في مشهد غريب يتقاطع فيه الترف مع الخطر، تحولت بعض المنازل والمزارع في العراق إلى حدائق حيوانات مصغرة تحتضن أسوداً ونموراً وذئاباً، تُقتنى لا للبحث العلمي أو العروض الترفيهية، بل كرمز للمكانة الاجتماعية والتباهي على مواقع التواصل.
ظاهرة بدأت في بعض دول الخليج كنوع من الوجاهة، وسرعان ما تسللت إلى الداخل العراقي، متجاوزة كل حدود المنطق ومهددة سلامة السكان في ظل غياب واضح لتطبيق القانون وتقاعس الجهات المختصة عن التصدي لها وسط خوف يهدد المواطنين جراء وجود هذه الوحوش في المناطق السكنية.
وقبل أيام قليلة، لقي رجل ستيني مصرعه، في مدينة الكوفة جنوبي العراق، إثر تعرّضه لهجوم من أسد كان يربيه في حديقة منزله، في حادثة أعادت تسليط الضوء على ظاهرة اقتناء الحيوانات المفترسة داخل الأحياء السكنية.
ووفقاً لمصادر أمنية، فإن الضحية توفي متأثراً بجراحه بعد أن هاجمه الأسد فجراً أثناء قيامه بإطعامه داخل قفص حديقة المنزل، مشيرة إلى أنه وصل إلى المستشفى وهو في حالة حرجة، قبل أن يُعلن وفاته لاحقاً.
مصادر تحدثت أيضاً عن قيام الأسد بمباغتة صاحبه وأطبق فكيه على رأسه، متسبباً له بجروح بليغة في الرأس والرقبة، وهرع أحد جيران الضحية، بعد سماعه صرخات أفراد الأسرة، إلى المنزل وتمكن من قتل الأسد بسلاح كلاشنكوف، لكن الوقت كان قد فات لإنقاذ الرجل.
وبحسب شهود التي تداول حديثهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الضحية كان يحتفظ بالأسد منذ مدة، ويقوم برعايته وتغذيته بنفسه بشكل يومي. ويُعتقد أن الأسد تجاوز مرحلة الشبل، وكان قد أصبح بالغاً بطبيعته المفترسة.
وفي العام 2023، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو يُظهر فهداً يتجول بحرية في أحد شوارع منطقة اليرموك غرب العاصمة بغداد، ما أثار حالة من الهلع بين السكان وردود فعل غاضبة عبر الإنترنت.
ويوثق الفيديو لحظة سير الفهد قرب السيارات والمنازل وسط صراخ واستغراب المواطنين، في حادثة أعادت الجدل حول تربية الحيوانات المفترسة داخل الأحياء السكنية.
وفي وقت لاحق من نفس الوقت، أكدت مصادر أمنية أن الفهد تمكن من الهروب من منزل أحد المواطنين، مشيرة إلى أن فرق الدفاع المدني بالتعاون مع الجهات المختصة نجحت في السيطرة عليه دون وقوع إصابات، وتم اعتقال صاحبه لخرقه قانون حماية الحيوانات البرية رقم 17 لسنة 2010.
وتفاعل رواد مواقع التواصل مع الفيديو بشكل واسع، مطالبين بإنهاء هذه الظاهرة واتخاذ إجراءات حازمة لمنع اقتناء الحيوانات المفترسة داخل المدن.
"تفاصيل عن الوحوش المفترسة"
ويتحدث علي الأسدي، أحد مربي الأسود المعروفين في بغداد، لمنصة "الجبال"، عن هذه الظاهرة التي تثير اهتمامًا متزايدًا وقلقًا متصاعدًا في الوقت نفسه، قائلاً إن "هناك ازدياد واضح في أعداد العراقيين الراغبين باقتناء الحيوانات المفترسة في منازلهم وخاصة الأسود التي أصبحت تتصدر قائمة الطلب في السوق المحلي خلال السنوات الخمس الأخيرة".
ويضيف الأسدي، أن "الظاهرة لم تعد مقتصرة على النخبة أو الأثرياء فقط، بل امتدت إلى فئات أوسع من المجتمع، ممن يجدون في تربية هذه الحيوانات نوعاً من الفخر أو الاستعراض أو حتى الترفيه، رغم ما تحمله من مخاطر ومسؤوليات كبيرة".
