في ظل انهماك الساحة السياسية العراقية ومجلس النواب بقانون الحشد الشعبي، إلى جانب التصريحات الأميركية التي تهدد مصير الفصائل المسلّحة العراقية وبعض المنظمات، يترقب سياسيون عقوبات أميركية ضد الفصائل العراقية بينما يستبعدها آخرون على صعيد المستقبل، في الوقت الذي يشدد مراقبون على ضرورة أخذ التصريحات والمطالبات الأميركية على محمل الجد، كونها تشكّل تهديدات اقتصادية ومالية قد تعصف بالبلاد، و"يصعب على الإطار التنسيقي تحملها"، مع وجود "200 منظمة واسم في لائحة الإرهاب".
انطلق الحراك الأميركي المناهض للفصائل العراقية المسلّحة، منذ الأسبوع الأول من شهر شباط الماضي، حيث تقدّم عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي بطلب لوضع فصائل عراقية على "لائحة الإرهاب"، وخاصة "فيلق بدر"، بحجة أنه "في عام 2005، تم دمج العديد من ضباط فيلق بدر السابقين التابعين للمنظمة في وزارة الداخلية، وبعضهم في وزارة الدفاع، واحتفظوا برتبهم وكثيراً ما شهدوا ترقيات سريعة بسبب علاقاتهم السياسية".
وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها أعضاء الكونغرس الأميركي، الفصائل العراقية بتلك الحدة، فقد كتب النائب جو ويلسون في تدوينة على منصّة "إكس" في هذا الإطار: "منظمة بدر هي منظمة إرهابية متطرفة طائفية مثل داعش، لقد قتلت أميركيين وشاركت في الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد عام 2019، وتم تسليحها وتدريبها من قبل قاسم سليماني، للأسف لم يتم تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية حتى الآن. ترامب سيصلح الأمر".
منظمة "بدر" غير مهتمة
القيادي في منظمة "بدر"، محمد البياتي، أعرب عن "عدم اهتمام منظمته" لدعوات بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، لوضع منظمتهم، بالإضافة إلى فصائل عراقية أخرى على "لائحة الإرهاب".
وقال البياتي في لـ"الجبال"، إن "منظمة بدر لا تهتم لآراء شخصية يطرحها من يريد ومتى ما يريد"، معتبراً تلك المطالبات بأنها بـ"من دون قيمة"، مبيناً أن منظمته، "تمثّل أحد الأركان المهمة في العملية السياسية بعد سقوط نظام صدام حسين".
وبحسب البياتي، فإن "منظمة بدر تخلّت عن سلاحها منذ وقت طويل، وأصبحت منظمة سياسية رسمية"، مبيناً أن "المطالبات الأميركية ليست سوى دعوات فردية، لا تستند إلى حقائق".
ولفت البياتي، إلى أن "منظمة بدر لا تخشى من أي عقوبات أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة"، موضحاً أن "منظمة بدر ليس لديها قطيعة مع الجانب الأميركي الرسمي الدبلوماسي".
واعتبر القيادي في منظمة "بدر"، تلك المطالبات، بـ"محاولات لتعزيز نفوذ الكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، ومحاربة الجهات التي دعمت المقاومة ووقفت في الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي في غزة".
"الفصائل مصدر قلق لواشنطن"
من جانبه، رأى محمد الشبكي، النائب السابق عن تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري، أن "فصائل المقاومة العراقي" باتت تشكّل مصدر قلق تجاه أميركا".
وقال الشبكي لـ"الجبال"، إن "مقدمي طلب إدراج منظمة بدر والفصائل الأخرى على لوائح الإرهاب، هم نواب هامشيين في الكونغرس، وليس لهم أي رأي مؤثر في السياسة الأميركية".
وأوضح أن "الإدارة الأميركية ووزارة الخارجية الأميركية لم يتطرقا إلى هذا الملف، مما يدل على غياب التأثير من نواب الكونغرس الهامشيين"، مضيفاً: "يراد من تلك المطالبات، صناعة رأي عام، لتكون قراراً فيما بعد ضد الفصائل العراقية".
ورأى الشبكي، أن "فصائل المقاومة العراقية والحشد الشعبي يشكّلان مصدر قلق تجاه السياسية الأميركية في الشرق الأوسط"، وأكد أن "العقوبات الأميركية حتى لو فُرضت، فهي تمثل وسام شرف على صدور الفصائل العراقية"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية ليس لها موقف واضح من تلك المطالبات الأميركية كونها بدأت تضعف مع بدء العد التنازلي لانتهاء ولايتها".
"استهداف للمقرّبين من إيران"
من جهته، تحدث القيادي في القيادي في الإطار التنسيقي حيدر اللامي، عن وجود تواصل بين أعضاء الكونغرس مع ما وصفه بـ"اللوبي الإسرائيلي".
ورأى اللامي في حديث لـ"الجبال"، أن "هناك فرقاً كبيراً وشاسعاً بين صدور طلب من قبل نائب أميركي أو نائبين، وبين القرار الأميركي المركزي"، مشيراً إلى أن "ما صدر بحق منظمة بدر وبعض الفصائل المسلحة، لا يمثل التوجه الأميركي، وإنما هو مقترح يمثل وجهة نظر نواب في البرلمان الأميركي".
