في ظل الإقبال المتزايد على التعليم العالي في العراق، باتت الكليات الأهلية تنتشر بشكل كبير، لكن هل هذا الانتشار الذي يُوصف أحياناً بـ"الفوضوي" يضمن جودة التعليم؟ حيث بات الكثيرون يخشون من تحول هذه الكليات إلى مؤسسات تجارية تسعى إلى الربح المادي على حساب الجودة الأكاديمية، مما يهدد مستقبل التعليم العالي في البلاد.
وبحسب موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الالكتروني، فإن هناك 70 كلية وجامعة أهلية موجودة الآن في العراق، مقارنة بـ٣٨ كلية أهلية فقط في 2013 بحسب بيان سابق للوزارة.
وتدرس وزارة التعليم العالي، بحس بيانات للوزارة، خططاً جديدة لاستحداث برامج دراسات عليا في الجامعات الأهلية، وتؤكد أنها تلقت العديد من الطلبات التي تتم دراستها، كما تقول الوزارة إنها تدعم فتح دراسات عليا في الجامعات الأهلية التي تقدم برامج توأمة علمية مع جامعات عالمية مرموقة، الأمر الذي قد يزيد من عبء التعليم في البلاد وفقاً للمراقبين بهذا الشأن.
وبحسب تقرير سابق صادر عن مؤشر التعليم لدى الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط للعام 2019 - 2020 فإن عدد المتخرجين من الدراسات الجامعية الأولية (الجامعات الحكومية) بلغ 107.854، بينما بلغ عدد المتخرجين من الدراسات الجامعية الأولية -الكليات الأهلية 27.368.
وسبق لوزير التخطيط العراقي السابق، خالد بتال، الكشف عن أعداد المتخرجين من التعليم الجامعي الأهلي في العراق، مؤكداً أن أعداد الخريجين بلغ حوالي 30% من الطلبة المقبولين سنوياً، مشيراً إلى أهمية رفع هذه النسبة إلى 50%
ما رأي الطلاب؟
"صراحة، ضيعت وقتي ومالي في الكلية الأهلية، الرسوم الدراسية مرتفعة جداً مقارنة بالخدمات اللي تقدمها، المقررات الدراسية غير متعمقة، والأستاذة ما يهتمون بالطلاب، وكثير منهم ما عندهم خبرة عملية"، هذا ما قاله أحمد الباسم، وهو طالب بإحدى الكليات الأهلية في بغداد.
ويضيف الباسم، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "الكليات الأهلية في العراق أصبحت عبارة عن تجارة أكثر منها تعليم"، مبيناً أن "الرسوم الدراسية في هذه الكليات مرتفعة جداً، ولا تتناسب مع جودة التعليم الذي تقدمه، حيث أن العديد من الطلبة يعانون من أعباء مالية كبيرة بسبب هذه الرسوم، مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي".
بينما تقول سارة محمد، طالبة أخرى تدرس التحليلات المرضية في إحدى الكليات الأهلية ، إن "مشكلة الكليات الأهلية تركز فقط على الجانب النظري، والتطبيق العملي قليل جداً، ما يجعل جميع الطلبة لا يملكون أي معلومة عملية بعد التخرخ".
وترى الطالبة، أن "المختبرات والمرافق التعليمية في جميع الكليات الأهلية غير مجهزة بشكل جيد، مما يؤثر سلباً على جودة التعليم"، مضيفة أن " الطلبة يدفعون مبالغ طائلة مقابل شهادة فقط، لا مقابل تعليم حقيقي، اذ أن المحاضرات مملة، والأساتذة لا يهتمون بتوضيح المفاهيم، وكثير منهم يعتمدون على الحفظ والتلقين بدلاً من التفكير النقدي".
وفي خضم قضية تعدد الكليات الأهلية، سلطت هيئة النزاهة الاتحادية، الضوء على واقع التعليم الجامعي الأهلي في العراق، فيما أكدت عدم تسديد 34 جامعة وكلية أهلية الإيرادات الإجمالية منذ 2016.
ووفقاً لبيان مكتب الإعلام والاتصال الحكومي، فإن هيئة النزاهة أظهرت أن 34 جامعة وكلية أهلية لم تسدد حصة وزارة التعليم العالي من الإيرادات الإجمالية منذ عام 2016، وأن 46 من أصل 72 كلية وجامعة أهلية هي بمستوى كلية وليس جامعة، حسب قولها.
مستوى التعليم
وفي مطلع العام الجاري، قررت وزارة التعليم العالي، إيقاف استحداث كليات طب الأسنان والصيدلة الأهلية، بناء على توصيات محضر لجنة القرار 92 الذي يتضمن تقليل الأعداد، وإيقاف استحداث كليات جديدة الصادرة عن وزارة التخطيط، وذلك لوجود اعداد كبيرة من هذه الكليات في عموم العراق.
