منذ أن قدَّم 80 نائباً طلباً لرئيس مجلس النواب لتحويل قضاء الزبير إلى محافظة أسوةً بحلبجة، والشارع البصري يشعر باستياء عميق مما يُحاك لمحافظتهم في بغداد. في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، قدَّم النائب عن كتلة العصائب، رفيق الصالحي، طلباً لاستحداث محافظة الزبير، وسرعان ما وافق رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، وعرضه للتصويت في الجلسات القادمة، مما أثار استهجاناً واسعاً في البصرة. من جانبه، رفض العيداني ذلك في بيان شدَّد فيه على وحدة البصرة وعمقها التاريخي.
اجتماع في بغداد
بحسب مصدر مطَّلع رفض الكشف عن اسمه، فإنَّ طلب النائب رفيق الصالحي لم يأتِ من فراغ، ولم يكن اجتهاداً شخصيّاً كما قالت العصائب، بل سبقه اجتماع في بغداد بين زعماء الإطار التنسيقي، حيث اتُّفق على قضم جزء من البصرة لتقويض سلطة العيداني بتحويل الزبير إلى محافظة. وكان أكثر المتحمسين للمقترح كلٌّ من العصائب وتيار الحكمة، بينما رفضه المالكي، وفقًا للمصدر. كما لم تتم دعوة العيداني أو ممثل عنه لهذا الاجتماع، رغم ثقله السياسي في البصرة بامتلاكه 12 عضواً في مجلس المحافظة، مما يعكس القطيعة المتزايدة بينه وبين الإطار التنسيقي.
يتبنَّى كلٌّ من العصائب وتيار الحكمة مساعي تحويل الزبير إلى محافظة، بعدما فشلت طموحاتهم في منافسة العيداني داخل البصرة، مما دفعهم للبحث عن بديل يُمكِّنهم من إيجاد موطئ قدم لهم. ولأنَّ الزبير تضمُّ حقولًا نفطية وآلاف المزارع ومساحات شاسعة، فقد تصبح أهم محافظة في الجنوب بعد البصرة. أما تبني العصائب والحكمة تحديداً لهذا المشروع، فيعود إلى كون العصائب المنافسين المباشرين للعيداني في البصرة، بينما الحكمة لا تزال تطمح لاستعادة نفوذها في البصرة، بعد أن كان آخر محافظ للبصرة قبل العيداني هو من تيار الحكمة، ماجد النصراوي.
خطة استباقية من العيداني
منذ تولِّيه منصب المحافظ، استشعر العيداني مخاطر المطالبات بتحويل الزبير إلى محافظة، فسارع إلى تنفيذ خطة تهدف إلى تعزيز الترابط بين البصرة والزبير. فمثلاً قبل ولايته، كانت المسافة الفارغة بين المدينتين نحو 13 كم، أما اليوم فقد تقلَّصت إلى 7 كم فقط. كما أقام مشاريع عديدة بينهما، ومدَّ 11 جسراً فوق شط البصرة لربطهما. بالإضافة إلى ذلك، أقدم على تقليص نفوذ الزبير عبر استحداث قضاء سفوان، الذي كان سابقاً ناحية تابعة لها، مما أدى إلى اقتطاع ثلث مزارعها وضمِّها إلى سفوان، فضلاً عن تبعية حقول الرميلة النفطية والمنفذ الحدودي مع الكويت لهذا القضاء الجديد. كما يسعى العيداني لتحويل أم قصر إلى قضاء مستقل، ما يُضعف مكانة الزبير الاستراتيجية ويقلِّل فرص تحوُّلها إلى محافظة.
النسيج السكّاني للزبير
حتى منتصف القرن العشرين، كانت الزبير ذات أغلبية سنيَّة تتزعمها قبيلة النجادة، نسبةً إلى نجد، لكن معظم أبنائها هاجروا لاحقاً إلى السعودية مع نهوضها الاقتصادي والعمراني. وفي عهد عبد الكريم قاسم، أدَّى قانون الإصلاح الزراعي إلى استقطاب سكان جدد، خاصةً من الناصرية والبصرة، مما غيَّر تركيبة الزبير الديموغرافية وجعل الأغلبية فيها شيعية، ومعظمهم ليسوا من أصول بصرية، بل من مدن أخرى.
وبالتالي يمتعض عدد ليس بالقليل من أهالي البصرة عندما يرون أنَّ الطلب الذي وقَّع عليه 80 نائبًا لاستحداث محافظة الزبير، لا يضم سوى خمسة نواب من أصول بصرية. وعلى الرغم من أنَّه لا فرق بين المواطن البصري الأصلي والمهاجر، فإنَّ النزعة الفيدرالية لدى أغلب البصريين تجعلهم يرون في هذا الطلب تهديدًا مدبَّرًا من الإطار التنسيقي لتقسيم محافظتهم، التي يطمحون لتحويلها إلى إقليم بدلًا من اقتطاع أجزاء منها.
"غيرة صخول" أم نوايا مبيتة؟
لقد غطَّى الإطار التنسيقي على طموحاته في استحداث محافظة الزبير، بذريعة إنشاء محافظة أسوةً بمحافظة حلبجة، وبالتالي تصوَّر الشارع والرأي العام البصري والعراقي أنَّ الموضوع لا يعدو كونه "غيرة صخول" دون أيَّة أهداف أو مطامع خفيَّة. و"غيرة الصخول" مثلٌ شعبيٌّ تُوصَف به الغيرة العمياء التي تدفع طرفًا ما إلى فعل ما يفعله الطرف الآخر، لمجرَّد الرغبة في تكرار الفعل بدافع أناني. ولكنَّ جميع المؤشِّرات والخلفيَّات وراء قضيَّة تحويل الزبير إلى محافظة، تؤكِّد أنَّ الدوافع ليست غيرةً من الكرد، بل نوايا مبيَّتة لدى الإطار التنسيقي.