بعد انتهاء الموسم الرمضاني.. هل استطاعت الدراما العراقية أن تنافس العربية؟

7 قراءة دقيقة
بعد انتهاء الموسم الرمضاني.. هل استطاعت الدراما العراقية أن تنافس العربية؟ صورة تجمع أبرز الأعمال الدرامية العراقية برمضان 2025

"نصف كأس ممتلئ" وندرة في النصوص الجيدة

سنوات عجاف مرت على الشاشة العراقية، تاركة إياها عاجزة عن تقديم عمل تلفزيوني يرتقي لمستوى المنافسة العربية، حيث يأتي هذا في تناقض مع إرث الدراما العراقية العريق، الذي لطالما كان مرجعاً فنياً يعتد به في المنطقة. 


 
وعلى مدى السنوات الماضية ومع تراجع الدراما العراقية كما يقول مختصون، حافظت ما تسمى بـ "السكتشات" فقط على حضورها الرمضاني وحيدة في ظل غياب المنافسة الدرامية، حيث ظلت هذه الفقرات الكوميدية القصيرة الحاضر الأبرز في المواسم الرمضانية المتعددة على الشاشة العراقية، ولكنها لاقت اعتراضات كثيرة من قبل المشاهد العراقي بسبب تكرارها في المواسم الرمضانية. 


 
ويثير واقع معاناة العديد من العاملين في صناعة الدراما العراقية من تحديات الإنتاج والنص، تساؤلات حول قدرة هذه الصناعة على تجاوز هذه الصعوبات والمنافسة بقوة على الساحة العربية، ففي ظل المنافسة العربية الشرسة، يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت الدراما العراقية قد تمكنت في الفترة الأخيرة من استعادة أنفاسها وإثبات حضورها أو الارتقاء لمستوى المنافسة في موسم رمضان للعام 2025؟.

 

ويعبر المخرج والفنان العراقي حسن حسني عن نظرته الإيجابية للأمور، قائلاً إنه "سعيد بما يراه من تطور في المشهد الفني، وإن كان يراه بطيئاً بعض الشيء". 

 

ويقول حسني لمنصة "الجبال": "أنا أُمعن النظر في النصف الممتلئ من القدح، وأترك النصف الفارغ للريح، ولهذا أنا سعيد بما أرى". وأشار إلى أن "كل شيء يتطور، وقد يكون التطور بطيئاً بسبب مشاكل الإنتاج أو نظرة أصحاب الشأن للفن بذاته".

 

وفي حديثه عن تطور الأعمال الفنية العربية، أوضح حسني أنه "لو نظرنا إلى الأعمال العربية الكبيرة كيف وصلت لهذا المستوى العالي من النضوج والحرفنة والإبداع لوصلنا إلى البديهية المعروفة: الفن صناعة ولها رجالها".

 

وعن واقع الفن في العراق، أبدى حسني رأيه قائلاً: "ما زلنا نحن في مرحلة التجربة والمحاولة، معتمدين على الأكفاء أصحاب الجهد الفردي الذين يحاولون النحت في الصخر وهم من النوادر".


 
وحول النصوص التي عرضت في الموسم الرمضاني، يؤكد الكاتب العراقي مصطفى بهجت أن "العراق ما يزال يفتقر إلى إنتاج درامي حقيقي"، موضحاً أن "النصوص العراقية المعروضة حالياً غالباً ما تخضع لعمليات تطوير، إلا أنها لا تزال تشوبها بعض الهفوات". 

 

مع ذلك، أشار بهجت في حديث لـ"الجبال"، إلى وجود "خطوات جريئة" هذا العام نحو استكشاف مواضيع جديدة في الأعمال الدرامية، مثل استذكار الشهداء ودخول منطقة الرعب، معتبراً أن "هذه التجارب تمنح خبرة مهمة في مجال الكتابة الدرامية". 

 

وتحدث بهجت عن أهمية تناول شخصيات "غير محكية" وتقديمها للمشاهد العربي بـ"غرابتها وتميزها"، مشيراً إلى "وجود العديد من الشخصيات ذات "الغرابة والتعقيدات التي لا يعرفها الكثيرون، ويشمل ذلك تنوع المهن والارتباطات العائلية". 

 

الغرابة المفرطة

 

وينتقد بهجت ميل بعض النصوص إلى "الغرابة لدرجة "الفنتازيا"، حيث تتخذ الشخصيات قرارات غريبة وتتغير وجهات نظرها بشكل مفاجئ، ما يجعلها بعيدة عن منطق المشاهد، ويفقده الارتباط بالعمل لعدم إمكانية تصور وجود مثل هذه الشخصيات في الواقع". 

 

نبه بهجت إلى أن "العفوية في الحوار قد تتحول إلى ارتجال، وأن الواقعية قد تصبح نقلاً حرفياً للحقيقة وحوار الشارع الذي قد يحتوي على حشو لا تحتمله الدراما"، مؤكداً أن "بعض الأعمال الجديدة ما تزال تعاني من هذه المشكلة بعد التجارب". 