وتقول سرى علاء، وهي تدريسية في أحدى الكليات الأهلية الموجودة في جانب الرصافة من العاصمة بغداد، إن "هناك العديد من العوامل التي تدخل بتقييم الكليات الأهلية ومنها جودة الكادر التدريسي والبنى التحتية للكلية، فضلاً عن نوعية الأقسام الموجودة".
وتضيف علاء، في حديث لـ "الجبال"، أن "وزارة التعليم فرضت العديد من القيود على الكليات الأهلية خلال السنوات القليلة الماضية ما أسفر عن تحسن نسبي بجودة الكليات مقارنة بالأعوام الأخرى"، مبينة أن "الكليات شهدت سابقاً تخرج طلبة لا يجيدون كتابة اسمائهم، أما الآن فالأمر تحسن".
ووفقاً لعلاء وهي التي تدرس في قسم التحليلات المرضية، فإن الكليات الأهلية تقدم تطبيق عملي للمواد على غرار الجامعات الحكومية وفي نفس المستوى تقريباً.
وعلى عكس حديث التدريسية سرى، يقول أحمد البياتي، وهو تدريسي في كلية أهلية موجودة بجانب الكرخ من العاصمة بغداد، في حديث لـ "الجبال"، إن "الإدارة الجامعية في بعض الكليات الأهلية بحاجة إلى إعادة هيكلة، فغياب التخطيط الاستراتيجي، وقلة الشفافية في اتخاذ القرارات، والتدخلات السياسية، كلها عوامل تؤثر سلباً على سير العمل الأكاديمي".
ويتابع البياتي، قائلاً إن "المقارنة بين الكليات الأهلية والجامعات الحكومية أمر غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، فبينما تسعى الجامعات الحكومية جاهدة لتحسين جودة التعليم وتطوير المناهج الدراسية، تجد بعض الكليات الأهلية تركز على الجانب التجاري أكثر من الجانب الأكاديمي".
وحاول مراسل منصة "الجبال"، التواصل مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عبر الناطق الرسمي حيدر العبودي، لسؤاله عن مشتوى التعليم بالكليات الأهلية لكن لم نتلق أي اجابة رغم تكرار المحاولات على مدار أكثر من يوم.
ويمنح قانون التعليم العالي الأهلي في العراق رقم 25 لعام 2016، مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزير التعليم العالي وبعد استكمال كافة متطلبات التأسيس، منح إجازة تأسيس الجامعة أو الكلية أو المعهد الأهلي لأي من الجهات.
واعطى القانون حق تأسيس الكلية بشروط أبرزها "أن يكون صاحبها من حملة شهادة الدكتوراه أو الماجستير من المتقاعدين أو من غير الموظفين ممن هم بمرتبة أستاذ مساعد على الأقل، على أن لا يقل عددهم عن 9 أعضاء لتأسيس الجامعة الأهلية، و7 لتأسيس الكلية الأهلية، و5 أعضاء لتأسيس المعهد الأهلي".
أجور الكليات الأهلية
وفي هذا الصدد، يقول حيدر الموسوي، وهو باحث تربوي، إن "هناك خلل في ملف الكليات الاهلية التي تفوق الحكومية التي لا تتعدى الـ 30 جامعة"، معتبرا أن هذا التوسع يعود لـ"تلكؤ الحكومة بفتح جامعات وكليات تتناسب مع الزيادة الكبيرة لأعداد الطلبة".
"بالمقارنة ما بين ما تأخذه هذه الكليات من أموال والمستوى العلمي الذي تقدمه للطلبة، نجد هناك فوارق كبيرة جداً بين الأثنين"، والكلام للموسوي، الذي استطرد في حديثه قائلاً "يجب مراجعة موضوع الأسعار على سبيل المثال مبلغ 8 ملايين دينار عراقي في السنة الواحدة لكلية الصيدلة مبلغ كبير جداً، وبالتالي هكذا أسعار تحرم الطبقة الفقيرة من الحصول على مقعد".
ويشير الباحث التربوي، إلى أن "الرصانة العلمية الموجودة في الجامعات الحكومية لا تجدها في الجامعات الأهلية، لأسباب عديدة أبرزها الكوادر التدريسية فمعظمهم لا يملكون خبرة في مجال التدريس"، مضيفاً أن "الكليات الأهلية أصبحت عملية تجارية الأمر الذي أسفر عن أضرار كبيرة في قطاع التعليم العراقي".