قدّم الكاتب والباحث الكويتي في الشؤون الدولية والجيوسياسية، عبد الله خالد الغانم، السبت 17 أيار 2025، شرحاً مفصلاً بشأن "تراجع" الحضور العربي في القمّة العربية المنعقدة في بغداد، وعلّل ذلك بأسباب أبرزها ما وصفه بـ"سقوط عامل الثقة لدى عدة عواصم عربية"، و"ارتباطات العراق الإقليمية" والحملة الإعلامية ضد الرئيس السوري فضلاً عن ملف خور عبد الله، فيما حذّر من "خروج" العراق من دائرة القرار العربي، واصفاً القمّة بأنه "باهتة ومحدودة وضعيفة".
في السياق: الشرع وقاآني والخور.. "رسائل وتهديدات ممنهجة" وراء ضعف التمثيل العربي عن قمة بغداد
وقال الغانم في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "القمة العربية الرابعة والثلاثين التي عقدت في بغداد اليوم، شهدت حضوراً قيادياً يُعد من الأضعف في تاريخ القمم العربية، إذ لم يتجاوز عدد القادة المشاركين خمسة من أصل اثنين وعشرين دولة"، موضحاً أن "هذا التمثيل المنخفض لا يمكن قراءته كمجرد خلل بروتوكولي أو تباين ظرفي، بل هو انعكاس واضح لمستوى القلق العربي المتصاعد تجاه الأداء العراقي في عدد من الملفات السيادية والأمنية والدبلوماسية، ويمثّل رسالة سياسية صامتة تعبّر عن أزمة ثقة مركّبة، تتجاوز إطار الدولة الواحدة لتلامس منظومة العمل العربي المشترك بأكملها".
وأضاف، "مثّلت الخطوة التي اتخذتها المحكمة الاتحادية العليا في العراق بإبطال التصديق البرلماني على اتفاقية (خور عبد الله) البحرية مع الكويت، والتي تم توقيعها رسمياً في 2012 وتسجيلها لدى الأمم المتحدة بموجب القرار 833، صدمة سياسية وقانونية لدى الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي"، مبيناً أن "هذه الخطوة اعتُبرت من منظور خليجي بمثابة انقلاب مؤسسي على اتفاق دولي نافذ، بما يحمله من تداعيات على مبدأ استقرار الحدود وموثوقية الدولة العراقية كشريك ملتزم".
وتابع، "وعليه، فإن غياب القادة الخليجيين عن قمّة بغداد يمكن قراءته كرسالة تضامنية استراتيجية مع الكويت، وتعبير صريح عن تحفظ سيادي جماعي إزاء مسلك العراق القضائي/ السياسي في هذا الملف".
"ومن أبرز العوامل المباشرة التي أثّرت على الحضور العربي"، وفق الباحث الكويتي، "تلك المتعلقة بما وُصف بأنه انفلات إعلامي وتحريض أيديولوجي صريح ضد الرئيس السوري أحمد الشرع، والذي واجه تهديدات علنية بالاعتقال أو الاغتيال في حال زيارته بغداد، ورغم جسامة هذه التهديدات، فإن الحكومة العراقية لم تُظهر أي موقف مؤسسي حاسم في كبح هذه الأصوات أو تأمين الضمانات الدبلوماسية التي تُعتبر الحد الأدنى لاستضافة قادة الدول"، معتبراً أن "هذه الواقعة، إلى جانب ما تلاها من انسحاب الرئيس السوري عن المشاركة، كشفت عن هشاشة في قدرة الدولة المضيفة على ضبط بيئتها الأمنية والإعلامية، وهو ما أسقط عامل الثقة لدى عدة عواصم عربية، وأضعف مناخ المشاركة السياسي".
وأشار الغانم، إلى أن "تحضيرات قمّة بغداد، عكست انكشافاً دبلوماسياً في قدرة العراق على إنتاج توافق سياسي عربي ذي وزن، فقد غاب التنسيق المسبق مع جامعة الدول العربية والدول الأعضاء، ولم تتبلور أجندة موضوعية متكاملة تُقنع القادة بالمشاركة في قمة ذات قيمة مضافة"، لافتاً إلى أن "النتيجة كانت قمة باهتة المضمون، ضعيفة في ملفاتها، محدودة في زخمها، الأمر الذي زاد من فتور المشاركة، وساهم في انخفاض التمثيل القيادي".
وعن توقيت انعقاد القمّة، أوضح الغانم، أن "انعقاد قمة بغداد بعد شهرين فقط من قمة القاهرة الطارئة في آذار/مارس 2025، ترك انطباعاً سلبياً حول الجدوى الزمنية والسياسية لانعقاد قمتين في فترة قصيرة دون تطور نوعي في الملفات أو التحديات، هذا التكرار دون أثر نوعي أضعف دوافع الحضور، خصوصاً لدى الدول التي شاركت بفعالية في القمة الطارئة السابقة".
ارتباطات العراق الإقليمية وغياب المركزية
"لم تُسجّل القمة حضور قادة السعودية، الإمارات، البحرين، الجزائر، تونس، الكويت، والمغرب"، ووفق الباحث الكويتي فإن "هذا الغياب الجماعي لقادة الكتلة الخليجية والمغاربية يُعبّر عن تراجع واضح في مركزية العراق داخل المنظومة العربية، ويعكس في الوقت ذاته تحفظات متنوعة على منهجية بغداد في معالجة القضايا الاستراتيجية، أو على قدرتها في لعب دور محوري في لحظة إقليمية بالغة الحساسية".
وأشار الغانم، إلى أنه "لا يمكن فصل تردد بعض القادة العرب عن الحضور في قمة بغداد عن الخلفية الجيوسياسية المعروفة لطبيعة التوازنات داخل الدولة العراقية، حيث يُنظر إلى النفوذ الإيراني داخل مؤسسات القرار العراقية كعامل مثير للريبة لدى عدة أطراف عربية، ما يُثير تساؤلات حول استقلالية القرار السياسي، وجدوى دعم بغداد في ظل هذا الميلان غير المتوازن في علاقاتها الإقليمية".
وقال الباحث الكويتي، إن "القمّة تزامنت مع اشتداد الحرب في غزة، والتدهور في لبنان والسودان، واستمرار التوترات الخليجية - الإيرانية، والتصعيد في الملف النووي، مما ساهم في انشغال الدول العربية بالأولويات الوطنية أو الإقليمية العاجلة، على حساب الانخراط في قمة تفتقر إلى جدول أعمال جوهري، وتُعاني من ضعف الجاذبية السياسية".
تحذير من خروج العراق من دائرة القرار العربي
وأكمل الغانم، بالقول، إن "ما جرى في بغداد ليس فقط قمّة محدودة التمثيل، بل علامة سياسية على تراجع موقع العراق في الهرم الاستراتيجي العربي، وانكشاف في أدواته السيادية والدبلوماسية".
وتابع، أن "مقاطعة القادة أو غيابهم، سواء بدافع تضامني مع الكويت، أو تحفظ أمني، أو فتور دبلوماسي، هي مؤشرات على أزمة ثقة عميقة تحتاج إلى مراجعة عراقية شاملة، تتناول علاقة العراق بالعالم العربي، وطبيعة حضوره في ملفات الإقليم".
وختم بالقول: "ما لم تُبادر بغداد إلى إعادة هندسة علاقتها بالعرب على أسس الاحترام، الانضباط، والسيادة المشتركة، فإن التراجع السياسي سيتحول إلى عزلة بنيوية دائمة، تُخرج العراق تدريجياً من دائرة القرار العربي المؤثر".