أثار إعلان وزارة المالية الاتحادية إيقاف تمويل مخصصات رواتب موظفي إقليم كوردستان، الذي أعقب توقيع حكومة الإقليم اتفاقيات مع شركات أميركية للاستثمار في مجال النفط والطاقة، ردود فعل متباينة، وسجالات مفتوحة وصلت إلى حد الحديث عن "انسحاب" كوردي من العملية السياسية في بغداد والانتخابات المقررة في تشرين الثاني المقبل، في وقت يرى فيه محللون ومراقبون للشأن العراقي، أن رواتب موظفي الإقليم يجب أن تكون بعيدة عن تلك السجالات وأن لا تستخدم كـ"ورقة ضغط".
ويوم أمس حذّر مستشار لرئيس حكومة إقليم كوردستان، في تصريح لمنصّة "الجبال"، من تداعيات قرار المالية الاتحادية إيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم لما تبقى من 2025، قائلاً: "إذا استمر هذا الوضع، فإن الانسحاب الكامل للتمثيل الكوردي من مؤسسات الدولة في بغداد أمر وارد. وقد يصل الأمر إلى حد الانسحاب من انتخابات مجلس النواب العراقي المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".
في السياق: قطع رواتب موظفي كوردستان يُهدد بـ"انسحاب كوردي شامل" من بغداد والانتخابات العراقية المقبلة
الباحث السياسي مجاشع التميمي، دعا إلى إبعاد رواتب موظفي إقليم كوردستان عن السجالات السياسية.
وقال التميمي في تصريح لمنصّة "الجبال": "بالنظر إلى تعقيدات العلاقة بين بغداد وأربيل، من الضروري إبعاد ملف رواتب موظفي إقليم كوردستان عن السجالات السياسية، ولا يجوز استخدام الرواتب كورقة ضغط، لأن المتضرر الحقيقي هو المواطن الكوردي البسيط، والرواتب حق دستوري، ويجب ألّا تُربط بالخلافات".
وحمّل التميمي، الحكومة العراقية، "مسؤولية صرف الرواتب حين تلتزم أربيل بتسليم الإيرادات السيادية كاملة"، مبيناّ أن "استمرار النزاع يُلحق ضرراً كبيراً بثقة المواطن بالدولة، والمطلوب هو إيجاد آلية دائمة ومحايدة تضمن دفع الرواتب بعيداً عن التجاذبات، على أن تعتمد الرقابة المتبادلة بين الطرفين، وبناء الثقة يبدأ من احترام الحقوق، وأولها حق الموظف في راتبه، بلا مساومة سياسية".
إقرأ/ ي أيضاً: أربع نقاط.. مالية كوردستان تردّ على قرار إيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم
من جانبه، أكد السياسي نبيل العزاوي، أن رواتب موظفي كوردستان حق دستوري لا يمكن أن يلُغى تحت أي سبب كان.
العزاوي قال في تصريح لمنصّة "الجبال"، إنه "في كل دولة تحدث خلافات وإشكالات ، لكن تلك الإشكالات تُحلّ بالأطر القانونية والدستورية ، ولا يمكن أن تبقى بلا نهاية، ومن هنا نقول يجب حلّ الخلافات ما بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان وفق الأطر القانونية التي رسمها الدستور العراقي المصوت عليه".
"المنطقة في سخونة عالية"
وبين، أن "الإقليم هو جزء من العراق الفيدرالي الاتحادي، عليه واجبات ولديه حقوق، وأبناء الإقليم عراقيون، لا يختلفون عن أبناء أية محافظة عراقية، ولتمضي الاجتماعات واللقاءات لحلّ الخلافات والوصول لمساحة تقارب ممكنة ترضى بها الحكومة الاتحادية وبنفس الوقت لا تقوّض صلاحيات الإقليم القانونية، وإلى أن نصل للحلول الممكنة، لا يمكن أن يبقى هذا الشعب بلا استحقاقات تمكّنه من العيش بكرامة، وهذا الواجب مكفول قانوناً ودستوراً".
وأضاف، أن "الكل بانتظار الحلول المنطقية لا الورقية، وخصوصاً أن هذه الحكومة هي حكومة خدمات، وأعتقد أن الحلّ قادم، يجب الإنصات لكل الآراء والأفكار من الجميع وبلا استثناء، لإنهاء هذه الأزمات الفنية التي يمكن أن تحل إذا صدقت النوايا وتشابكت الإرادات".
