متى تبدو المؤسسات الإعلامية قريبة من الناس؟ هذا سؤال يطرح دائماً في سياق النقاش الإعلامي والإجابات عليه محددة، لكن أبرز الإجابات وأقربها للحقيقة، هي حين تكون المؤسسة صوتاً لمن لا صوت له، وتكون أقرب للناس من أي جهة أخرى، وهذا ما جسدته مؤسسة "آفا ميديا" مؤخراً التي تألق اسمها في سماء كوردستان مع الساعات الأولى للفيضانات التي ضربت مدينة جمجمال وتكية التابعة لمحافظة السليمانية.
حين تحولت هذه المدن في ساعات إلى مكان غارق بالماء والمنازل والدكاكين كلها غارقة في الوحل، كانت "آفا ميديا" موجودة في كل المفاصل، بدءاً من إغاثة الملهوفين ووصولاً إلى إيصال فرق الإنقاذ لمن لا يسمع صوته أي أحد. إن هذه المؤسسة الإعلامية الكوردية التي لا يمر على تأسيسها عام ونيف والتي تبث من أربيل، ذاع صيتها على كل لسان في تلك الكارثة التي ضربت مدينة جمجمال، لأنها أثبتت أنها للناس وليس لأحد آخر.
وحين حصلت "آفا ميديا" على هذه المكانة، ليس فقط لتغطيتها الإعلامية المستمرة والشاملة للكارثة، بل بالهبة الإنسانية التي أطلقتها لنجدة متضرري الكارثة والحملة التي أطلقتها لتعويض المتضررين ومساعدتهم مع الساعات الأولى للكارثة وحتى الآن، حيث الحملة مستمرة وتداعيات الكارثة ما تزال تؤثر على حياة الناس. إن ما قابت به كان بوصفه واجباً أخلاقياً ومهنياً تجاه كارثة الفيضان، وهو أكبر بكثير من مجرد تغطية إعلامية باردة وعابرة.
ويمكن القول إن ما أنجزته "آفا ميديا" لم يكن عمل مؤسسة إعلامية فقط، بل كان عمل عشرات المنظمات، وأجهزة الإغاثة، ودوائر ادارية، كما أنه كان حملة شعبية شاملة لمواجهة كارثة جمجمال. فمذيعو "آفا ميديا"، الذين يدخلون بيوت الناس يومياً عبر شاشاتهم، لم يتركوا المتضررين لوحدهم، بل أصبحوا جزءاً من حزنهم وآلامهم وسنداً لهم.
ولم تضع "آفا ميديا" فقط قدراتها الإعلامية في مواجهة الكارثة، بل سخّرت أيضاً طاقاتها الإنسانية والإدارية بما يفوق حجمها الطبيعي لخدمة أهالي جمجمال المتضررين، وشاركتهم همّهم وساهمت في التخفيف من معاناتهم، وأطلقت حملة جمع تبرعات أشرفت هي عليها بنفسها.
وأثبتت هذه المؤسسة الإعلامية أن الكوارث الإنسانية يمكن أن تكون في المتن وتصبح قضية رأي عام، بعد أن أراد بعض الأطراف أن تمرّ الكارثة باعتبارها كارثة طبيعية عابرة وتكون في الهامش، وبالفعل، حرّكت "آفا ميديا" الشارع الكوردي بأكمله، وأطلقت فعلياً أول حملة إعلامية واسعة، تجاوزت كل الحدود والمناطق والانقسامات الحزبية والطبقية، وجعلت كوردستان جسداً واحداً في وجه الكارثة، من خلال إنجاز الحملة عبر تعب وسهر الشباب العاملين في المؤسسة.
ولم تكتفِ "آفا ميديا" بتحريك الرأي العام عبر شاشتها، بل حوّلت الاستوديو وساحتها إلى مركز للمساعدات، وأعلنت أرقام حسابات بانكية، وفتحت صناديق للتبرعات، شارك فيها المواطنون والمستثمرون الوطنيون بحماس كبير. كانت الحملة وطنية بامتياز، وقف فيها شعب كوردستان من كل المدن متضامناً ومتشاركاً في الألم مع أبناء جلدتهم في جمجمال وتكية وشورش وحتى المناطق التي تضررت في مدينة كركوك أيضاً، وهنا نعود إلى السؤال الذي بدأنا فيه المقال: متى تكون المؤسسة الإعلامية أقرب للناس؟ حين تجسد النموذج الذي قدمته "آفا ميديا" في مواجهة كوارث السيول الأخيرة.
(الجبال)