ووفقاً للأسدي، فإن الحيوانات المفترسة التي يقتنيها العراقيون تتنوع بين النمور، والقطط المفترسة، والفهود، إلا أن الأسود تظل هي الأبرز من حيث الشعبية والطلب.
ويشير مربي الأسود، إلى أن "الأسود الأفريقية التنزانية هي الأكثر شيوعاً في السوق العراقي، ويبلغ سعر الأسد منها نحو 5 آلاف دولار، بحسب العمر والحالة الصحية، أما الأسد الأبيض (النادر وذو الشكل اللافت)، فقد يصل سعر شبله إلى 20 ألف دولار، ويعد من أكثر الحيوانات طلباً من قبل هواة التميز".
ويمتاز الأسد الأفريقي بطوله الذي يتراوح ما بين 4.5 إلى 6.5 أقدام، أي حوالي من 1.4 إلى 3 أمتار، وعادة ما يزن الأسد الأفريقي ما بين 120 إلى 191 كيلو غراماً، وتكون كفوفه ضخمة مقارنة بالأنواع الأخرى.
ويختم الأسدي، حديثه قائلاً إن "تربية الحيوانات المفترسة عموماً والأسود خصوصاً يشكل خطراً كبيراً على حياة المربي وحياة الأخرين كون هذه الحيوانات صعبة التدريب واخضاعها للبشر وبالتالي دائماً ما تجد ان هناك اشخاصاً يلقون حتفهم من قبل هذه الحيوانات كما حدث في العراق قبل أيام قليلة".
مواطنون يشتكون من انتشار الظاهرة
ويعرب عدد من المواطنين في مناطق مختلفة عن قلقهم الشديد من ظاهرة انتشار تربية الحيوانات المفترسة داخل الأحياء السكنية، محذرين من المخاطر الجدية التي قد تترتب على استمرار هذه الظاهرة دون رقابة أو محاسبة.
ويقول "أبو محمد"، وهو من سكنة منطقة اليرموك في العاصمة بغداد، لمنصة "الجبال"، إن "بعض الأشخاص باتوا يقتنون أسوداً ونموراً وذئاباً داخل منازلهم أو مزارعهم القريبة من المناطق الآهلة بالسكان، ما يثير حالة من الذعر بين الأهالي، خاصة في ظل انعدام الإجراءات الرادعة وغياب الرقابة الصارمة".
ويضيف أن "هذه الحيوانات رغم كونها محصورة داخل أماكن معينة، إلا أنها تشكل تهديداً حقيقياً في حال تمكنت من الهرب أو فقد أصحابها السيطرة عليها"، مطالب الجهات المعنية بـ "التدخل الفوري لمنع اقتنائها واتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين".
ويأتي هذا وسط مطالب شعبية بإطلاق حملات تفتيش ومصادرة فورية لتلك الحيوانات، حفاظاً على أرواح المواطنين ومنع تكرار حوادث قد تكون نتائجها كارثية.
بينما يؤكد "أبو آدم"، أن "هذه الحيوانات تُحتجز في أماكن غير مؤهلة وتفتقر إلى وسائل الأمان اللازمة، ما يجعل احتمالية هروبها أو فقدان السيطرة عليها أمراً وارداً في أي لحظة".
ووفقاً لحديث المواطن، لمنصة "الجبال"، فإن بعض مقتني هذه الحيوانات يقومون بعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي للتباهي، دون إدراك لحجم المخاطر التي قد تنجم عن هذا السلوك غير المسؤول.
"أبو آدم"، وهو أحد السكان في منطقة تقع شمال العاصمة بغداد: "نحن نعيش في قلق دائم، هناك مزرعة بالقرب من الحي يسكنها أحد الأشخاص ويقتني فيها أسداً ونمراً، نسمع أصواتها ليلاً، والأطفال يعيشون في حالة رعب دائم، ونحن لا نعرف متى قد تنقضّ هذه الحيوانات على أحد دون سابق إنذار".
