"الكورد": من السرية إلى الرسمية.. نوروز 2725 يظهر "القوة" جلياً في المنطقة

5 قراءة دقيقة
"الكورد": من السرية إلى الرسمية.. نوروز 2725 يظهر "القوة" جلياً في المنطقة الاحتفال بعيد نوروز في ديار بكر

احتفالات نوروز هذا العام خاصة في المدن الكوردية في تركيا وفي إسطنبول وأنقرة كانت ملفتة للنظر، ليس فقط بسبب حشودها الهائلة بل في رفع علم كوردستان دون رفع العلم التركي وإلقاء شعارات قومية كوردية كانت يوماً ما تؤدي بمن يهمس بها أو بمجرد أن يتخيلها، إلى حبل المشنقة.

 

تلك الشعارات كانت تملأ، هذا العام، سماء مدن كوردية في تركيا، احتفلت بعيد نوروز بشكل علني ورسمي ودون أية مطاردة بوليسية مثلما كان يحدث في السابق.

 

 مدن مثل "آمد- (ديار بكر)" التي شهدت أكبر تحشيد لعيد نوروز، ومدن أخرى بما فيها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، كلها احتفلت بعيد نوروز دون أن يعترض عليها أحد.

 

بل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شارك في الاحتفالات وأشعل مشعل نوروز بنفسه كأول رئيس للجمهورية التركية تخطو هذه الخطوة، في سابقة لم يكن لها مثيل منذ ولادة الدولة التركية الحديثة، بل كان من المستحيلات أن تتخيل حدوث مثل هذه المشاهد يوماً ما. وقد تعرض رئيس بلدية أنقرة (منصور ياوش) لدعاوى قانونية وأُرغم على الاعتذار بعد تعرضه لعلم كوردستان بإساءة لفظية، وقال اتحاد محاميي مدينة "وان" إن "ياوش يجب أن يحال إلى المحاكمة لأن علم كوردستان معترف به في تركيا!".

 

ليس فقط في تركيا، بل في إيران أيضاً، احتفل الكورد بعيد نوروز علناً وبحشود هائلة رغم أن السلطات أرادت في  بعض المدن منع مظاهر الاحتفال بحجة أيام شهر رمضان المبارك التي رافقت أيام نوروز، وبالفعل لقد تعرضت قوات من "البسيج" الإيراني لاحتفالات وتجمعات شتى في مدن وقرى كوردية إلا أنها لم تفلح في إطفاء شعلة نوروز، واستمرت الاحتفالات رغم المطاردات. 

 

في إقليم كوردستان العراق أيضاً، إن لنوروز لون وطعم مميز آخر، فهو يلبس لباس البرتوكول الرسمي ومظاهر الدولة الكوردية التي لطالما حلُم بها كل إنسان كوردي في شتى بقاع الأرض.

 

 وها نحن نرى الزعيم القومي والمرجع مسعود بارزانى يشعل بنفسه مشعل نوروز في مدينة عقرة (آكري)، "عاصمة نوروز"، كما تُسمى في إقليم كوردستان. كما ونرى رئيس حكومة كوردية ورئيس إقليم كوردي، يشاركان مع جموع الشعب في أعياد نوروز. وقد رأينا مسرور بارزانى رئيس حكومة الإقليم يفتتح مهرجان حفل نوروز في مدينة عقرة بحضور جمع غفير من ممثلي الدول والسفارات والقنصليات الموجودة في "هولير" العاصمة.
 
وبالرجوع إلى نوروز تركيا، فيجب ان نُحضِّر إلى أذهاننا كيف أن الدولة التركية التي منعت منذ تأسيسها كل مظاهر التعبير عن الهوية القومية للإنسان الكوردي في تركيا بدء من التكلم بلغته الأم حتى لبسه وإلى تسمية أبنائه بأسماء كوردية، تأتي اليوم لتحتفل مع القومية الكوردية  بعيدها السنوي، ما يشكل مفارقة واضحة تدل على تغييرات كبيرة وتاريخية حاصلة في المنطقة.

 

لقد تعرّض الكورد مع قيام الدولة التركية الحديثة على يد مؤسسها كمال أتاتورك في تركيا إلى أعمق وأوسع عملية تطهير عرقي عن طريق محو الوجود القومي، حيث كان الهدف والاستراتيجية من هذه السياسة هو محو الكورد تماماً في البلد وذوبانها في القومية التركية، استراتيجية دلت الأوضاع الراهنة على فشلها وانكسارها أمام الحقيقة الكوردية.

 

ويحكي الكاتب الكوردي، موسى عنتر، في هذا الصدد قصة طريفة وفي نفس الوقت حزينة لرجل كوردي هرم كان يستخدم حماراً لجمع الحطب في الريف، فاستوقفوه مجموعة جنود أتراك ليعتقلوه، وحينما سألهم عن سبب اعتقاله قالوا له بأنه قد أوعز إلى حماره بلهجة غير اللهجة التركية حينما قال للحمار: "هج هج". وبالفعل، اعتقلوا الرجل وأرغمو أهله على دفع غرامة مالية لإطلاق سراحه.

 

 هذه القصة تجسد مدى تعرض الكورد للقمع و الاضطهاد في تركيا بدءاً منذ تأسيسها، لذا إننا حين نرى اليوم رفع العلم الكوردستاني في تركيا والاحتفال بنوروز علناً، بل ورسمياً، فهذا ليس فقط مؤشر على تغيير ملفت في وضع هذه القومية في المنطقة، بل إنما هو دليل واضح على أن المكانة السياسية للكورد بالمنطقة قد عَضُمت وأن الكورد قد تجاوزوا و بجدارة مرحلة التطهير و وصلوا إلى حافة قمة الظهور والنصر والتمكين.

 

ختاماً، بقي أن نعلم أن كل هذه التغييرات لم تأت بخساً، أو لم تأت مِنّة من أحد، إنما جاءت في أعقاب نضال تحرري دام لسنوات، وهي ثمرة لتضحيات جسام ودماء آلاف الشهداء جيلاً بعد جيل، وبنفس الوقت دليل على أن نضال الكورد لم يذهب سدى، بل أن الكورد قد أفلحوا في نضالهم التحرري و انتصروا على أعدائهم، ولو أن الطريق إلى النصر المنشود  مازال طويلاً، والحمد لله.

عبدالله ريشاوي كاتب صحفي

نُشرت في الأربعاء 26 مارس 2025 03:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

12 بكسل 16 بكسل 24 بكسل

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.