في توقيت حرج لمعظم الأطراف وقد يكون "ذهبياً" لأطراف أخرى، حافظت الكثير من المدارس العراقية على "هدوء العطلة"، في أول أيام الدوام الرسمي بعد انتهاء عطلة عيد الفطر، فالصخب المعتاد في المدارس والشوارع المحيطة بها انتقل إلى الساحات العامة والشوارع الرئيسية أمام مباني مديريات التربية او مقرّات الحكومات المحلية في المحافظات.
في السياق: تحدث عن تداعيات استمرار الإضراب.. خبير: تحقيق مطالب التربويين المحتجين "صعب جداً"
نفذت الكوادر التربوية وعيدها بالإضراب عن الدوام يوم الأحد والذي من المقرر أن يستمر حتى يوم الثلاثاء لحين انعقاد جلسة مجلس الوزراء، ولم تكتفِ بعض الكوادر بالإضراب عن الدوام بل ذهبوا لتنظيم تظاهرات أمام مديريات التربية في المحافظات، في خطوة يمكن وصفها بأنها "تصعيد مبكر"، فسخونة المطالب وضيق الوقت ربما لما تبقى من عمر الدورة الحكومية والتشريعية الحالية وقرب إرسال جداول الموازنة، دفع الكوادر التربوية إلى استعجال الخطوات والقفز عليها.
جاء موعد الإضراب حرجاً وذهبياً بنفس الوقت، بحسب اختلاف المكاسب والخسائر بالنسبة للفئات المتأثرة بشكل مباشر من الإضراب أو التي ستدخل على خط الفعالية، فالتوقيت حرج بالنسبة لوزارة التربية والأهالي مع قرب الامتحانات النهائية، وسيكون حرجاً أيضاً بالنسبة للحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، الذي يسعى لمشروع انتخابي يعتقد الكثيرون أنه سيحقق نجاحاً نسبياً، لذلك ومع قرب موعد الانتخابات، ستكون أية خطوة أو تصريح تجاه هذا الحراك التربوي، لها ثمنها والوقت لا يسعف الجميع لنسيان الأثر الذي قد يتسبب به أي قرار تجاه هذه القضية، بالتالي ستنعكس على الانتخابات المقبلة وعدد الأصوات، خصوصاً وأن القضية تمسّ قرابة مليون موظف في وزارة التربية، أي فئة تقارب جمهور التيار الصدري الذي صوت في الانتخابات السابقة ومنح التيار الصدري أكثر من 70 مقعداً.
بمقدار حراجة التوقيت بالنسبة للأهالي والحكومة ووزارة التربية، فالتوقيت ذهبي أيضاً بالنسبة لبعض القوى السياسية ولا سيما المناوئة للسوداني، فالتصريحات المساندة والتي ستحاول تبنّي مطالب الكوادر التربية ستكون رابحة في الحالتين، إذا تحققت المطالب ستستفيد القوى السياسية بإقناع الكوادر التربوية بأنها ضغطت على الحكومة لتلبية المطالب، وإذا لم تتحقق المطالب، فإنها سترفع هذا المشروع ضمن برنامجها الانتخابي المقبل، فضلاً عن الاستفادة من غضب التربويين لتقليل حظوظ السوداني الانتخابية.
لا يقتصر الأمر على قرابة مليون صوت بل ربما تصل إلى 4 ملايين صوت إذا ما احتسبت عوائل هذه الكوادر التربوية أيضاً، لكن بعيداً عن المساحة الانتخابية وحرج التوقيت، يبرز حرج الكلفة المالية وكذلك حرج عودة إحياء مطلب تعديل سلم الرواتب، وهو ما لا تقوى عليه الحكومة وسط تصاعد كلفة فاتورة الرواتب التي تبلغ 90 تريليون دينار سنوياً، في الوقت الذي يدخل الاقتصاد العالمي الآن في حالة من عدم اليقين وتراجع أسعار النفط بسبب "الحرب التجارية العالمية" التي شنتها التعريفات الجمركية لترامب.
تتنوع مطالب الكوادر التربوية لكن معظمها تنطوي على جنبة مالية، فمطلب تخصيص قطع أراضٍ وتشريع قانون حماية المعلم، ربما طلبات بسيطة ستسارع إليها الحكومة والقوى السياسية لتنفيذها.
لكن المطالب تتضمن أيضاً رفع تخصيصات المهنة بنسبة 100%، أي من 150 ألف دينار إلى 300 الف دينار، ورفع مخصصات الزوجية من 50 ألفاً إلى 100 ألف دينار، فضلاً عن زيادة أجور النقل بمقدار 40 ألف دينار إضافية، وهذا يعني بالمجمل أن كل عنصر من عناصر الكوادر التربوية سيحتاج إلى 240 ألف دينار إضافي شهرياً.
ووفقاً لبيانات وزارة المالية، فإن عدد القوى العاملة لوزارة التربية يبلغ حوالي 965 ألف شخص، هذا يعني أن الأمر يتطلب 200 مليار دينار إضافية شهرياً، أو ما يعادل 2.5 تريليون دينار سنوياً، في الوقت الذي تبلغ موازنة وزارة التربية سنوياً حوالي 10 تريليونات دينار، أي أن تلبية طلبات الكوادر التربوية سيرفع موازنة وزارة التربية بنسبة 25%، كما أن الإضافات المطلوبة ستتسبب برفع كلفة الرواتب الممنوحة شهرياً بنسبة 3%.
وتمثل هذه الكلفة السنوية البالغة 2.5 تريليون دينار أو قرابة 1.8 مليار دولار، ما يكفي لشراء الغاز الإيراني لـ10 أشهر.