اللامي اتفق مع البياتي في أن "التوجّه نحو إدراج الفصائل العراقية على لائحة الإرهاب، هو أمر شخصي وليس قراراً أميركاً رسمياً"، لافتاً إلى، أن "الولايات المتحدة الأميركية لا تفكّر بإدراج منظمة بدر على لائحة الارهاب، لا من بعيد ولا من قريب".
وقال إن "هناك نواب أميركيين لديهم اتصالات باللوبي الإسرائيلي، وذلك اللوبي يعتبر منظمة بدر إحدى المنظمات القريبة من القرار الإيراني"، مبيناً أن "المطلب مبني على عداوات، لجعل القريبين من إيران على قوائم الإرهاب".
ماذا عن هيئة الحشد؟
في السياق، استبعد قيادي آخر في الإطار التنسيقي، تأثر هيئة الحشد الشعبي بالمطالبات الأخيرة التي أطلقها أعضاء الكونغرس الأميركي، والتي استهدفت "منظمة بدر والفصائل العراقية".
وقال القيادي في الإطار حسين المالكي، في حديث لـ"الجبال"، إن "حكومة دونالد ترامب لم تتطرق إلى فرض عقوبات على الفصائل العراقية، وبالتالي فإن المطالب حبر على ورق".
المالكي، بيّن أن "هناك ضرورة لحصر سلاح الفصائل التي تعمل خارج إطار هيئة الحشد الشعبي، والتي لا تمتثل بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، بيد الدولة".
أميركا تسير بقانون القوة
في الأثناء، اعتبر أستاذ القانون الإداري غازي فيصل، مطالبات نواب الكونغرس الأميركي إزاء الفصائل العراقية ووضعها على قوائم الإرهاب "الباطلة".
وقال فيصل في حديث لـ"الجبال"، إن "المطلب الأميركي بإدراج فصائل عراقية على لائحة الإرهاب، هو تدخّل سافر بشؤون دولة أخرى وفق قواعد القانون الدولي العام".
وانتقد فيصل، أميركا، قائلا إنها "ليست وصية على دول العالم تعتبر من تريد إرهابياً وتبرئ من تريد"، مؤكداً أن "ما تقوم به أميركا هو مساس باستقلالية الدول وسيادتها".
ورأى أستاذ القانون الإداري، أن "ما طالبت به أميركا، باطل"، لافتاً إلى أن "قانون القوة هو الساري، أما القانون الدولي هو عبارة عن حبر على ورق".
200 منظمة واسم في "لائحة الإرهاب"
من جانبه، قال أستاذ الإعلام والمختص بالشؤون السياسية الأميركية، عقيل عباس، إن العراق مقبل على "عقوبات اقتصادية صعبة"، فيما أشار إلى وجود 200 شخصية وفصيل عراقي تم إدراجهم على لوائح الإرهاب، "في قائمة قد تُعلن عنها واشنطن قريباً".
وقال عباس في حديث لـ"الجبال"، "لا يوجد طلب رسمي من قبل الحكومة الأميركية بشأن وضع الفصائل العراقية على لوائح الإرهاب، باستثناء الدعوى التي أطلقها جو ويلسون النائب المقرب من ترامب، أعضاء الكونغرس".
وأضاف عباس، أن "صوت ويلسون مسموع عند ترامب، وليس بالضرورة أن يكون مؤثراً"، مؤكداً أن "الولايات المتحدة الأميركية تريد إنهاء النفوذ الإيراني في العراق، وهذا الشيء يبدأ بإنهاء وجود الفصائل المسلحة".
ولفت إلى، أن "تصنيف الفصائل على لوائح الإرهاب يستند على مسارين، الأول يتعلق باستهداف القوات الأميركية من قبل الفصائل المسلحة، والثاني يستند إلى قرارات رئاسية أصدرها الرؤساء الأميركيين السابقين، (جورج بوش وباراك أوباما)، حول الوقوف ضد من يمنعون التنمية والتطور والديمقراطية في العراق".
"تهديدات يصعب على الإطار التنسيقي تحملها"
وأشار المختص في الشؤون الأميركية إلى أن "الولايات المتحدة ترى في الفصائل تهديداً للاقتصاد العراقي وتهديداً مسلحاً لقواتها المتواجدة في القواعد العسكرية".
وكشف عباس، عن "وجود 200 منظمة واسم في العراق تعتزم الإدارة الأميركية وضعها على لائحة الإرهاب"، مرجحاً أن "أميركا قد لا تعلن عن الـ200 اسم التي تروم وضعها في لائحة الإرهاب، كدفعة واحد، والتي ستكون الفصائل العراقية جزءاً منها، بل سيكون الإعلان تدريجياً وتصاعدياً".
أستاذ الإعلام بيّن، أن "الولايات المتحدة الأميركية لا تترك مطلب حلّ الفصائل، بل تسعى أيضا إلى إعادة تأسيس الحشد الشعبي كي لا يكون مكاناً لتوسع النفوذ الإيراني".
وبحسب عباس، فإن "رفض العراق للإصرار الأميركي سيضع البلد في عقوبات مالية واقتصادية لا يستطيع الإطار التنسيقي الحاكم تحملها، وتؤدي إلى انهيار مالي واقتصادي في العراق".