منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في الثامن من كانون الأول الماضي، ويعيش العراق شعور "الهدف التالي"، وتنوعت التحليلات والمعلومات عن نوع وحجم التأثير الذي سيطال العراق، بين تغيير النظام السياسي او تفكيك الحشد ونزع سلاح الفصائل، إلى معاقبة النظام المصرفي وقطع الدولار، وأدناها وأكثرها تأكيداً، انهاء استثناء العراق من العقوبات المتعلقة باستيراد الطاقة من إيران.
وبعد حوالي ثلاثة أشهر من التكهنات، بدأت أولى خطوات "الضغط الأقصى" رسمياً، بإعلان الخارجية الأميركية إنهاء إعفاء العراق لشراء "الكهرباء" من إيران، وهو ما تحدث به مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز بشكل صريح مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال اتصال هاتفي جمعهما في 9 اذار 2025، وهو اليوم الأخير من مهلة الإعفاء الأميركي للعراق والبالغة 120 يوماً والتي منحت في نوفمبر 2024.
لكن الملفت، أن التصريحات الحكومية لاتزال تتحدث عن "عدم الحصول على تبليغ رسمي بإنهاء إعفاء العراق من استيراد الغاز"، وعند مقاطعة هذا القول مع العبارة الواردة في بيان مكتب رئاسة الوزراء عن الاتصال مع مستشار الأمن القومي "بإنهاء استثناء استيراد الكهرباء المجهزة من إيران"، فضلاً عمّا ورد في بيان لقاء رئيس اللجنة المالية عطوان العطواني مع القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى العراق دانيال روبنستين، والذي جاء فيه تأكيد روبنستين أن "استيراد الغاز الطبيعي ولغاية الآن هو خارج منظومة العقوبات"، فيتضح أن إنهاء الإعفاء وقع على استيراد الكهرباء الجاهزة فقط من إيران حتى الآن، ولم يستهدف الغاز، والذي تبلغ كميته أكثر من 1000 ميغا واط يستوردها العراق من إيران عبر أربعة خطوط، لكن هذا الخط توقف فعلياً منذ 24 كانون الثاني الماضي، بالمقابل يوفر الغاز الإيراني بين ثمانية إلى تسعة آلاف ميغا واط.
وبتطبيق أولى خطوات "الضغط الأقصى"، بدت الحكومة العراقية متفاعلة بشكل "إيجابي" مع هذا القرار الأميركي، ولم تبدو متفاجئة، بل قد يكون العراق مرحباً بهذا النوع من الضغط مقارنة بالمعلومات والتحليلات ذات السقف العالي عن احتماليات استهداف العراق.
وسط كل هذا، يبرز "الكَاز" في تصريحات وخطط الجهات المعنية بصفته "البطل المخلّص" من أزمة انقطاع الغاز الإيراني، الذي يعد شبه منقطع بالفعل حالياً، حيث لا يصل سوى 8 من أصل 45 مليون متر مكعب يومياً تعاقد عليها العراق، لكن آثار هذا الانقطاع سيتضح بشكل أكبر مع حلول الصيف وارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية، فضلاً عن انقطاع حتى الـ8 ملايين متر مكعب عندما يتم شمول الغاز بإنهاء الاستثناء الأمريكي للعراق.
في سياق الحديث عن أزمة الكهرباء المحتملة وانقطاع الغاز الإيراني، قال عضو لجنة الطاقة النيابية داخل راضي، إن "وزارة الكهرباء تعمل حالياً على تأمين احتياجات محطات التوليد من الوقود، حيث تم الاتفاق مع وزارة النفط لتوفير خزين استراتيجي من زيت الغاز (الكاز) لتشغيل المحطات الغازية".
وفي ذات السياق، وخلال ترؤس السوداني الاجتماع الدوري الخاص بمتابعة تنفيذ مشاريع القطاع النفطي، والوقوف على الخطة المعدة لتأمين الطاقة الكهربائية للصيف المقبل، تم التطرق إلى "بحث كمية زيت الغاز المطلوبة للمحطات، والكلف المالية والمخازن وكل ما يرتبط بعملية استيراد الوقود".
لذلك، يتضح من التصريحات الحكومية والنيابية، أن زيت الغاز "الكَاز" سيكون هو بوابة الرهان لعبور الصيف المقبل، لكن آخر مرة ارتبط بها استخدام الكَاز لتشغيل الكهرباء، كان قد رافق أزمة في الكَاز في العديد من المحافظات وذلك في شهر أكتوبر 2024، قبل أن يتبين أن خزين وزارة النفط من الكَاز والبالغ 600 الف طن حينها، قد استهلك بالكامل من قبل وزارة الكهرباء لتعويض غياب الغاز الإيراني، مع الإشارة إلى أن هذا حدث في بداية فصل الشتاء.
من هنا، يعمّق موقع "الجبال" البحث وعبر التحليل الرقمي، للتوصل إلى الكميات المطلوبة من الكّاز وما يمتلكه العراق لتعويض نقص الغاز الإيراني.
تكشف البيانات التي تتبعها "الجبال"، أن وزارة الكهرباء استهلكت في عام 2023، كميات بلغت حوالي 270 مليون لتر من الكَاز خلال عام، انتجت أكثر من 660 الف ميغا واط، هذا يعني أن كل 400 لتر من الكَاز، تنتج 1 ميغا واط.
بالمقابل، تبلغ كمية الغاز الإيراني 45 مليون متر مكعب يومياً، تكفي لإنتاج أكثر من 8 آلاف ميغا واط/ساعة، هذا يعني أن انتاج 8 الاف ميغا واط، باحتياج 400 لتر لكل ميغا واط، يعني ان الحاجة تبلغ 3.2 ملايين لتر إضافي من الكَاز، لتعويض كمية الغاز الإيراني المفقود.
لكن إنتاج العراق من الكَاز يبلغ 31 مليون لتر يومياً، يتم استهلاك حوالي 30 مليون لتر يومياً، حيث حقق العراق اكتفاء ذاتياً وفائضاً بمادة الكَاز بعد تشغيل مصفى كربلاء ومصفى بيجي وبعض الوحدات الإنتاجية في المصافي الأخرى، وتحول العراق الى مصدّر للكَاز بعد أن كان يستورده، لكن، مع الكميات المطلوبة لتعويض الغاز الإيراني المفقود، سيكون الطلب على الكَاز حوالي 33 مليون لتر يومياً، أي ان هناك عجز بحوالي مليوني لتر يومياً من الكَاز.
هذا العجز، سيؤدي إلى أزمة كَاز متوقعة خلال الصيف المقبل، يغلق العراق أزمة الغاز الإيراني، بفتح أزمة جديدة تتعلق بعجز الكَاز، كما سيتحول العراق إلى مستورد للكَاز من جديد بعد أن اصبح مصدّراً لهذا النوع من الوقود قبل أقل من عام.