فيما تحدث "أبو مصطفى"، وهو من محافظة ديالى قائلاً: "لا يعقل أن يُترك الناس تحت رحمة أشخاص يربّون حيوانات مفترسة داخل أحياء سكنية، هذا إهمال واضح ونخشى أن تكون الكارثة قريبة في حال لم تتحرك السلطات".
دعوات برلمانية لتطبيق "اللائحة المحظورة"
وفي هذا الصدد، طالب مجلس النواب بتطبيق ما أسماه بـ"اللائحة المحظورة" الخاصة بتربية الحيوانات البرية داخل المدن والمناطق السكنية.
وتقول النائبة السابقة منار عبد المطلب، إن "السنوات الأخيرة شهدت تصاعداً خطيراً في ظاهرة تربية الحيوانات البرية داخل المنازل، ومنها الأسود، والنمور، والذئاب، إضافة إلى الزواحف والأفاعي، وهو أمر يشكل تهديدًا حقيقياً على حياة المواطنين وسلامة المجتمع".
كما وطالبت عبد المطلب بتشريع قانون صارم ينظم استيراد وتربية هذه الحيوانات، مشددة على ضرورة أن "تكون هناك لوائح رسمية وضوابط واضحة تحصر اقتناء الحيوانات المفترسة ضمن محميات خاصة أو مشاريع تجارية مرخصة، مثل الحدائق الحيوانية، وتحت إشراف بيطري وقانوني دائم".
وكانت قيادة شرطة بغداد قد أصدرت بياناً سابقاً في 2 أيلول/سبتمبر الماضي، حذّرت فيه من مخاطر اقتناء الحيوانات المفترسة والتجوال بها في الأماكن العامة، داعية المواطنين إلى التبليغ عن هذه الحالات.
ويشير بيان الشرطة إلى أن "رصد فيديوهات لأسود ونمور تتجول في بعض المناطق أثار قلقاً واسعاً"، مبيناً أن "الاحتفاظ بهذه الحيوانات يعد مخالفة قانونية تُعرّض صاحبها للمساءلة".
ودعت الشرطة المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ الفوري عن أية حالة مماثلة، من أجل الحفاظ على سلامة الجميع ومنع تكرار الحوادث المؤسفة.
اقتناء الحيوانات المفترسة مخالف للقانون
ويحذر مختصون من أن استمرار الظاهرة قد يؤدي إلى حوادث مروعة، لاسيما في المناطق السكنية المكتظة، داعين إلى تفعيل قانون حماية الحيوانات البرية رقم 17 لسنة 2010، الذي يفرض عقوبات مشددة على من يقتني أو يطلق الحيوانات المفترسة دون ترخيص.
ويقول في هذا الصدد الخبير القانوني علي التميمي إن "القانون العراقي يجرّم اقتناء الحيوانات المفترسة، لما تشكله من خطر على السلامة العامة"، مشيراً إلى أن "الظاهرة تشهد انتشاراً مقلقاً في بعض مناطق البلاد".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف التميمي، أن "قانون حماية الحيوانات البرية رقم 17 لسنة 2010، يعاقب في مادته التاسعة بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وبغرامة مالية مقدارها ثلاثة ملايين دينار، بحق كل من يقتني أو يطلق الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور والذئاب في الأماكن العامة أو يتركها طليقة دون رقابة".
ويتابع الخبير القانوني العراق، قائلاً إن "القانون يوجب مصادرة هذه الحيوانات واعتقال مقتنيها، فضلاً عن منع استيرادها أو إدخالها إلى البلاد بطرق غير قانونية"، لافتاً إلى "ضرورة تطبيق القانون بشكل صارم للحد من هذه الظاهرة".
ويشير التميمي إلى أن "انتشار تربية الحيوانات المفترسة في المنازل أو المزارع بات يشكل تهديداً مباشراً لحياة المواطنين، وقد يتسبب بمآسٍ في حال هروب تلك الحيوانات أو فقدان السيطرة عليها، كما أن مقتنيها أنفسهم قد يتعرضون لخطر الموت".
وفي ختام حديثه، يدعو التميمي، الجهات المختصة إلى "اتخاذ إجراءات رادعة وتشديد الرقابة للحد من هذه الظاهرة، حفاظاً على الأمن المجتمعي وسلامة المواطنين".