انتخابات 2025.. فرصة المعارضة

4 قراءة دقيقة
انتخابات 2025.. فرصة المعارضة تظاهرات تشرين في العراق (تعبيرية/ فيسبوك)

كنت من بين الداعين للمشاركة في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حتى لحظة اغتيال الناشط المدني إيهاب الوزني في 9 أيار/ مايو 2021، حينها شعرت بأن هناك إصرار على تصفية كل الشخصيات الشبابية التي ستنافس في الانتخابات ضد الأحزاب الاسلامية المدعومة من إيران. وأنه ربما ستحصل مجزرة كلما تقدّمنا أكثر الى موعد الانتخابات، تمثل استمراراً لسلسلة الاغتيالات منذ انطلاق انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019.

 

لذلك انضممت الى الداعين لمقاطعة هذه الانتخابات التي تغتال المرشحين المنافسين، ولا تتورّع عن القيام بأي شيء من أجل إرهاب خصومها، وسط عجز مريع لأجهزة الدولة، وصمت غالبية الشخصيات السياسية الفاعلة، والتي جعلت جريمة اغتيال الوزني تمرّ من دون حساب وعقاب.

 

يُحسب لمصطفى الكاظمي، في تلك الفترة، أنه دفع باتجاه التحقيقات التي قادت الى اعتقال متّهم باغتيال الوزني، على الرغم من كونه شخصية قيادية في الميليشيات، لكن الإجراءات القضائية اللاحقة أطلقت سراحه. والمشهد كلّه يشير إلى ضعف قدرة الدولة في لجم القوّى الميليشياوية، وإجبار الجميع للاحتكام الى قواعد تنافس عادلة في الانتخابات.

 

ومع ذلك فإن النتيجة التي تحقّقت في هذه الانتخابات كانت مفاجئة. لقد تراجعت حظوظ الجماعات المسلّحة وأذرعها السياسية إلى حدود كبيرة، وارتفع تيار السيّد مقتدى الصدر ليكون الفائز الأول، بسبب قدرته على تحشيد مناصريه، خلال أجواء التظاهرات، ليعيد ترتيب صفوفهم باعتبارهم تياراً معارضاً للسياسات القائمة، وإن لم يتبنّ مطالب التشرينيين بشكل صريح، وساعد على إنهاء حراكهم.

 

صعد عددٌ من التشرينيين إلى البرلمان الجديد، (حوالي 25 نائباً) وبعض المرشّحين المستقلين الذين انضموا لاحقاً لائتلاف الإطار التنسيقي الشيعي، غير أن غالبية النوّاب التشرينيين لم يكن لهم أي تاثير يذكر، ولم يعكسوا مطالب ناخبيهم، ولم يستطيعوا إنشاء تحالفات قويّة، ولم يستثمروا بشكل فعّال منصّة مجلس النوّاب، ولا صلاحيات النائب البرلماني، في إيصال مطالب جمهورهم، أو توسيع الثقة بهم كنوّاب معارضين للسياسات القائمة.

 

جانب من هذه الصورة كان متوقعاً بسبب حداثة التجربة السياسية للعديد من النوّاب التشرينيين، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلّق بهيمنة أحزاب السلطة، وقدرتها على لجم معارضيها وتخويفهم، وهناك سببٌ له علاقة بالإحباط واليأس واعتياد المنصب الجديد ومنافعه ومكاسبه، على حساب الشعارات التي قادت النائب التشريني الى مقعده تحت قبّة البرلمان.

 

في كلّ الأحوال، ونحن على مبعدة أشهر من انتخابات برلمانية جديدة، يُثار التساؤل من جديد؛ هل هناك إمكانية لاختراق المشهد السياسي الحالي بتيار سياسي جديد؟ هل تغيّرت قواعد اللعبة التي أنتجت انتخابات 2021؟.

 

في الحقيقة هناك استمرار لقواعد اللعبة القديمة، وهناك أيضاً تغيّرات جديّة. ففي الجانب السلبي؛ ما زالت الأحزاب الميليشياوية هي المسيطرة، ومتغلغلة في كلّ مؤسسات الدولة، التي يراد منها الإشراف على الانتخابات الجديدة، وهؤلاء سيكون لهم تاثيرٌ بشكل من الأشكال على توجيه مسار الانتخابات القادمة.

 

أما في الجانب الإيجابي؛ فإن ما حدثت من تحوّلات عاصفة في المنطقة خلال العامين الماضيين، والانشقاق بالرؤية داخل النواة الصلبة للأحزاب الاسلامية الشيعية الحاكمة، حول مصالح العراق الإقليمية والدولية، ووجود رغبة بتحسين صورة العراق أمام المجتمع الدولي، ستمنع كثيراً احتمالات استخدام الاغتيال السياسي لتصفية الخصوم المعارضين في الانتخابات القادمة.

 

أيضاً هناك نضج أكبر لدى المعارضين السياسيين، الذين كانوا قبل خمس سنوات، في ساحات التظاهر، ويدرك غالبيتهم أن احتمالات إجراء انقلاب سياسي من خلال الانتخابات ليست واقعية، وأن مسار "الانقلاب" المفترض يحتاج الى تأسيس واستمرارية، وأنهم، في سبيل ذلك، ملزمون باعتماد القواعد السياسية الحاكمة، والتي قد تقودهم إلى الجلوس في البرلمان بجوار قوى ساهمت في قتلهم في 2019. فالمسار السياسي محكوم بقواعد تختلف عن مسار الاحتجاج والتظاهر.

 

لا أرى الداعين لمقاطعة الانتخابات اليوم، إلا مثبّطين لهذا التيار المعارض وجمهوره الانتخابي المفترض، في مسعى قد تحرّكه نوايا حسنة أو خبيثة، لمنح فرصة أخرى لتيارات العنف والفوضى كي تنفرد من جديد بالمشهد السياسي.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 23 مايو 2025 10:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.