وأكد، أن "الذي يصيب أربيل يصيب بغداد، والكل بسفينة واحدة، وعليه يجب التفاهم الآن، خصوصاً قبل الانتخابات التي يُجمع الكل أنها الأهم من كل الاستحقاقات الماضية، لأن المنطقة بسخونة عالية وتحتاج التبريد من خلال رسم علاقة واقعية بين بغداد وأربيل على أساس التوازن والاتفاق والشراكة".
وفي وقت سابق، تساءل الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، عن ما إذا كان القرار له علاقة بتوقيع إقليم كوردستان عقدين نفطيين مع شركتين أميركيتين، أم أنه قرار يرتبط بنقص السيولة لدى الحكومة الاتحادية؟.
وقال المرسومي في تدوينة تابعتها "الجبال"، "كيف استلم الإقليم كامل حصته في الموازنة وما زلنا في شهر أيار؟، علماً أن الإقليم قد استلم في هذا العام 3.8 ترليون دينار من أصل حصته في الموازنة التي تبلغ 13.5 ترليون دينار".
وأضاف، "ألا توجد وسيلة أخرى لمعاقبة الإقليم غير قطع رواتب موظفيه، الذين دائماً ما يكونون ضحايا الخلاف السياسي والاقتصادي بين المركز والإقليم؟".
وتساءل المرسومي، قائلاً: "هل القرار له علاقة بتوقيع الإقليم لعقدين نفطيين مع شركتين أميركيتين دون علم بغداد؟. هل يرتبط إيقاف رواتب موظفي الاقليم بنقص السيولة المتاحة عند الحكومة الاتحادية؟. هل كان القرار مالياً فحسب أم أنه ذو بعد سياسي في سنة انتخابية؟".
إقرأ/ ي أيضاً: المالية الاتحادية تسرد أسباب إيقاف تمويل رواتب موظفي كوردستان
ويوم أمس، حذّر الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مما وصفه بـ"انتهاك" الحكومة الاتحادية للحقوق الدستورية لإقليم كوردستان.
وذكر بيان صادر عن الحزب الديمقراطي وتلقت "الجبال"، نسخة منه، أنه "يحذر من استمرار الحكومة الاتحادية بانتهاك الحقوق الدستورية لإقليم كردستان".
وبحسب البيان، فإن "المخالفة الأخيرة هي كتاب وزارة المالية الصادر أمس، والذي يخالف الدستور ومبادئ اتفاق تشكيل الحكومة. وتسييس قوت الشعب، وسوف نناقش هذه القضية في الاجتماع القادم للجنة المركزية لحزبنا بتاريخ 2/6/2025، وإذا لم يتم إرسال الحقوق والمستحقات المالية لشعب إقليم كوردستان قبل عيد الأضحى المبارك فإننا سنتخذ موقفاً جدياً".
كانت رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان، فيان صبري، قالت إن الكتل الكوردية ستقدم مذكرة احتجاج اعتراضاً على عدم إرسال رواتب موظفي إقليم كردستان، مؤكدة أنّ رواتب موظفي كوردستان يجب أن تستثنى من "النزاع السياسي".
وبحسب تصريحات لـ"الجبال"، أشارت صبري إلى أن "الكتل الكوردستانية ستتقدم بمذكرة احتجاج رسمية ضد قرار وزيرة المالية، طيف سامي، المتعلق بعدم صرف رواتب موظفي الإقليم".
وأضافت أن "المذكرة ستُرفع إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني".
وتحدثت صبري عن "مطالبة اللجنة المالية للوزيرة طيف سامي مراراً بتقديم جداول الإنفاق الفعلي للحكومة العراقية عن جميع أشهر هذا العام، لكنها حتى الآن لم تسلّم سوى جدول شهر كانون الثاني؛ فكيف يمكنهم الادعاء بأن إقليم كوردستان يتلقى أموالًا تفوق إنفاقه الفعلي دون وجود بيانات أو إحصائيات؟ لهذا السبب نرفض ما ورد في الكتاب الرسمي الموجه للإقليم".
وبيّنت صبري أن "جميع الكتل الكوردستانية، وعلى رأسها كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، تدرك تماماً أن حكومة إقليم كوردستان هي حكومة دستورية، وأن هناك اتفاقاً بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم يقضي بعدم ربط مسألة الرواتب بالخلافات أو التجاذبات السياسية".
وتحدثت عن أن "المحكمة الاتحادية العليا كانت قد أكدت في قرار سابق أن رواتب موظفي إقليم كوردستان يجب أن تُستثنى من أي نزاع سياسي، وأن تُصرف في موعدها الشهري دون تأخير أو عوائق".