العراق.. التهديد من الداخل

4 قراءة دقيقة
العراق.. التهديد من الداخل فصائل عراقية (أرشيف)

استخدام الأحداث السورية لإرعاب العراقيين ممّا قد يحدث في حال ضعفت قبضة الميليشيات في العراق، هو أمرٌ أقلّ ما يُقال عنه إنّه مبالغ فيه. خصوصاً فيما يتعلّق بالاحتفاظ بالسلاح الفصائلي بوصفه خطّ الحماية الأخير ضدّ تغوّل سلطة "سنّيّة" متطرّفة. فعلى الرغم من أوجه الشبه الكثيرة بين (عراق 2003) و(سوريا 2024)، إلا أنّهما لا يقعان في النقطة نفسها من الخطّ الزمني.

 

لا توجد إحصاءات دقيقة، لكنّ العديد من التقارير تشير إلى أنّ حكومة الشرع في دمشق تسيطر على جزء من الأراضي السورية، وإذا جرت المفاوضات مع "قسد" بشكل جيّد وأفضت إلى اتفاق لتقاسم السلطة والنفوذ، فقد ترتفع هذه النسبة. في المقابل، تظلّ محافظة السويداء خارج نطاق السيطرة، وما تزال هناك مناطق عدّة تنشط فيها مجموعات داعش الإرهابية.

 

أمّا في العراق، فالحكومتان، المركزية في بغداد، والإقليمية في أربيل، تسيطران عملياً على غالبية الأراضي. كما أنّ في الأجهزة الأمنية العراقية الرسمية مستوىً عالٍ من الكفاءة والمهنية والقبول الاجتماعي، فضلاً عن قدرات تدريبية وتسليحية تفوق بكثير ما كانت عليه لحظة حزيران 2014 سيئة الصيت. ولا يُقارن هذا الوضع بحال القوات المسلحة السورية الجديدة، التي ما تزال تعاني من انعدام الانضباط وضبابية في عقيدتها القتالية الوطنية، وربما ستبقى كذلك إلى أجل غير معلوم.

 

هناك ألف سبب يدفع المكوّنات السكانية المختلفة في سوريا للاحتفاظ بسلاحها الشخصي أو الميليشياوي، وهناك ألف سبب لعدم الاحتفاظ بسلاح مماثل في العراق.

 

ما قامت به بعض الشخصيات المقرّبة من الميليشيات على وسائل الإعلام، من مقارنة وضع الشيعة في العراق بوضع الدروز في السويداء، هو أمرٌ يسيء للشيعة. فهم ليسوا مكوّناً صغيراً بلا غطاء أمني داخل بلد منهار، يستدعي تشكيل ميليشيات لحماية أنفسهم. فالدولة، عملياً، في يد الشيعة في العراق. وأمّا عقدة حزيران 2014، والانهيار الأمني السريع أمام تقدّم فلول داعش، فقد كانت نتيجة للسياسات الفاشلة والفساد وسوء إدارة الظرف الطارئ، لا نتيجةً لضعف أو تخاذل المؤسسة العسكرية.

 

كما أنّ اللحظة النفسية التي أفرزت فتوى الجهاد الكفائي، وحماسة الشباب للتطوّع في الفصائل للدفاع عن العراق، انتهت بتشكيل "هيئة الحشد الشعبي"، أي أنّ قدرة الرد العسكري من خارج المؤسسة الأمنية الرسمية تبلورت في مؤسسة جديدة. ومنذ تحرير الموصل وانتهاء المعارك، لم يعد هناك مبرّر لبقاء أي فصيل مسلّح خارج هذه المؤسسة.

 

إنّ التضحيات التي قدّمها الشباب في الحشد الشعبي، إلى جانب بقية الصنوف من الجيش والشرطة الاتحادية والبيشمركة والحشد العشائري وغيرهم، هي التي صنعت النصر وحرّرت الأرض من دنس الجماعات الإرهابية. وأيّ مواجهة جديدة ـ لا قدّر الله ـ لن تتصدّى لها ميليشيات لا تخضع لسلطة القانون، ولا تأتمر بتعليمات القائد العام للقوات المسلحة، ولا تكترث للتنسيق مع الجهد الدولي الذي ضمّ أكثر من 90 دولة لمحاربة داعش. علماً بأنّ كثيراً من هذه الدول هي عدوّة بنظر الفصائل.

 

حتى في أسوأ الاحتمالات، لو خاض العراق حرباً نظامية مع الدولة السورية، فإنّ حمايته لن تتحقّق بمزاج الميليشيات وخططها الخاصة التي لا تعلم الدولة عنها شيئاً. ولن يُكتب النصر للعراق إذا كان القرار الأمني بيد أشخاص لا يعترفون بالدستور، ولا بالقوانين العراقية، ولا بالمصالح العليا للبلد.

 

في الحقيقة، لا يوجد تهديد جدّي للعراق من الخارج، بل من الداخل، من مجموعات قد تهدّد الأمن حفاظاً على مصالحها ومواقعها الحالية. ومن إعلامٍ تُنفق عليه ملايين الدولارات للترويج لقراءات خاطئة وسرديات مزيّفة، تُربك وعي المتلقّي، وتشوّش الصورة العامة، وتربط بين قيم العقيدة الدينية وسلاحٍ لا يخدم مصالح الشعب العراقي، بل هي تهدّد بالدوس عليها في أيّة لحظة، إن رغبت الدولة بفرض سلطتها على هذه المجموعات.

 

 

 

 

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 8 أغسطس 2025 10:40 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.