أعاد إعلان وزارة المالية الاتحادية، قطع مخصصات تمويل رواتب الموظفين المدنيين في إقليم كوردستان لبقية العام الجاري، الخلافات بين بغداد وأربيل إلى الواجهة وبقوة، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق في وقت سابق من هذا العام بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان ، كان قد ضمن تحويل رواتب موظفي الإقليم المدنيين لعام 2025 بأكمله، حيث تشير مصادر رفيعة مقربة من رئيس حكومة كوردستان، مسرور بارزاني، إلى ان هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إحياء "الصراع" و"سحب التمثيل الكوردي" من البرلمان والحكومة العراقية، إضافة إلى عدم المشاركة في الانتخابات العراقية المقبلة.
في السياق: السنة الانتخابية والعقود الأميركية ونقص السيولة.. خبير يتساءل عن سبب إيقاف رواتب موظفي الإقليم
وذكرت وزيرة المالية العراقية طيف سامي، في كتاب رسمي، أنه "من عام 2023 وحتى أبريل/نيسان 2025، لم يقم إقليم كوردستان بتسليم سوى 598.5 مليار دينار من إجمالي إيراداته النفطية وغير النفطية المجمعة، والتي بلغت 19.9 تريليون دينار".
وادعت سامي، أن "إقليم كوردستان قد تجاوز بالفعل حصته المقررة في الميزانية السنوية بنسبة 12.67%، أي ما مجموعه 13.5 تريليون دينار"، مضيفة أن "وزارة المالية غير قادرة على مواصلة تمويل الإقليم لبقية العام".
ردود فعل غاضبة وتحذيرات
يرى المسؤولون في إقليم كوردستان في هذه الخطوة، إجراءً "قمعياً ومتعمداً". وفي حديثه لمنصة "الجبال"، شريطة عدم الكشف عن اسمه، وصف مستشار كبير لرئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني، خطوة بغداد بأنها "استمرار لحرمان شعب إقليم كوردستان من أبسط حقوقه، ألا وهي الرواتب، على مدى سنوات".
وحذّر المستشار، قائلاً: "إذا استمر هذا الوضع، فإن الانسحاب الكامل للتمثيل الكوردي من مؤسسات الدولة في بغداد أمر وارد. وقد يصل الأمر إلى حد الانسحاب من انتخابات مجلس النواب العراقي المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها "ظالمة"، ليس فقط من قبل المسؤولين الكورد، بل أيضاً من قبل شخصيات معارضة في إقليم كوردستان، والتي كانت في السابق أكثر ميلاً لدعم إجراءات بغداد تجاه أربيل.
وفي هذا السياق، تساءل زعيم المعارضة، علي حمه صالح، في بيان تلقت "الجبال" نسخة منه، قائلاً: "لو تسبب محافظ البصرة أسعد العيداني في مشاكل بملف نفط البصرة، فهل كانوا ليعاقبوا موظفيها؟ في الواقع، لن يفعلوا".
وندّد سوران عمر، عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة العدالة الكوردستانية (كومال)، في منشور على فيسبوك قائلاً: "هذا الموضوع يتطلب موقفاً جديداً ومقاومة جديدة، ويهدد رواتب الشعب لثمانية أشهر".
اتهامات بـ"تسييس الملف" واستخدام الوزارة كـ"أداة سياسية"
القضية ليست وليدة اللحظة، إذ لطالما كانت حكومة إقليم كوردستان على خلاف مع الحكومة الاتحادية، حيث تُصرّ حكومة الإقليم على عدم تسييس سبل عيش مليون شخص، الذين أكد مسؤولون عراقيون، بمن فيهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مراراً وتكراراً على ضرورة عدم تمييزهم عن غيرهم من المواطنين العراقيين.
ووصف وكيل وزارة المالية العراقية السابق، ريباز حملان، الخميس 29 أيار 2025، وزارة المالية العراقية بأنها "أداة سياسية يستخدمها محمد شياع السوداني، والإطار التنسيقي، ومن حولهما لتحقيق مكاسب سياسية، وحملات انتخابية، وللضغط على تنمية إقليم كوردستان".
وأضاف حملان قائلاً، إن "ما يُرتكب الآن يستهدف موظفي إقليم كوردستان بشكل مباشر، وهو جزء من الضغط المستمر الذي تمارسه بغداد على شعب وحكومة إقليم كوردستان".
وشدد على أنه "لمواجهة هذه الضغوط، أصبح من الضروري الآن، أكثر من أي وقت مضى، تشكيل جبهة موحدة للدفاع عن الحقوق المالية للشعب".
وانتقد المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، بيشوا هوراماني، مساء أمس الأربعاء، في أعقاب صدور كتاب وزارة المالية القاضي بإيقاف تمويل رواتب موظفي كوردستان، قائلاً في بيان: "ستُحل مشاكلنا، وستظهر الحقيقة".
