لا بديل عن الانتخابات في العراق

5 قراءة دقيقة
لا بديل عن الانتخابات في العراق

في الصورة العامّة للأجواء السياسيّة في العراق، ما قبل 7 أشهر من الانتخابات البرلمانية المقرّرة في11  تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يمكن ملاحظة أن الأحزاب الكبرى تبدي حماسة كبيرة واستعداداً للمشاركة في الانتخابات، ما سوى السيد مقتدى الصدر، والذي تحاول بعض الأطراف النافذة التأثير على قراره بمقاطعة الانتخابات.

 

الشيء اللافت أن بعضاً من القوى المسلّحة المصنّفة على لوائح العقوبات الاميركية، اقتنعت أخيراً بالقاء السلاح والانخراط في العملية الانتخابية من خلال تشكيل أحزاب أو قوائم انتخابية.

 

يضع المعارضون للأطراف الماسكة بمقدّرات الدولة العراقية، ألف علامة استفهام حول كل سطر مما كتب أعلاه، فهل هناك امكانية واقعية لأن تلقي المجموعات المسلّحة سلاحها فعلاً؟ أم هي مجرد اتفاقات، وانحناءة ريثما تمرّ العاصفة، عاصفة ترامب والادارة الجمهورية المليئة بصقور اليمين.

 

هل تحقّق خلال الدورة البرلمانية والحكومية الحالية مستوى من النضج السياسي والأمني، يؤهل لفرض سلطة الدولة على المجموعات المسلّحة غير القانونية؟!

 

وإذا كانت القوى السياسية الكبرى متحمّسة للانتخابات، فما الذي يجعل الأطراف المعارضة لها تتحمّس للانتخابات أيضاً؟ ألا يعني هذا المساهمة في اضفاء شرعية أكثر على نظام فاسد وغير كفوء؟!

 

نرجع الى الصورة الكليّة التي بدأنا كلامنا بها ونقول؛ أن المشهد العام لا يبشر بخير، فلم يتحقّق حتى الآن أي حلّ جذري للمشكلات المتفاقمة في بنية النظام السياسي من 2003 الى اليوم، وجلّ ما تقدر عليه الحكومات المتعاقبة هو الترقيع ووضع الماكياج على المظهر الخارجي للدولة، وكنس المشكلات مرّة بعد أخرى تحت السجّادة، بدل مواجهتها ومحاولة حلّها.

 

هذه الصورة تخلّف في نفس من يتأملها المزيد من الأسى، وقد تنتج موقفاً عدمياً، ولعل هذا الموقف العدمي موجود أصلاً عند قطاعات كثيرة من المجتمع العراقي، وتحديداً تلك التي لم تذهب الى انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021. الأمر جعلها أضعف انتخابات عراقية من ناحية إقبال المصوّتين عليها. فما الذي تغيّر اليوم حتى نفترض زيادة في نسبة الاقبال على التصويت اليوم؟!

 

لن نتعب كثيراً في البحث عن مظاهر "العدمية السياسيّة"، وفقدان الأمل بالديمقراطية، أو قدرة الناس على المشاركة في صنع القرار. خصوصاً وأن مظاهر السطوة والبطش والاستبداد الذي تمارسه المجموعات المسلّحة هي وقائع يومية يجابهها المواطن في كلّ تفاصيل حياته، وليست مسألة نظرية أو افتراضية.

 

ولكن لهذه العدمية السياسية وجهٌ آخر، فإن كانت في الوجه الأول تعني شعوراً عاماً بضعف القدرة على التغيير، فإن الوجه الآخر يفترض أن السلبية تأتي من موقف انفعالي عاطفي لا واقعي. وأن التغيير بضربة عصا سحرية أمرٌ ليس متاحاًَ لا في العراق ولا في أعتى البلدان الديمقراطية حول العالم.

 

إن لـ(العدمية السلبيّة) أسبابها المنطقية، ولكننا نفترض وجود (عدمية إيجابية) ترى إن الاصرار على التغيير أمرٌ لا بدّ منه، حتى مع ضعف العوامل المؤديّة الى التغيير.

 

 

واحدة من دروس احتجاجات تشرين (1 تشرين الأول/أكتوبر 2019) أن المجتمع الدولي كلّه وقواه الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، ظلوا داعمين للنظام السياسي، على الرغم من أنهم يرون الموقف الشعبي المحتجّ على هذا النظام.

 

إن هذا الرأي الدولي، الذي أحبط الشباب المحتجّين دون شك، يعتقد أن العملية السياسية وصناديق الاقتراع تبقى رهاناً أقلّ كلفة في محاولات التغيير والتطوير السياسي، مقارنة بأي انهيار أو فوضى تجري في العراق بسبب تراخي أو تفكّك النظام السياسي.

 

حتى مع المتغيرات الاقليمية العاصفة في المنطقة منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023 وسقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، فإن المجتمع الدولي ما زال داعماً للنظام السياسي في العراق، بغض النظر عن طبيعة القوى الفاعلة فيه. وكل السيناريوهات التي تتحدّث عن التغيير على الطريقة السورية أو انشاء حكومات منفى وما الى ذلك تبقى مجرد هراء لا معنى له.

 

الطريق الوحيد للتغيير في العراق يأتي عن طريق الانتخابات، سواءٌ أعجبنا هذا أم لم يعجبنا، وتحتاج القوى السياسية الجديدة المعارضة للوضع القادم فرصة لأن تتعرّف على النظام السياسي "من الداخل" وأن تتدرّب وتطوّر قواعدها الشعبية السياسية، وأن توضّح للمقاطعين من الناخبين أن أفضل هدية يقدّمونها للقوى الفاسدة والسيّئة هي أن لا يصوّتوا، ويتركوا اللعبة الانتخابية بين جمهور الاحزاب الحاكمة فحسب.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 25 أبريل 2025 11:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.