"الجواهري" و"علي الوردي": مدن ليست لمحدودي الدخل.. وأرقام فلكية تحطّم حُلم الخلاص من "الإيجارات"

15 قراءة دقيقة
"الجواهري" و"علي الوردي": مدن ليست لمحدودي الدخل.. وأرقام فلكية تحطّم حُلم الخلاص من "الإيجارات" مدينة الجواهري السكنية (الجبال)

منذ أكثر من عشر سنوات، يواصل سهيل رشيد، وهو موظف حكومي في إحدى دوائر الدولة، عادةً يومية يجمع فيها الدينار فوق الدينار، أملاً في ادخار مبلغ يتيح له امتلاك قطعة أرض أو منزل يصون كرامته في وطنه. يضطر للتقصير في تلبية احتياجات أسرته وأطفاله، مستغنياً عن أبسط مقومات الرفاهية. 

 

يقول رشيد: "أمنيتي ألا أسمع طرقات الباب كل شهر، صاحب البيت لا يمنحني مهلة، وكأنني آكل حقه في الإيجار!".

 

"كأننا ننتظر سراباً"

 

بصوت مرتعش روى سهيل، رحلته نحو حلم السكن الكريم: "كنا نعيش على أمل مشروع الجواهري، صدقنا الوعود بأنه مخصص للطبقة المتوسطة والفقيرة. انتظرنا فتح باب المبيعات بشغف، ظناً منا أنه سيكون بارقة أمل وسط هذا الغلاء".

 

ويكمل سهيل: "حين وصلت إلى مركز المبيعات، شعرت أن الحلم تبخّر. الأسعار خيالية ولا تشبه حتى خيال موظف بسيط مثلي. إذا كان الدفع الشهري المطلوب يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة ملايين دينار، فمن الذي يستطيع؟. من يملك هذا المبلغ شهرياً لن يذهب للسكن على أطراف بغداد، بل سيشتري في قلب العاصمة، قرب عمله أو عائلته، وربما نقداً دون تقسيط".

 

ويتابع بأسى: "أنا موظف حكومي، وراتبي لا يتجاوز 800 ألف دينار، ومع ذلك لا يمكنني مجاراة الدفعات. في الواقع، لا أعتقد أن أي موظف حكومي قادر على شراء وحدة سكنية هناك. هذه المجمعات – كما أراها – بُنيت لتكون مساكن لعوائل المستثمرين أنفسهم، لا للناس الذين وعدوا بها".

 

"بشائر عمرانية" كما توصف

 

في أواخر نيسان/ أبريل 2025، افتتحت وزارة الإعمار والإسكان مركز مبيعات مدينة الجواهري السكنية الواقعة في قضاء أبو غريب. يُعد هذا المشروع من أكبر المشاريع السكنية الحديثة في بغداد، حيث يمتد على مساحة تزيد عن 7 آلاف دونم، ويضم حوالي 30 ألف وحدة سكنية متنوعة و10 آلاف قطعة أرض مخدومة. تم تصميم المدينة لتكون نموذجا حضرياً متكاملاً، مع تخصيص 60% من المساحة للسكن و40% للمساحات الخضراء والمناطق الترفيهية والثقافية.

 

أما مدينة علي الوردي السكنية، فقد تم الإعلان عن افتتاح مركز مبيعاتها في بداية مايو 2025. يقع المشروع في منطقة النهروان جنوب شرق بغداد، ويُخطط لأن يضم حوالي 110 آلاف وحدة سكنية، مما يجعله من أكبر المشاريع السكنية في تاريخ العراق. يهدف المشروع إلى تخفيف الضغط السكاني عن العاصمة وتوفير بيئة سكنية متكاملة الخدمات.

 

وعلى الرغم من افتتاح مراكز المبيعات وبدء عمليات التسويق، إلا أن عمليات البناء والتشييد ما زالت في مراحلها الأولى، ومن المتوقع أن تستغرق عدة سنوات قبل اكتمال المشروعين بشكل كامل.

 

وبذلك، فإن المشروعين يمثّلان جزءاً من استراتيجية الحكومة العراقية لمعالجة أزمة السكن من خلال إنشاء مدن سكنية متكاملة على أطراف بغداد، تستهدف الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتوفر بنى تحتية متطورة وخدمات متكاملة.