وأضاف: "على مدى ستين عاماً، استُخدم التجويع والإبادة كأبشع الأساليب. والنتيجة واحدة، أصبح شعب كوردستان أكثر فخراً وقوة".
صفقات الطاقة الأخيرة في واشنطن تزيد التوتّر
تأتي هذه الخطوة من جانب الحكومة التي يقودها السوداني، والتي لم يتبقَّ لها سوى بضعة أشهر في السلطة، وتُشير التقديرات إلى ضآلة فرص إعادة انتخابها، بعد أسبوع واحد من إشراف رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني على توقيع اتفاقيتين للطاقة في واشنطن العاصمة، إحداهما مع شركتي HKN Energy وONEX Group، والأخرى مع WesternZagros. وتبلغ القيمة الإجمالية للصفقات حوالي 110 مليارات دولار، وتهدف إلى تعزيز قطاع الطاقة في إقليم كوردستان.
وقد انتقدت الحكومة العراقية هذه الصفقات بشدة، بذريعة سعي حكومة إقليم كوردستان للعمل بشكل مستقل عن بغداد. إلا أن بارزاني أبلغ مجلس وزرائه أمس الأربعاء، أن هذه الصفقات "ستعود بالنفع على إقليم كوردستان وجميع الشعب العراقي".
ورفضت وزارة النفط العراقية الاتفاقيات الأخيرة، مدعية أن هذه الإجراءات تنتهك حكماً صادراً عن المحكمة الاتحادية العراقية عام 2022، والذي يحظر على الأقاليم والمحافظات العراقية تنظيم السياسة التجارية مع الدول الأخرى.
وردت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان على تعليقات بغداد، مؤكدةً أن "الاتفاقيات دستورية وسارية، وقد حظيت بموافقات سابقة من المحاكم العراقية".
وأكد مسؤولون أميركيون بشكل جماعي، أن "الصفقات الأخيرة تعود بالنفع على العراق بأكمله، وليس إقليم كوردستان فحسب"، وأعربوا عن "دعمهم للاتفاقات خلال اجتماعات رئيس الوزراء بارزاني في واشنطن".
وفي وقت سابق اليوم، حذر الحزب الديمقراطي الكوردستاني، في بيان، تلقت "الجبال" نسخة منه، من "استمرار انتهاك الحكومة الاتحادية للحقوق الدستورية لإقليم كوردستان".
وبحسب البيان، فإن "المخالفة الأخيرة هي كتاب وزارة المالية الصادر أمس، والذي يخالف الدستور ومبادئ اتفاق تشكيل الحكومة. وتسييس قوت الشعب، وسوف نناقش هذه القضية في الاجتماع القادم للجنة المركزية لحزبنا بتاريخ 2/6/2025، وإذا لم يتم إرسال الحقوق والمستحقات المالية لشعب إقليم كوردستان قبل عيد الأضحى، فإننا سنتخذ موقفاً جدياً".
وكانت رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في البرلمان الاتحادي، فيان صبري، قالت إن "الكتل الكوردية ستقدم مذكرة احتجاج اعتراضاً على عدم إرسال رواتب موظفي إقليم كوردستان"، مؤكدة أنّ "رواتب موظفي كوردستان يجب أن تستثنى من النزاع السياسي".
وبحسب تصريحات لـ"الجبال"، أشارت صبري إلى أن "الكتل الكوردستانية ستتقدم بمذكرة احتجاج رسمية ضد قرار وزيرة المالية، طيف سامي، المتعلق بعدم صرف رواتب موظفي الإقليم"، مبينة أن "المذكرة ستُرفع إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني".
وتحدثت صبري عن "مطالبة اللجنة المالية للوزيرة طيف سامي مراراً بتقديم جداول الإنفاق الفعلي للحكومة العراقية عن جميع أشهر هذا العام، لكنها حتى الآن لم تسلّم سوى جدول شهر كانون الثاني؛ فكيف يمكنهم الادعاء بأن إقليم كوردستان يتلقى أموالًا تفوق إنفاقه الفعلي دون وجود بيانات أو إحصائيات؟ لهذا السبب نرفض ما ورد في الكتاب الرسمي الموجه للإقليم".
وبيّنت صبري أن "جميع الكتل الكوردستانية، وعلى رأسها كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، تدرك تماماً أن حكومة إقليم كوردستان هي حكومة دستورية، وأن هناك اتفاقاً بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم يقضي بعدم ربط مسألة الرواتب بالخلافات أو التجاذبات السياسية".
وتحدثت عن أن "المحكمة الاتحادية العليا كانت قد أكدت في قرار سابق أن رواتب موظفي إقليم كوردستان يجب أن تُستثنى من أي نزاع سياسي، وأن تُصرف في موعدها الشهري دون تأخير أو عوائق".