سلاح اللصوص أكثر تطوراً.. ذي قار ثلث مساحتها آثار وتحارب السراق بـ140 حارساً فقط

7 قراءة دقيقة
سلاح اللصوص أكثر تطوراً.. ذي قار ثلث مساحتها آثار وتحارب السراق بـ140 حارساً فقط اثاريون في ذي قار

"النباشة" اخترقوا المواقع بـ2000 حفرة

ينطلق كاظم نعيم الذي لا يتجاوز راتبه 450 ألف دينار شهرياً، في رحلة طويلة في سيارته الصالون، يقطع خلالها 45 كيلومتراً عن محل سكناه في قضاء الرفاعي شمال ذي قار، ليصل إلى أحد أهم المواقع الأثرية وهو تل جوخا الذي تعرض للسرقة والنبش خلال الأعوام التي تلت 2003 نتيجة الضعف الأمني آنذاك، هذا الموقع الذي يمتد على مساحة 8 كيلومترات مربعة، يتعرض بين الحين والآخر لمحاولات سرقة منظمة من قبل عصابات تستغل الظلام للسرقة.

 

مع رفيقه يظل نعيم طوال الليل في هذا المكان الموحش، محارباً لحماية ما تبقى من إرث تاريخي، فالموقع بعيد عن أي تواجد سكاني، ولا يمكن الوصول إليه بسهولة، فطرق المنطقة غير معبدة، ورغم كل هذه التحديات، يبقى نعيم مستمراً في مهمته التي يصفها بـ"النبيلة".

 

مواجهات مسلحة 

 

التحديات هنا لا تُعد ولا تُحصى، إذ يروي نعيم لمنصة "الجبال" أن العصابات التي تستهدف الموقع تمتلك معدات متطورة، وأحياناً يستغلون الأمطار الغزيرة في فصل الشتاء ليتسللوا بسهولة، ويتحدث عن اللحظات التي شعر بها أحد رفاقه اثناء مناوبته اذ احس بوجود حركة مريبة، وعندما خرج ليتحقق من الأمر، اكتشف أنها مجموعة من اللصوص الذين يحاولون الحفر لكن المواجهة كانت على أشدها، حيث وجه عليهم إطلاق نار من سلاحه البسيط "كلاشنكوف"  ليردوا عليه بشدة من أسلحتهم ليقوم بالاتصال بـ"كاظم" لإبلاغ الشرطة وتوجهت في حينها قوة متكاملة وتواجه تلك المجموعة بوابل من الرصاص ويهربوا في جنح الليل.

 

رغم هذه المخاطر، يعاني نعيم ورفاقه من نقص حاد في الموارد المالية، فلا تخصيصات كافية تُمكنهم من أداء مهمتهم كما ينبغي بدلًا من أن يحصلوا على الدعم اللازم، يتحملون مصاريف النقل والطعام من جيوبهم الخاصة، إذ أن أي فرد من الحراسة ممن لا يملك سيارة يجب أن يستأجر واحدة وترافقه لليوم التالي، إذ أن المنطقة منعزلة وأجور النقل  تصل إلى 30 ألفاً أو 40 ألف دينار، وهذا مما يجعل أجرهم الشهري غير كافٍ لمواجهة تلك الصعوبات.

 

لـ"نعيم" ورفاقه الـ 13 أهمية بحراسة هذا الموقع ففي كل يوم يحرسه اثنين رغم قلة الإمكانيات وضراوة المعركة ضد الزمن والعصابات، لكن مهمتهم هي الدفاع عن حضارة تهم الإنسانية بأسرها، فهم بحاجة إلى دعم حقيقي يوازي حجم التحديات التي يواجهونها.

 

حراس الآثار

 

"تل جوخا" هو أحد المواقع الأثرية في محافظة ذي قار، التي تضم أكثر من 1250 موقعاً آثارياً منتشرة في مختلف أنحاء المحافظة بينما يحظى بعضها بحراسة مشددة ويظل البعض الآخر مهملًا، دون أي حماية فعلية وتبقى متروكة أمام سكان القرى والمناطق الريفية أو البدو المجاورين لها، وثقافة المجتمع بعدم التجاوز عليه، فإن عدم تخصيص أعداد كافية من الحراس يجعل حماية هذه الأماكن تحدياً كبيراً.

 

مدير مفتشية آثار ذي قار شامل الرميض بيّن لمنصة "الجبال" حجم التحديات التي يواجهونا فهم لا يمتلكون سوى 140 حارساً أمنياً يعملون على حراسة 100 موقع آثاري موزعين بحسب حاجة وأهمية ومكان كل موقع، إذ أن تل جوخا فيه 14 حارساً ومدينة أور الآثارية، 7 حراس ومدينة أريدو فيها حارساً واحداً ولكش فيها 4 من الحراس.

