجهات الحكومية إخفائها، وفي ظل التطور الإعلامي ودخول وسائل التواصل الاجتماعي ضمن الإعلام الحديث فبنود القانون تقييد النشر حتى من قبل المواطنين الذين يندرجون ضمن صحافة المواطن وفقا للمفهوم الحديث، وهذا يعد تقييد للحريات التي اتاحتها المادة 38 من الدستور العراقي". 

 

في الأثناء، طالب مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية رئاسة مجلس النواب وأعضاء المجلس، إلى الأخذ بالملاحظات الجوهرية التي قدمها الصحفيون والحقوقيون و المطالبة بتضمين فصل كامل في قانون حق الحصول على المعلومة يتعلق بالصحافة وعمل الصحفيين نظراً لما يمثله الصحافيون من كوادر مدربة وقادرة على التعاطي مع المعلومات جمعاً وكتابة وتفسيراً.

 

أما أحمد فاضل، وهو كاتب وصحفي فيقول إن "هذا القانون يحتوي على فقرات تحتاج إلى توضيح بشكل أدق"، مستغرباً في ذات الوقت من "استغراق الحكومة وقت طويل كي تخرج بمقترح قانون يحمل عبارات ملغمة وغير منطقية بالنظر للمساحة الكبيرة التي يجب أن تحفظ لكل ذي حق بمعرفة معلومة معينة بشفافية ومهنية وطرق سلسة".

 

ويشير فاضل، خلال حديثه لـ "الجبال"، إلى "ضرورة وجود جانب واضح في القانون بما يخص العمل الصحفي في العراق خصوصاً للمهتمين بالجانب السياسي لانه من غير المعقول تقييد حرية الصحافة والصحفيين بقانون يلزمهم بالانتظار عدة أيام للحصول على تأكيد أو نفي لقضية ما".

 

كما من المستغرب العودة إلى السياقات الروتينية والورقية بتقديم هكذا طلبات في وقت يجب أن يتم العمل على تحسينات حكومية رسمية تواكب التطورات العالمية من حيث التكنولوجيا السريعة والاستجابة الفورية لأي طلبات يقدمها المواطنين او المختصين في مجال ما، والحديث هنا لفاضل أيضاً.

 

وسبق أن تداولت وسائل إعلام محلية العام الماضي أنباءً عن "اتخاذ إجراءات رادعة بحق موظفين تسببوا بتسريب الكتب الرسمية الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء إلى وسائل الإعلام، فيما تم إحالة بعض هذه القضايا إلى هيئة النزاهة".

 

ونفس هذه الأنباء أشارت إلى أن عدد الموظفين الذين اتخذت بحقهم الإجراءات القانونية بلغ 61 موظفاً، بينهم 10 من أصحاب الدرجات الخاصة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الإسراع في إرسال القانون إلى مجلس النواب.

 

حتى لا يتحول القانون إلى حبرٍ على ورق

 

وتتزايد المخاوف بين الأوساط الصحفية من احتواء القانون المزمع تمريره قريباً على بنود قد تضيّق "حرية العمل الصحفي" وتستغل لتكميم الأفواه، خصوصاً بعد تسريبات تتحدث عن  وجود بعض المواد في القانون تمنح السلطات الحق بتصنيف المعلومات على أنها "سرية".

 

وتقول أمل صقر، رئيسة مؤسسة نما للتدريب الإعلامي، إن "الوسط الإعلامي رفض تمرير التصويت على مسودة مشروع قانون حق الوصول إلى المعلومة، على خلفية عدم الثقة بفهم المشرع لإبعاد القانون وأهميته وعدم وجود آلية حقيقة وأرضية فاعلة لتنفيذه، وبالتالي سيكون القانون مجرد حبر على ورق ورقم ضمن عدد من القوانين التي أقرت سابقاً ولم تشكل فارق".

 

وبحسب صقر، فإن المشروع لم يدرج رغم الورش المتعددة التي عقدت منذ العام 2017 ولغاية اليوم مع كافة الجهات المعنية بالقانون  النقاط التالية: 

أولاً: تحصين المجتمع من التضليل المعلوماتي والشائعات، لأن عامة أفراد الشعب بإمكانهم الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية، ومقارنتها وبالتالي عدم تصديق او الأخذ والتأثر بما ينشر، وبشكل خاص الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.

ثانياً: تعزيز معلومات المواطن حول أداء السلطات وإدارتها سيتيح له ان يكون شريكاً في عملية صنع القرار مؤسساتياً، وبالتالي الحرص لاحقاً على تطبيق القرار بكل حيثياته والعمل على تصويبه دون الحاجة إلى الاعتراض او الاحتجاج لأنه كان جزءاً من عملية صنع القرار.

