مسلسل "الجنة والنار".. "الشللية" لا تطور التجارب

5 قراءة دقيقة
مسلسل "الجنة والنار".. "الشللية" لا تطور التجارب

ملاحظات أولية حول العمل

بعد متابعة 8 حلقات من مسلسل "الجنة والنار"، يمكن للمرء أن يخرج برأي أولي حول العمل الذي نرى أنه ما يزال في طور التجربة ولم يصل إلى المستوى المطلوب أو ينافس الأعمال العربية على الأقل والتي تخرج بحكايات من مدن منسية أيضاً. وعلى الرغم من تقديم بعض الوجوه التمثيلية الواعدة، إلا أنّ العمل يعاني من العديد من الثغرات الفنية والإبداعية، وبهدف إثراء النقاش الثقافي حول العمل ومحاولات التطوير، أقول إن النص والقصة يفتقران إلى العمق والإثارة والتناسق الدرامي، ولم أجد أي عبارة أو مشهد يستحق أن يناقش في إطار الإثارة والتشويق. بالإضافة إلى ذلك، يعاني العمل من مشاكل في الصوت والإخراج والتصوير والإنتاج بشكل عام.

 

وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن غياب الموسيقى التصويرية الجيّدة هو نقص كبير في الكثير من الأعمال الدرامية العراقية. الموسيقى هي عنصر أساسي في إضفاء جو معين على المشاهد وتعزيز المشاعر التي يريد العمل إيصالها للمشاهد، وقد لاحظت أن الموسيقى التصويرية بعيدة عن بيئة العمل حتى وجدت أحد الأصدقاء يرفق في منشوره رابطاً للموسيقى التي تم اقتباسها من عمل آخر!

 

 

إن محاولة تصوير البيئة العراقية، خاصة في مدن مثل الناصرية، بطريقة مطابقة للأعمال الإيرانية أمر شبه مستحيل. فالاختلافات الثقافية والسلوكية بين المجتمعين العراقي والإيراني، وخاصة في طريقة التعبير، تجعل من الصعب تطبيق نفس النماذج. وبينما تتميز البيئة الإيرانية بطابعها الهادئ، فإن البيئة العراقية، وخاصة في المناطق العشائرية، تتميز بطابعها الصاخب الذي أراد العمل نقله، لكن الإفراط في استخدام مشاهد الصراخ  والشجار أدى إلى خلق جو من الفوضى والضجيج المستمر، مما جعل المشاهد غير قادر على استيعاب الأحداث وتفاصيل القصة بشكل واضح. حتى في المشاهد التي تتطلب الهدوء، مثل زيارة المريض أو تناول الطعام، كان الصراخ والضوضاء طاغية، مما زاد من إرهاق المشاهد وتحفيزه على البحث عن لحظات هدوء يستطيع من خلالها استيعاب ما يجري.

 

ما أثار انتباهي هو المبالغة في آراء بعض الكتاب والنقاد. صحيح أن الأمر راجع إلى الأذواق ومن الضروري تشجيع الأعمال الواعدة، لكن ملاحظات الأوساط الثقافية في أعمال كهذه مهمة للمساهمة في صناعة بيئة يمكن أن تنافس. كنتُ أثق بآراء كثير من هؤلاء الكتاب سابقاً، لكنني أصبحتُ أشكك في موضوعيتهم بعد هذا العمل. ومن المعروف أن هناك تكتلات وتيارات في عالم النقد، وعندما تتفق هذه التيارات على نجاح عمل ما، فإن هذا العمل غالباً ما يحظى بالكثير من الدعاية والإشادة، خاصة وأنه من الشائع أن تكون هذه النقاشات قد نشأت في المقاهي الشهيرة مثل مقاهي "الكرادة"، التي أنتجت لنا الشلل، كما أن هذه "الشللية" باستطاعتها أن تروج للملح على أنه سكر إن اتفقت على ذلك!

 

من الجوانب الإيجابية لهذا العمل هو استخدامه للهجة العامية العراقية بشكل طبيعي وسلس، الأمر الذي تفتقده الكثير من الأعمال الدرامية العراقية، فغالباً ما يلجأ الممثلون إلى استخدام لغة مسرحية أو مزيج غير طبيعي من الفصحى والعامية. نجح المسلسل في الوصول إلى قلوب المشاهدين العراقيين بفضل استخدامه للهجة العامية الناصرية المستخدمة. هذا الأمر خلق حالة من التعاطف والتواصل بين العمل والجمهور، خاصة وأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إنتاج عمل درامي بهذه اللهجة والواقعية، مما أثار مشاعر الانتماء والفخر لدى المشاهدين. تجد هذه الفئة من الجمهور متعة خاصة عندما يستخدم الممثل عبارات مألوفة أو تعابير تستخدم في حياتهم اليومية. إن هذا الأمر يخلق شعوراً قوياً لدى المشاهد بأنه جزء لا يتجزأ من القصة، وكأنه يعيش التجربة بنفسه، مما يجعله يشعر وكأنه البطل الحقيقي للقصة.

 

ولكن الملاحظات هنا هي من الناحية الفنية، إذ أن العمل يوصل الشعور للقارئ بأنه كان "ارتجالياً"، ولم تكن هناك ورشة كتابة أو كاتب لديه أدوات جيدة في خلق التناسق القصصي، وربما، أقول ربما أنه بإزالة المشاهد المتكررة للمشاجرات و"الحلفان"، يتقلص العمل بشكل ملحوظ، مما يشير إلى ضعف السرد واعتماد العمل بشكل كبير على هذه العناصر لملء الفراغ، ولعلّ هذه العناصر "إعلامية" وليست فنية.

 

إن هذا الأمر يثير تساؤلات حول القيمة الفنية الحقيقية للعمل وما إذا كان يقدم تجربة مشاهدة غنية. نعم من المهم أن نجسد الواقع في الأعمال الفنية، لكن الإبداع الحقيقي هو القدرة على تحويل المادة الخام – أي الواقع الذي نعيشه – إلى عمل فني. هو فن الخبز الذي يتطلب مهارة وحرفية لتحويل العجين إلى خبز لذيذ. ولكن للأسف، صناع العمل اكتفوا بتقديم مكونات العجين دون أن يكملوا عملية الخبز.

 

قال نيتشه في إضاءة جميلة بما معناه، إن الإنسان اخترع الفن لكي لا يموت من الحقيقة. وهي إشارة إلى ما تفعله الأعمال الفنية في الإنسان وتأثيرها عليه، لكن وفي تجاهل نقاش الفن للفن وإبعاد الرسائل عنه، أتساءل عن الفائدة من مشاهد تقدم مشاجرات متواصلة دون حوارات يمكن أن تعرّف المشاهد التفاصيل العميقة عن مدينة أو مجتمع ما. إنها تفاصيل تقول لنا انطباعات الناس، أفكارهم وتصوراتهم عن الحياة، خيباتهم وبؤسهم الحقيقي، وبين كل هذا، يمكن تقديم المشاجرة كفعل يمكن أن يحدث، لكنه لا يحدث طوال الساعة!

 

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في الجمعة 30 أغسطس 2024 09:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.