 

وبينما يفترض أن تحتضن هاتين المدينتين أبناء الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، بحسب ما أُعلن عند إطلاق المشروعين. لكن ما إن فتحت أبواب المبيعات، حتى بدأت ملامح الصدمة على وجوه المنتظرين. وحدات سكنية بأسعار خيالية لا تمت بصلة لواقع موظف راتبه لا يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية، ناهيك عن دفعات شهرية تتجاوز ملايين الدنانير.

 

الإعمار تردّ

 

وسط الجدل الدائر حول أسعار الوحدات السكنية، خرجت وزارة الإعمار والإسكان برؤية تبريرية واسعة، تؤكد من خلالها أن هذه المشاريع ليست سوى جزء من خارطة استراتيجية وطنية تستهدف حلّ أزمة السكن المزمنة في العراق. الوزارة تؤكد أن ما تم إنجازه حتى الآن هو ضمن خطة متعددة المراحل، وأن هناك فئات اجتماعية واسعة مشمولة، إضافة إلى آليات تمويلية من المصارف الحكومية لتسهيل التملك.

 

وفي هذا السياق، صرّح استبرق صباح، المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، قائلاً: "مدينة الجواهري الواقعة في منطقة أبو غريب، تضم نحو 30 ألف وحدة سكنية، بأنماط معمارية مختلفة، تتراوح مساحات الشقق العمودية بين 100 و180 متراً مربعاً، فيما تبدأ مساحات الوحدات السكنية الأفقية من 200 متر مربع وتصل إلى أكثر من 300 متر مربع".

 

وأضاف: "تطرح الوحدات الأفقية بمقدمة تبلغ 30 مليون دينار عراقي، وبقسط شهري يصل إلى 3 ملايين دينار لمدة عامين، أي ما يعادل دفع 15 مليون دينار كل خمسة أشهر حتى سداد 180 مليون دينار نقداً. أما في حال اعتماد نظام التقسيط، فيصل سعر الوحدة السكنية الأفقية إلى 200 مليون دينار".

 

وأوضح أيضاً، أن: "المقدمات عادةً ما تُقسم على أربع دفعات تُدفع كل 10 أشهر، مع أقساط شهرية تقارب 250 ألف دينار عراقي لمدة 10 سنوات".

 

كما خصص المشروع عشرة آلاف قطعة أرض مخدومة بشكل كامل من قبل المستثمر، سيتم تسليمها إلى الحكومة مجاناً، ومن ثم ستُعاد توزيعها وفق آلية تنافسية بين 21 فئة من المواطنين، من بينها ذوو الشهداء، الجرحى، الأرامل، المطلقات، ذوو الاحتياجات الخاصة، حملة الشهادات العليا، وغيرهم، على أن تكون الفئة الأخيرة من صلاحية رئيس الوزراء".

 

وأضاف: "نحن لا نقول إن هاتين المدينتين ستسدّان أزمة السكن بشكل كامل، لكنها تشكل خطوة مهمة ضمن الحلول الاستراتيجية. فعلى مستوى الأرقام، نحن نتحدث عن أربعين ألف وحدة سكنية (بين بيوت وأراضٍ) وهي رقم كبير من شأنه أن يسهم بشكل حقيقي في تخفيف حدة الأزمة".

 

وتابع: "ضمن البرنامج الحكومي الحالي، نعمل على 16 مدينة جديدة. بدأنا بالجيل الأول الذي يضم خمس مدن، من بينها الجواهري وعلي الوردي، إلى جانب ضفاف كربلاء، الجنائن، ومدينة الغزلاني في الموصل. وقد أرسلنا مؤخرا مقترح الجيل الثاني المكوّن من ست مدن أخرى إلى هيئة الاستثمار لغرض الإعلان عنها رسميا".

 

وعن إمكانية التمويل، بيّن صباح: "توجد آلية للاقتراض من المصارف الحكومية والأهلية تتيح للمواطن التقديم على وحدة سكنية وتسديد ثمنها على مدى يصل إلى عشرين سنة، ما يجعل التملك أكثر واقعية للفئات التي تحتاج هذه المشاريع".

