بينما يعيش العراق قلقاً من واقع الكهرباء إثر تصاعد الاستهلاك بشكل متزايد وإيقاف استيراد الكهرباء من ايران، والنقاش حول إمكانية وصول إيقاف الاستثناء إلى الغاز الإيراني بعد ان طال استيراد ألف ميغا واط من الكهرباء الإيرانية، لم يخرج الوفد الأميركي التجاري الكبير الذي دخل العراق قبل يومين خالي الوفاض، فحجم التعاقدات التي وقعت خلال دقائق فيما يخص الكهرباء، تعادل عقود العراق وانتاجه من الكهرباء طوال الـ20 عاماً الماضية.
أبرز هذه العقود والذي وصفته وزارة الكهرباء بـ "اتفاقية تاريخية"، مع شركة "جنرال إلكتريك"، الشركة التي لطالما كانت قطب إضافي من أحد "قصص الطائفية" في العراق، على غرار "صراع الفرق" على مختلف القضايا الرئيسية، فبينما توجد ثنائية (سنة شيعة، ملكيين وجمهوريين، إسلاميين وعلمانيين)، كان هناك صراع (جنرال إلكتريك الأميركية، وسيمنز الألمانية)، ولطالما اتهمت القوى السياسية الحاكمة والجماهير القانعة بسردياتها، جنرال إلكتريك بأنها من عرقلت ومنعت العراق من تحسين واقع الكهرباء على يد سيمنز الألمانية.
لكن من بين 27 ألف ميغا واط في العراق، هناك 19 ألف ميغا واط تنتج من محطات أنشأتها جنرال إلكتريك الأميركية، وعموماً، قبالة الـ27 الف ميغا واط هذه التي لا يستطيع العراق حالياً تشغيل سوى 20 الف ميغا واط منها، مع اعتماد 7 الاف ميغا واط على الغاز الإيراني، يبلغ حجم الطلب أكثر من 45 ألف ميغا واط في وقت الذروة، ليكون عجز العراق من الكهرباء يبلغ حوالي 40%.
لكن "الاتفاقية التاريخية"، تضمنت إنشاء محطات بـ24 ألف ميغا واط، وهو أكبر عقد موقع في تاريخ العراق، كما تضمنت زيارة الشركات الأميركية توقيع عقد مع شركة أميركية بريطانية أخرى، لإنشاء محطات طاقة شمسية بـ3 آلاف ميغا واط، ليكون المجموع 27 ألف ميغا واط، أي ما يعادل إجمالي إنتاج العراق من الطاقة الآن.
من غير المعلوم كم ستتطلب هذه العقود والاتفاقيات لتتحول إلى طاقة منتجة حقيقية، لكن بكل الأحوال، لا فائدة الان من إنجاز هذه المشاريع بسرعة قبل أن يبدأ إنتاج الغاز العراقي الحر وإيقاف الحرق لحوالي 1300 مقمق المتبقية من الغاز المحروق، بالإضافة إلى انتهاء منصات استيراد الغاز من قطر، وبالمجمل ربما تتطلب جميع هذه المشاريع 5 سنوات وصولاً الى 2030 لانتهائها بالكامل، لكن بعض المشاريع قد تدخل العمل فعلياً قبل هذا الموعد وبالتدريج.
وعموماً، فإن عقد الـ24 الف ميغا واط، يعد شديد الأهمية، وما يزيد أهميته أنه يعمل بالمحطات المركبة، حيث أن من بين 24 الف ميغا واط، سيكون هناك 7700 ميغا واط "ستعمل بلا غاز"، وهذه تقنية الدورة المركبة، حيث أن الـ24 ألف ميغا واط بالحقيقة، تنتج عن إنشاء محطات تعمل على الغاز أو الوقود السائل لتنتج أكثر من 16 ألف ميغا واط فقط، وبعد ذلك، فإن الحرارة المتولدة من هذه الـ16 ألف ميغا واط، ستتكفل بإنتاج الـ7700 ميغا واط بلا وقود، بل من الحرارة المتولدة، ما يعني أن 65% من إنتاج الاتفاقية سيعمل على الغاز، و35% على الحرارة.
وفقاً لذلك، يجدر السؤال عن حجم الوقود الذي يتطلبه هذا المشروع الضخم في الوقت الذي يعاني العراق من أزمة وقود، فضلاً عن صعوبات استيراد الغاز من إيران.
تشغل كل 1500 مقمق يومياً حوالي 6 آلاف ميغا واط من الكهرباء، لذلك تتطلب الـ16 ألف ميغا واط حوالي 4 آلاف مقمق يومياً، هذا يعني أن "الاتفاقية التاريخية" ستحتاج لـ"وقود تاريخي أيضاً"، فإجمالي إنتاج العراق من الغاز حالياً يبلغ 3 آلاف مقمق يومياً، يستثمر أقل من ألفي مقمق يومياً منه، بينما يحرق حوالي 1300 مقمق يومياً.
وبإيقاف الغاز المحروق بالكامل البالغ 1300 مقمق يومياً، فضلاً عن مشاريع استثمار الغاز الحر التي يعمل عليها العراق والتي ستوفر 1200 مقمق يومياً، سيكون لدى العراق 2500 مقمق يومياً جديدة، بينما لديه عجز أساسياً بـ1500 مقمق يومياً يستوردها من إيران.
هذا يعني أن العراق يجب أن لا يوقف الاستيراد من إيران، بل فضلاً عن مشاريع الغاز، سيحتاج إلى 1500 مقمق يومياً إضافية أي بنفس القدر الذي يستورده من إيران الان، لتضاف إلى الـ2500 مقمق يومياً التي سينتجها بمشاريعه، ليبح لديه الـ4 آلاف ميغا واط التي يتطلبها لتشغيل الإنتاج الناجم عن الاتفاقية التاريخية هذه، وهذا ما ينسف أية أحاديث عن إمكانية إيقاف استيراد الغاز أو الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز عام 2028.
على ما يبدو، إن العراق مستمر في محطاته الكهربائية العاملة على الوقود الأحفوري ولا سيما الغاز، بدلًا من تعزيز الطاقة المتجددة، فبينما تعاقد على 3 آلاف ميغا واط فقط طاقة شمسية، قابلها بـ24 ألف ميغا واط من المحطات العاملة على الغاز، وهو ما يشير إلى استمرار النسق الذي يبدو أن له حساباته الخاصة فيما يتعلق بالكلفة وحسابات أخرى تتمثل بأن البلد النفطي لا يجب أن يساهم بنفسه بتقليل الطلب على الوقود الأحفوري واللجوء بالكامل إلى الطاقة المتجددة.