 

ويوضح الرميض سبب مضاعفة العدد في موقع تل جوخا، بالقول إن "هذا الموقع لكبر حجمه وموقعه قريب، حيث أن ما قيس بالمواقع الأخرى، فيمكن للصوص الوصول إليه، وهو تعرض للسرقة خلال السنوات التي أعقبت احتلال العراق عام 2003 وحتى 2005، إذ بلغت عدد الحفر التي فيه 2000 حفرة وسرقوا منه كنوزاً ثمينة، ليتم بعد ذلك استعادة الجهات المعنية زمامها وتوفير الحراسة الكاملة عليه.

 

ويلفت الرميض إلى أن "المواقع الآثارية في المحافظة تضم قسمين، المسجلة منها والمعلنة في جريدة الوقائع العراقية وفيها إحداثيات متكاملة هي 525 موقع اما المتبقي والتي هي محددة بشكل كامل ولكن لم تتم لها عملية المسح والأحداثيات تبلغ 750 موقعاً".

 

ومع هذا العدد الكبير من المواقع، فإن "المنقب منها لا يتجاوز العشرة مواقع، لأن عملية التنقيب تتطلب موازنة كبيرة وجهداً متواصلاً، وعملية التنقيب التي تحصل اليوم هي عبر تعاقدت من قبل البعثات التنقيبية الأجنبية مع الهيئة العامة للتراث والآثار".

 

وأوضح الرميض أن "المواقع التي تم التنقيب بها هي تل جوخا ولكش وكرسو وأور وأريدو ولارسا وأبو طبيرة وتل زرغل وكبيبة وأن المواسم التنقيبية تكون لمرتين في السنة الواحدة، ففي كل مرة يستغرق العمل بها قرابة الشهرين أو أقل من ذلك وإلى جانبهم كوادر تنقيبية عراقية لغرض الاستفادة من المستخرجات، إذ يتم تسليمها إلى المتحف الوطني فيما يتم الاستفادة من المعلومات القيمة".

 

المدن المدفونة

 

المنقب الأثري عامر عبد الرزاق، يقول إن "عمليات التنقيب في المدن المدفونة تتطلب سنوات طويلة لاكتشاف خباياها، حيث لا يزال العمل مستمراً للكشف عن المزيد من الآثار وأن الأعمال الأولية للبعثات الأثرية كشفت عن العديد من الاكتشافات المدهشة، مثل أول جسر في التاريخ في مدينة كرسو، الذي يعود إلى عام 2400 قبل الميلاد، ويبلغ طوله 12 متراً كما تم العثور على أثر إسلامي في مدينة كُبَيْبَة الأثرية شمال الناصرية، عبارة عن مسجد يعود إلى العصر الأموي، وتحديداً لعام 60 هجرياً، وكان يتسع لـ 25 مصلياً، وذلك بفضل جهود البعثة البريطانية التي قامت بالاكتشاف".

 

وتقدر المساحة الإجمالية للمواقع الأثرية في محافظة ذي قار إذا ما تم قياسها جميع عل أصغر موقع آثاري مع محرمات الأرض بحوالي 3 كيلومترات مربعة، وهذا يعني أن المساحة الكلية للمواقع الأثرية تتجاوز 3800 كيلومتر مربع، أي أنها تمثل ما يقارب ثلث المساحة الإجمالية للمحافظة.

 

"متحف مفتوح"

 

فيما يصف الباحث في الشأن الأثري أمير دوشي في حديثه لمنصة "الجبال" أن "محافظة ذي قار تُعتبر متحفاً أثرياً مفتوحاً بفضل تنوع المواقع الأثرية التي تضمها ورغم هذا الكم الهائل من الآثار، فإن طرق حمايتها لا تزال بدائية وغير كافية، حيث تواجه المواقع تهديدات مستمرة كما يحاول السراق باستخدام التقنيات المتطورة مثل الكاميرات الحرارية وأدوات متقدمة الوصول إلى الأماكن الآثارية، في حين لا يزال الحارس الأمني يعتمد على سلاح من نوع كلاشنكوف". 

 

وأشار دوشي إلى أن "هذا الملف يجب أن يحظى باهتمام الحكومة العراقية، خاصة في ظل الأزمات السياسية المتتالية التي تؤثر على الواقع الأمني وأن هذه المواقع الأثرية يمكن أن تُسهم بشكل إيجابي في الاقتصاد الوطني، خصوصاً في القطاع السياحي، مستشهداً بتصريح العالم الأثري الإيطالي ماسيمو الذي قال: "لا يعد المنقب أثرياً إذا لم ينقب في بلاد الرافدين".

 

وتنظم شرطة الآثار في محافظة ذي قار دوريات جوالة بشكل متواصل على المواقع الأثرية لمراقبة أي محاولات للسرقة أو أعمال تخريب قد يقوم بها العابثون وقد أسفرت هذه الدوريات عن ضبط العديد من اللقى الأثرية التي تم العثور عليها بالقرب من سطح الأرض أو في أماكن قد تكون معدة للتهريب، مما يعكس الجهود المستمرة لحماية التراث التاريخي من التدمير والسرقة.

 

منتظر الخرسان

نُشرت في الاثنين 25 نوفمبر 2024 05:22 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.