 

وأكد: "وزارة الإعمار والإسكان هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن وضع حلول لأزمة السكن، ونحن لا نعتمد على هذه المدن فقط. بل لدينا وحدات سكنية في المحافظات الجنوبية تتجاوز 7600 وحدة، إضافة إلى مبادرات مركزية أخرى مثل مبادرة تسكين التي يشرف عليها المجلس الوزاري الاقتصادي، والهادفة لتوفير نحو 100 ألف وحدة سكنية بأسعار ميسرة للفئات الهشّة".

 

أحلام الخلاص من الإيجارات لم تتحقق

كمين سامح – كاسب يبلغ من العمر 28 عاماً - لم يكن سوى واحد من آلاف العراقيين الذين استبشروا خيراً بعد إعلان الحكومة عن مشروع مدينتي الجواهري وعلي الوردي. حلمٌ صغير بالاستقرار، وشقة بسيطة، يقول بصوتٍ يختلط فيه الألم بالسخرية: "كنت متأملا، بل وراهنت على هذا المشروع كفرصة أخيرة. وضعته في قلب أفكاري، علّه يخرجني من دوامة الإيجارات والقلق. لكني اصطدمتُ بالواقع داخل مركز المبيعات في المنصور".

 

ما وجده سامح هناك كان مختلفاً عن الخطابات الرنانة والوعود الكبيرة. "الدفعة الأولى؟ خمسة وعشرون مليوناً، ثم كل خمسة أشهر عليك دفع خمسة عشر مليون. أي ما يقارب ثلاثة ملايين بالشهر". يتساءل باستنكار: "من أين لمواطن بسيط أن يؤمن هذا المبلغ؟ هل راتبي كله يجب أن أقدّمه للبيت؟ وماذا عن مصاريف الحياة، وعائلتي؟".

 

بالنسبة له، فإن الحديث عن دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة لا يمتّ للواقع بصلة. "إذا كانت هذه الأسعار موجهة للفقراء، فكم يبلغ دخل الفقير في قاموس الحكومة؟ أربعة ملايين؟ خمسة؟ بأي منطق هذا الكلام؟"، ويتابع بحرقة "الركعة أكبر من الشك (مثل عراقي دارج)… هذه الوحدات مدروسة لتناسب الأغنياء فقط، أما نحن فمكاننا خارج هذه المدن".

 

أسعار متناقضة وطبقات مستبعدة

وبينما تُروّج مشاريع الإسكان الجديدة كحلّ جذري لأزمة السكن في العراق، تكشف المؤشرات الاقتصادية عن واقع مختلف تماماً، فبدلاً من أن تكون هذه المشاريع منقذة للطبقة الوسطى والمحدودة الدخل، تفاجأ المواطنون بأسعار توازي ـ بل وتتفوق أحيانا ـ أسعار العقارات داخل مركز العاصمة.

 

الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أكد في تصريح خاص لمنصّة "الجبال"، قائلاً: "أسعار الوحدات السكنية في هذه المجمعات تُعد ضعف ما كان متوقعاً، بل إنها قريبة جداً من أسعار العقارات داخل بغداد نفسها، رغم أنها تقع على أطراف العاصمة وكان يُفترض أن تُطرح بتسهيلات حكومية للمواطنين. لكننا لم نرَ أي ملامح لهذا الدعم".

 

وأشار المرسومي: "كان من المفترض أن تتدخل لجنة عليا لتنسّق مسألة التسعير وتضمن أن تكون الوحدات بمتناول ذوي الدخل المحدود، وهو أمر بالغ الحساسية، خاصة أننا كعراقيين لم نملك سابقاً تجربة ناجحة مع المجمعات السكنية".

 

ويتابع: "في كل مرة، كانت هذه المشاريع تصبّ في مصلحة فئة واحدة: أصحاب الدخل العالي ورجال الأعمال، بينما تُقصى الفئات الأكبر من الموظفين، الطلاب، والعوائل ذات الموارد المحدودة. وكأن موارد الدولة خُصصت لتعزيز دخول الأثرياء، لا لتلبية احتياجات العامة".