 

ويرجع بهجت سبب عدم تقديم عمل عربي قوي ينافس الدراما العربية الأخرى إلى "ضعف النص في الأساس".

 

الدراما.. ما زالت أسيرة لـ"نمطية النص"

 

هذا ويتفق الكاتب والسيناريست حامد المالكي مع الرأي القائل بشحة النصوص الدرامية الجيدة، مؤكداً أن "الدراما العراقية تسعى للخروج من أنماطها التقليدية المعروفة، وبينما حققت تقدماً في تجاوز نمطية التمثيل المسرحي المتكلف والإخراج التقليدي، ما تزال أسيرة لنمطية النص".

 

وأوضح المالكي في حديثه لـ"الجبال"، أن "النصوص تعاني من تكرار الأفكار وعدم الابتكار، حيث تدور القصص في دائرة واحدة، ويبقى المشاهد منتظراً لتقدم الأحداث بشكل منطقي – وهو ما يعتبر شرطاً أساسياً للنص المبدع – لكن دون جدوى، لتنتهي الحلقات الأخيرة بحلول غير مقنعة".

 

وأشار إلى أن النص الجيد يكتبه "مهندس إبداعي" يضع من خلاله خارطة طريق واضحة للإنتاج، ونتيجة لذلك، "فقد اهتم عدد قليل من الأعمال الدرامية لهذا العامل بالنص بشكل جدي، بينما تجاهلته الغالبية، مما أدى إلى تباين كبير في مستوى الأعمال المنتجة عند مقارنة المتميز منها بالضعيف".

 

نحتاج النزول للأرصفة

 

أما المخرج حسن حسني، فيقول إن هناك مواضيع وحكايات كثيرة في الحياة وخاصة في مجتمعنا لما مر به من أزمات وقهر ومعاناة وهناك أحلام مكبوتة وطموحات للشباب متوقفة تحتاج من يأخذها لبر الأمان لترى النور وهنا يأتي دور كاتب السيناريو الذي يفترض منه الاقتراب من معاناة الشباب والغور في أعماق نفوسهم وأفكارهم، لا أن يعيش بين جدران أربعة ويسبح في بحر خيالاته". 

 

واختتم حسني حديثه بالقول: "نحن بحاجة إلى كاتب سيناريو ينزل إلى الشارع الحقيقي وأرصفته، وإلى زوايا الحياة ويخرج من صومعته المقدسة"، التي وصفها بـ"الجدار الكونكريتي الذي يجب أن يهدم حتى يرى بوضوح الأشياء على حقيقتها بمعاناتها ومفرداتها وقصصها". 


 
عالم المشاهير

 

وأثارت ظاهرة جلب مشاهير السوشيال ميديا إلى الدراما العراقية جدلاً واسعاً، وفي هذا السياق أعرب السيناريست حامد المالكي عن رفضه لهذه الظاهرة، مؤكداً أنه "لا يمكن لشخص لم يدرس التمثيل في معهد متخصص أن يصبح ممثلاً ناجحاً".

 

ووصف المالكي المشاركين من مشاهير السوشيال ميديا بـ"مجموعة من المؤدين"، مشيراً إلى أنهم "ينطقون بالحوارات دون أي تعبير داخلي، مجرد انقباضات في عضلات الوجه وعصر الجسد والصراخ غير المبرر". وأرجع ذلك إلى كون "أغلبهم لم يدرس التمثيل وجاء عن طريق نجوم السوشيال ميديا". واستشهد المالكي بـ"التجارب العالمية" التي أثبتت أن "الاتكاء على جمهور هؤلاء الذي يتجاوز الملايين أحياناً اتكاء أعرج لا فائدة منه".

 

التحديات والحلول 

 

في سياق الحديث عن التحديات التي تواجه الدراما العراقية، أكد المالكي أن "الإنتاج يأتي على رأس هذه القائمة"، موضحاً أن "المنتج العراقي ما زال يبحث عن كل ما هو رخيص من كتاب ومخرجين وممثلين"، مرجعاً ذلك جزئياً إلى "فقر الإنتاج العراقي بالعموم".

 

مع ذلك، لفت المالكي إلى مفارقة، قائلًا: "لكننا نسمع أن المبالغ التي تضيع في طريق الإنتاج، هي أكثر من الأموال التي تصرف على الإنتاج نفسه"، كما أشار إلى أن "لبعض المنتجين المنفذين أهداف من أجل الربح العالي والسريع، تجعلهم يبخلون بالإنتاج".

 

فيما أكد المالكي  أن الحلول الكفيلة بنهضة الدراما العراقية تكمن في ظهور شركات إنتاج أهلية كبيرة، تتمتع بالقدرة على تسويق أعمالها بشكل فعال في مختلف أنحاء العالم العربي. وأشار  إلى أن هذا التوجه سيسهم في استرجاع رؤوس الأموال المستثمرة مع تحقيق نسبة ربح معقولة، ما يشجع على المزيد من الإنتاج النوعي والمنافس. وحذر المالكي من أن الاعتماد الكلي على إنتاج الدولة سيترك الدراما العراقية تراوح مكانها.

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في الثلاثاء 1 أبريل 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.