التعايش الديني في كوردستان من أبعاده الثلاثة

4 قراءة دقيقة
التعايش الديني في كوردستان من أبعاده الثلاثة تعبيرية

يحتفل هذه الأيام المكون المسيحي الكوردستاني بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام في جميع مناطق اقليم كوردستان في سلام و وئام، واللافت أن المسيحيين ليسوا وحيدين في إحياء مناسبتهم هذه بل يشارك معهم النسيج الاجتماعي الكوردستاني، ويشارك الإعلام في كوردستان هذه المناسبة معهم، بنقل المهرجانات والصلوات الخاصة، كما وتشارك الحكومة والرئاسات هذه المناسبة ويهتمون بها اهتماماً لائقاً.


 
 حالة الاهتمام والمشاركة المجتمعية هذه بمناسبات المكونات في كوردستان  ليست خاصة بالأخوة المسيحيين، بل تنطبق هذه الحالة على جميع المكونات العرقية والدينية والمذهبية التي لها أعيادها ومناسباتها في البلد. حيث  يشارك المجتمع بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية والإعلام تلك المناسبات، ما يعكس في المجتمع جواً من التسامح وقبول الآخر.

 

ليس خافياً على أحد جو التسامح والتعايش الديني والعرقي والمذهبي المتنوع في إقليم  كوردستان، فهي نموذج فريد من نوعه في المنطقة، ليس اليوم فقط بل منذ أوائل تأسيس النظام السياسي في الإقليم، إذ اعترف برلمان الإقليم بأن شعب كوردستان يتكون من طوائف ومكونات متنوعة وللجميع الحق بممارسة شعائرهم الدينية والمذهبية، ليس فقط هذا، بل لهم الحق بالتمثيل السياسي و النيابي، لذلك لم تشارك الأقليات في النظام السياسي الكوردستاني كأفراد فقط بل كممثلين لأقلياتهم وطوائفهم.وأتيح لهم نظام الكوتا الذي سهل لهم مشاركة عادلة بالوصول إلى مقاعد البرلمان  في جميع  الدورات الانتخابية و البرلمانية. ولا تختصر مشاركة الأقليات في البرلمان فقط، بل حتى في الكابينات الحكومية جميعها-كوزراء.

 

إن هذا التعايش والتسامح الديني هو ما تحتاجه منطقتنا برمتها، فمنذ تأسيسها على أسس اتفاقية سايكس بيكو، تعاني هذه المنطقة من عقلية التهميش وهضم حقوق الأقليات والمكونات المتنوعة على طليعته المكون الكوردي الذي هو أحد أكبر مكونات المنطقة.

 

 والحق أنه لن يكون هناك سلام و وئام وتطور في هذه المنطقة إذا لم تعترف جميع دول المنطقة بأن هناك تنوعاً عرقياً و قومياً ومذهبياً و دينياً فيها، وللجميع الحق في التعبير عن معتقداته بل لها الحق في التمثيل السياسي أيضاً.

 

إن حالة السلام التي تعيشها كوردستان في منطقة مليئة بالصراعات ما هي إلا ثمرة العقلية الانفتاحية الواقعية التي اعترفت بوجود هذا التنوع وسهلت لها طريق المشاركة السياسية. 

 

ومن المهم أن نعلم أن التعايش الديني والعرقي في كوردستان له أبعاد مختلفة تختصر في ثلاثة: (البعد القانوني) و(البعد السياسي) و(البعد الاجتماعي والفكري) . 

 

ولا بدّ من الإشارة إلى أنه كان للكتاب والمثقفين الكورد دور في ترسيخ حالة التعايش هذه، وقبول الآخر. إذ يتمتع المثقفون الكورد بانفتاح فكري وديني، وكان لهم دور في تثبيت حقوق المكونات وترسيخ وجودهم الاجتماعي والديني وما تسمية المكونات بـ"المكونات" بدلاً من  "الأقليات" إلا ثمرة لجهود هؤلاء الكتاب، حيث يرى المجتمع الكوردي أنه لا أقليات في المجتمع الكوردستاني بل مكونات وأن كوردستان تتكون من مكونات عدة.

 

وهذه الأبعاد القانونية والسياسية والفكرية تمخضت عن انفتاح اجتماعي على التنوع العرقي والديني، حيث لا توجد كراهية أو تباعد اجتماعي بسبب الدين أو العرق، بل على العكس تماماً يوجد تآلف وتحابب اجتماعي لدرجة مشاركة المسلمين في بعض القرى والمدن الكوردية خاصة في دهوك، المسيحين، عيد مولد المسيح وتهنئتهم وزيارتهم في بيوتهم بهذه المناسبة. فنموذج كوردستان في التعايش الديني والعرقي نموذج أخلاقي سياسي ديني، ويمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به لبناء شرق أوسط ديمقراطي جديد يسوده السلام والوئام.

عبدالله ريشاوي كاتب صحفي

نُشرت في الأحد 29 ديسمبر 2024 03:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.