 

و في محاولة للردّ على صدمة الشارع وأسئلة الرأي العام، يوضح نبيل الصفار، المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، لمنصّة "الجبال" أن: "مشروع مدينتي الجواهري وعلي الوردي ليس سوى جزء من خطة حكومية أوسع لإنشاء مدن جديدة تهدف إلى التخفيف من أزمة السكن المتفاقمة".

 

"هذه ليست مشاريع عابرة"، يقول الصفار بثقة، ويكمل: "هي ثمرة شراكة جديدة بين الدولة والقطاع الخاص، نُفذت لأول مرة من خلال فريق وزاري عالي المستوى يضم وزراء الإعمار والبيئة وأمين بغداد ورؤساء هيئات الاستثمار والتخطيط".

 

ويشير إلى أن "الخطة انطلقت فعلياً بخمس مدن، وهناك ست أخرى قيد التحضير في محافظات مختلفة. "نحن نستقطب الشركات ونسعى لتفعيل الشراكات بهدف خلق توازن في السكن، يجمع بين دعم ذوي الدخل المحدود وتحفيز المستثمرين في الوقت نفسه".

 

لكن أين يقف أصحاب الدخل المحدود من هذه المشاريع؟، يؤكد الصفار أن "هناك نسباً تتراوح بين 10 إلى 15% من وحدات المدن الجديدة، ستؤول للدولة لتوزيعها على الشرائح المستحقة مجاناً. حددنا 21 فئة مستحقة، وسيكون هناك توزيع مباشر للوحدات او الأراضي المخدومة، مقابل ما يُمنح للمستثمرين من أراضٍ شاسعة".

 

وبخصوص الأسعار التي فجرت الجدل، يقول: "سعر المتر في مدينة الجواهري تم تثبيته على المستثمر بـ900 ألف دينار، ما يعني أن وحدة سكنية بمساحة 200 متر يبلغ سعرها 180 مليون، وهو ما نعتبره تنافسياً قياساً بأسعار السوق في بغداد".

 

أما مدينة علي الوردي، فهي بحسب الصفار، "ما زالت قيد التفاوض مع المطورين. نطمح لأن تكون هذه المدن مستدامة وذكية لأول مرة في العراق، بتصاميم تراعي المساحات الخضراء، والمسطحات المائية، والمرافق الصحية والتعليمية، وحتى مسارات الدراجات".

 

ويختم المتحدث الرسمي حديثه بالقول: "بمجرد أن تزداد أعداد الوحدات السكنية، سنشهد هبوطاً تدريجيا في الأسعار، وقد لاحظنا بالفعل ركوداً في سوق العقار بعد إعلان أسعار وحدات الجواهري، وهناك مباحثات مع البنوك لتوفير آليات تمويل مستقبلية".

 

العقاريون يراقبون

وبينما تؤكد الجهات الحكومية على أن مشاريع مدينتي الجواهري وعلي الوردي ستُحدث تحولاً في ملف الإسكان، يرى أصحاب العقارات ومراقبون في السوق أن المؤشرات الواقعية تسير في اتجاه مختلف. فالمجمعات السكنية، التي كان يُفترض أن تسهم في خفض الأسعار داخل بغداد وتشكل بديلاً اقتصادياً للفئات الوسطى والمحدودة الدخل، لم تؤدِ إلى ذلك بحسب رأيهم.

 

الواقع العقاري بحسب هؤلاء، يكشف أن الاستثمار العقاري بقي محكوماً بالمضاربة، والتوزيع ما زال بعيداً عن العدالة والاحتياج الحقيقي.

 

وفي هذا الشأن، يقول شيبان السويفي، وهو أحد أصحاب العقارات ممن تابعوا ملف المشاريع الجديدة: "أي مجمع سكني يُقال إنه موجّه للمواطن أو للفئات الفقيرة، هو في الحقيقة مبني أساساً على أهداف استثمارية. لم يُفكّر أحد بشكل جاد بالطبقة المتوسطة أو المحتاجة. مجمع علي الوردي مثلا، الذي انتظره الناس طويلاً على أمل أن يكون في متناول اليد، فوجئوا بأنه مرتفع السعر ويُدار بالتقديم عبر المعارف والوساطات. أما مجمع مدينة الجواهري، فقد بدا منذ البداية كأنه مُصمم ليخدم المستثمرين ومن يدور في فلكهم".