ثالثاً: تعزيز موقف العراق دولياً، لأنه يدعم جزء مهم من مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الانسان، وبالتالي سيحظى العراق كدولة، بمؤشرات إيجابية حول تلك المبادئ وهذا سيزيد من الدعم الدولي للعراق على كافة الصعد.

وتضيف صقر لـ "الجبال"، أن "هناك عدداً غير محدود من التناقض بين مواد وفقرات القانون بعضها ينسف فكرة الوصول إلى المعلومة لأنه يعطي الحق للمسؤول أن يرفض منح المعلومة بدون أن يقدم سبب أو مبرر للرفض".

 

كما تشير صقر، إلى "ضرورة إلغاء المادة (8) الفصل الثالث من مشروع القانون، لأنها تعطي الحق لرئيس الجهة الأعلى التي يطلب منها المعلومة أو من يخوله رفض الطلب، وهذا يعد نسفا للقانون، فالمشرع أما أن يعطي الحق بصورة كاملة دون قيد أو شرط، أو يمنعه بصورة كاملة، ناهيك عن كم المصطلحات الفضفاضة غير المعرفة أو المحددة ضمن القانون والتي ايضا تفرغه من محتواه اضافة إلى تعارض بعضها مع بنود ضمن قوانين أخرى".

وقدم أكثر من 300 صحفي وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ومؤسسات إعلامية ومنظمات مدنية، طلباً إلى مجلس النواب العراقي بإجراء تعديلات جوهرية على المسودة المقدمة، تضمن الغاء العديد من الفقرات خصوصاً ما يمنع تداول قضايا البطلان الاقتصادي وفضائح السلوك الوظيفي المنحرف.

لتفاصيل رابط الطلب والتوقيع، إضغط هنا

 

ويهدف مشروع القانون، بحسب النسخة التي سربت لوسائل الإعلام، إلى تمكين طالب المعلومة من الحصول عليها بما ينسجم مع الدستور والمواثيق الدولية وتعزيز مقومات الشفافية.

وفي الفصل الخامس من القانون، نص على "تلتزم الجهات المعنية باستثناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بنشر المعلومات التالية المتعلقة بها (الهيكل التنظيمي والنظام الداخلي، الوصف الوظيفي للوظائف، مهام المدراء العاميين فأعلى، الضوابط الخاصة بعملهم والخدمات التي تقدمها، القرارات الادارية التي تؤثر في شؤون المواطن، الإجراءات المتعلقة في الحصول على المعلومة، التقارير السنوية المتعلقة بالانجازات وغيرها)".

 

ممنوع تداول المعلومات العسكرية

 

ويقول عضو اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز، إن "جميع القوانين في مجلس النواب العراقي سواءً كانت جدلية أم لا، لا يمكن تمريرها إلا عن طريق التوافقات بين الكتل السياسية، وبالتالي لا يوجد موعد محدد لتمريره"، في إشارة لمشروع قانون حق الحصول على المعلومة.

وفي حديث لـ "الجبال"، يضيف عنوز، أن "مشروع القانون الذي قرأ في البرلمان قبل أشهر قليلة، لا يتعارض مع الدستور العراقي كونه يحتوي على العديد من النقاط التي تجعل منه قانون رصين يعزز حرية الرأي وفق ما جاء في الدستور"، مبيناً أن "القانون يضمن للصحفيين الحصول على جميع المعلومات الشفافة عدا (المعلومات الأمنية والعسكرية)". 

 

ووفقاً لعنوز، فإن جميع دول العالم تمنع الصحفيين والناشطين والمتهمين من الحصول على المعلومات الأمنية والعسكرية لما فيه تهديد لها، مؤكداً أن "المجتمع العراقي دائماً ما يتعرض للفوضى والشائعات على خليفة نشر أخبار لا تمتلك مصدراً موثوقاً والقانون الجديد سيعالج هذا الجانب".

ويتابع النائب، حديثه قائلاً إن "القانون سيعالج أيضاً قضية انتشار الكتب الحكومية السرية في وسائل الإعلام"، مضيفاً أن "جميع الحكومات لا تستطيع حجب المعلومات التي تتعلق بقضية إدارة الدولة وحياته ومستقبله من قبل الحكام". 

 

ومن مسودات القانون التي تداولت العام الماضي، نصت على "يُجرّم إخفاء معلومات وبيانات، ويدفع نحو محاسبة المتسترين على الفساد، وتمكين تحديد الفساد والهدر الخفي بغطاء السرية". كما أن المعلومة لن تبقى حصراً لذوي الامتيازات السياسية ليمارسوا بها سياسات التهديد والرشاوى".

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأحد 15 سبتمبر 2024 07:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.