دول كثيرة تريد التأثير في الوضع السوري الراهن وترك بصمتها على مستقبل سوريا وما يسمى بسوريا الجديدة، ومن بين تلك الدول أو الجهات المؤثرة إقليم كوردستان العراق باعتباره تجربة سياسية كوردية يمكن أن يكون لها تأثير ودور إيجابي في الوضع السوري الجديد، خاصة على المناطق الكوردية أو في تسوية العلاقة بين المناطق و لقوى الكوردية من جهة، ودمشق وتركيا من جهة أخرى.
ومنذ اندلاع الثورة السورية فإن لإقليم كوردستان دور وعلاقة مؤثرة في الوضع السوري وهذا الدور خاصة في الجزء الشرقي منها (المناطق الكوردية) ينقسم إلى عدة مراحل.
المرحلة الأولى تبدأ مع أحداث الربيع العربي وتَفجّر الأوضاع في سوريا وبدء لجوء السوريين إلى الدول المجاورة حيث لجأ كثير من السوريين وجلّهم من القومية الكوردية إلى إقليم كوردستان وبدأوا من هناك يبحثون عن سكن وعمل وفرصة لحياة جديدة، وبالفعل فتح إقليم كوردستان أبوابه لإيواء الآلاف من السوريين الفارين من جحيم الحرب في بلادهم.
رغم أن الإقليم لم يكن دولة ولم يكن له مصدر دخل كبير، ومع ذلك آوا عدداً كبيراً من النازحين بدافع إنساني ومن واجب الأخوة والجيرة، لذلك قطعت بغداد حصة الإقليم من الموازنة الإجمالية السنوية.
المرحلة الثانية لتأثير إقليم كوردستان في سوريا تبدأ مع بدء هجمات الدولة الإسلامية في العراق والشام ضد المناطق الكوردية، حيث ساند الإقليم دبلوماسياً وعسكرياً "روجآفا كوردستان" وساهمت قوات البيشمركة التابعة لإقليم كوردستان في محاربة داعش والدفاع عن المناطق الكوردية، حيث قرّر برلمان كوردستان وبتوصية من الرئيس مسعود البرزاني إرسال قوة كبيرة إلى المناطق الكوردية لمحاربة داعش وصد هجماته ضد المناطق الكوردية، جنباً إلى جنب إخوتهم الكورد المقاتلين هناك.
من جانب آخر آوا إقليم كوردستان مجموعة من الشخصيات السياسية الكوردية السورية، وأحزاب سياسية، وساندهم سياسياً أيام الثورة السورية، حيث جعلوا من "هولير" العاصمة مركز نضالهم السياسي والمشاركة السياسية الفعّالة حتى سقوط نظام بشار الأسد.
المرحلة الثالثة والأهم للدور الإيجابي الذي لعبه ويلعبه إقليم كوردستان في سوريا تبدأ مع انهيار نظام الأسد و بدء المرحلة الجديدة في سوريا، حيث أن إقليم كوردستان كنموذج لكيان كوردي في المنطقة، يمكن أن يكون مثالاً يحتذى به من قبل النخبة السياسية في روجآفا كوردستان، فإقليم كوردستان نموذج مقبول دولياً و إقليمياً، ورغم التهديدات والمعوقات، إلا أنه أصبح بمثابة أمر واقع في المنطقة وتتعامل معه الدول الإقليمية والعالمية على مستوى عال.
ويستند إقليم كوردستان في تكوين وتثبيت وجوده، على عقلية الانفتاح والمشاركة داخلياً وخارجيا،ً فها نحن نشهد مشاركة جميع المكونات العرقية والدينية والايدولوجية والحزبية المختلفة في هذا الكيان.
وخارجياً أو بالأحرى إقليمياً فإن إقليم كوردستان بعث ومنذ إنشائها في 1991 برسائل الطمأنينة -عملياً لا نظرياً- إلى الدول المجاورة خاصة تركيا وإيران بأن هذا الكيان لن تكون مصدر تهديد لهم.
وقد تعامل إقليم كوردستان بالفعل مع دول الجوار على أساس المصالح المشتركة وبنت جسر علاقات متينة في المنطقة مع الدول العربية والخليجية.
بيت القصيد أن على "روجآفا كوردستان" أن يتعامل بنفس الطريقة داخلياً وخارجياً ويستطيع أن يستفيد من التجربة السياسية الكوردية في إقليم كوردستان من هذه الجوانب.
وتأتي زيارة مظلوم عبدي إلى هولير العاصمة والاجتماع مع الرئيس مسعود البارزاني في هذا السياق لنقل هذه العقلية إلى سوريا والتعامل مع دمشق على أساس الوحدة و حفظ الحقوق.
من جانب آخر واستكمالاً للصورة، رأينا لقاء وزير الخارجية السوري الجديد أحمد الشيباني مع السيد مسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم في منتدى دافوس و دعوته إياه إلى زيارة دمشق، ما يعكس ثقة الإدارة الجديدة في سوريا بالدور الإيجابي الذي سوف يلعبه الإقليم تقريب وجهات النظر بين الإدارة الجديدة في دمشق والإدارة المحلية في المناطق الكوردية، وفي جميع تلك اللقاءات جاءت القضية الكوردية وحقوق الشعب الكوردي في سوريا الجديدة على سلّم أولويات البحث.