 

وأضاف: "الناس كانت تتوقع أن تؤدي هذه المجمعات إلى خفض أسعار العقارات في مركز بغداد، لكن ما حصل هو العكس تماما. فحتى الأسعار خارج المدينة أصبحت مرتفعة، مما يعني أن الدولة لم تسهم في حل الأزمة، بل زادتها تعقيداً. اليوم، أصبح التاجر أو صاحب العقار يبيع بالسعر الذي يريده، لأن مشاريع الجواهري والوردي لم تؤثر على السوق كما وعدوا".

 

ويتابع: "ما نراه هو استثمار في الأزمة لا حلّ لها، لا توجد خطة واضحة للمواطن ولا توسعة حقيقية لبغداد. لدينا مقاطعات كاملة غير موزعة أو مخدومة مثل 2 على 10 و3 على 10 ومناطق واسعة في أطراف بغداد كالحسينية. لو أن الدولة فعلاً استثمرت في هذه المناطق ووفرت البنى التحتية، لكانت هناك توسعة حقيقية تقلل الزخم داخل المدينة وتخفض الأسعار". وبحسب رأيه فأن: "في ظل غياب الرؤية وخطط التوزيع والخدمات، ستبقى أزمة السكن قائمة، وستواصل أسعار العقارات صعودها دون سقف واضح".

 

قروض مُرّة

الاختلال بين كلفة السكن ومستوى دخل الفرد، وغياب التوازن بين دور الدولة والمستثمر، يجعل من المواطن الطرف الأضعف في معادلة الإسكان.

 

الخبير الاقتصادي علي التميمي، يرى في تصريح لمنصّة "الجبال"، أن "هذه المشاريع لم تُبنى بمنطق العدالة الاجتماعية، بل بمنطق الربح والاستثمار على حساب المواطن.

 

ويقول التميمي: "فيما يخص سعر الوحدة السكنية في مجمع الجواهري، فهي لا تختلف من حيث الكلفة عن باقي الوحدات السكنية في عموم البلاد، لكن الاختلاف الوحيد هو موقعها خارج مركز المدينة. كنا دائماً نطالب بإبعاد المجمعات السكنية عن مراكز المدن لفك الزحام وتقليل الكثافة السكانية، لكن المشكلة اليوم ليست بالموقع فقط، بل في آلية التمويل".

 

وأضاف: "المستفيد الوحيد من مشروعي الجواهري وعلي الوردي هو المستثمر، لأنه لا يموّل المشروع بنفسه، بل يبنيه بأموال المواطنين أنفسهم. يدفع المواطن مثلاً 30% من كلفة الوحدة قبل أن يبدأ البناء، أي أن المستثمر يعمل برأس مال المواطن، لا رأس ماله هو".

 

ويشرح التميمي نموذجاً شائعاً في هذه المشاريع: "المواطن يبدأ بالدفع، ينتظر 4 إلى 5 سنوات ليستلم وحدته، ثم يُفاجأ بأن عليه دفع مبلغ إضافي بسبب تغيّر الأسعار خلال فترة الإنشاء. فإن رفض، تُعاد له أمواله بالتقسيط، وإن وافق، يُجبر على دفع فرق لم يكن ضمن حسابه".

 

وتابع: "لا توجد دراسة حقيقية لمستوى دخل الفرد مقابل هذه الأسعار، بل نجد أن المستثمر يتعاون مع بعض المصارف ليمنح المواطن قروضا مرهقة لا تتناسب مع راتبه الذي لا يصل غالباً إلى المليون دينار".

 

وختم التميمي بالقول: "هذه المجمعات لن تحلّ أزمة السكن، بل تُعمّقها. الحل الحقيقي من وجهة نظري هو أن تستثمر الدولة الأراضي الزراعية سند 25، وأن تتجه نحو شراكة ذكية مع الفلاحين وأصحاب الأراضي غير المستغلة (سند 17 و34)، لتوفير مساكن حقيقية وبأسعار عادلة بعيداً عن المحسوبية وجشع المستثمرين".

 

مينا القيسي صحفية عراقية

نُشرت في الجمعة 16 مايو 2025 02:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.