الإقامة في 1979

5 قراءة دقيقة
الإقامة في 1979 إياد علاوي ونوري المالكي (فيسبوك)

مثّلت انتخابات آذار/مارس 2010 في العراق لحظة مفصلية تستحقّ العودة إليها دائماً، وكان الكثير من المراقبين يشعرون معها بأن النظام السياسي في العراق كان على أعتاب تحوّل جديد يكسر القواعد التي سارت عليها العملية السياسية تحت ظلال الاحتراب الأهلي الطائفي، وأن العراقيين يتطلّعون الى مزاج سياسي مختلف عن الاستقطاب الطائفي، وهذا الذي دفع الكثيرين الى منح أصواتهم لقائمتين انتخابيتين كبيريتين؛ الأولى قائمة "إئتلاف العراقية" التي يرأسها علّاوي، والثانية "إئتلاف دولة القانون" للمالكي.

 

كانت قائمة العراقية تضمّ شخصيات إسلامية وعلمانية سنيّة بالإضافة إلى علمانيين شيعة، وصوّت غالبية السنّة في العراق لهذه القائمة بالإضافة إلى العلمانيين الشيعة، وكان هذا التصويت الذي جعل قائمة العراقية تنال المرتبة الأولى مؤشراً مهماً على مزاج العراقيين من السنّة والشيعة بأنهم يريدون مغادرة التكتّلات الطائفية المغلقة.

 

أما قائمة دولة القانون، فقد استعمل المالكي هذا الاسم قبلها، لأول مرّة، في انتخابات مجالس المحافظات في يناير/حزيران 2009، وكان فيها الفائز الأول في العديد من المحافظات، مع تراجع حظوظ الأحزاب الإسلامية الشيعية التقليدية.

 

لقدّ صوّت غالبية الناس، في محافظات الجنوب تحديداً، لقائمة المالكي لأنها لم تكن إسلامية بحتة، وتمثّل عبوراً بمشروع المالكي من الإطار الإسلامي الضيّق إلى الإطار الوطني والمدني، أو هكذا على الأقل ما كان يظنّه المصوّتون، الذي لم يجدوا خيارات كثيرة، بعيداً عن الأحزاب الإسلامية التقليدية.

 

كان الفوز بانتخابات مجالس المحافظات بالنسبة للمالكي مرحلة اختبار مهمّة لثقل مشروعه السياسي، واستجابة المواطنين تجاهه، وتشغيلاً لرصيد سياسي حوّله الى عنوان لمرحلة القضاء على المليشيات الشيعية المتطرّفة من جهة، وتنظيم القاعدة والمجموعات السنيّة الجهادية من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن المالكي لم يغادر حزب الدعوة ولم يغادر الإطار المحافظ لرؤيته السياسية والاجتماعية، ولكن الناخبين رأوا فيه نمواً وتطوراً أكثر بعداً عن الإسلام السياسي.

 

بعد إعلان نتائج الانتخابات والنزاع الذي حصل حول موضوع "الكتلة الأكبر" كانت أوساط النخبة الصحفية والإعلامية تتحدّث عن خيار يشابه ما اتبعته الانتخابات البرلمانية البريطانية، التي صادف أنها جرت في الوقت ذاته لانتخابات العراق، حيث فاز حزب المحافظين بالمرتبة الأولى بفارق بسيط عن حزب العمّال، الفائز الثاني، وجاء حزب الديمقراطيين الأحرار ثالثاً. وتشكّلت الحكومة بعد 5 أيام من المفاوضات بتحالف حزب الديمقراطيين الأحرار مع المحافظين رغم التباين الفكري والسياسي، وصرّح رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ في وقتها رداً على سؤال؛ لماذا لم تتحالف مع العمال وهم أقرب إليك فكرياً. فأجاب: بأنه لا يريد أن يقال عن الحكومة القادمة بانها نتاج تحالف الخاسرين (الفائزين الثاني والثالث)، وأنه من غير الأخلاقي سلب المحافظين فوزهم المستحق، لذلك تحالف معهم.

 

توقّع المعلّقون العراقيون أن يستجيب الفائزان الأول والثاني في العراق، لتطلّعات العراقيين إلى المزيد من المدنية والعلمانية، وما كان فوز إئتلافي علاوي والمالكي إلا بسبب هذه التطلّعات. فيجد الزعيمان وسيلة ما للتحالف بينهما، ليشكّلا لحظة تاريخية فاصلة، ولكن العراق للأسف خسر هذه الفرصة ليعاد إنتاج النظام الطائفي، مع ضربة موجعة للتطلّعات العراقية، وهي ضربة أرّخت لتراجع حماسة العراقيين للانتخابات من يومها بشكل متزايد مع كلّ انتخابات جديدة.

 

يقف الرجلان اليوم، بشكل مؤسف، وهما يخرجان بتصريحات إعلامية بما يشبه الدعاية الانتخابية المبكّرة، ليبدوا وكأنهما لم يمرّا بالعشرين سنة الماضية، وما زالا في لحظة ما من نهاية السبعينيات. فيتحدّث علاوي بفخر عن عمله مع البعثيين وضربه للشيوعيين، وأن البعث موجود، متجاهلاً أن الحديث عن البعث هو خبز مسموم لن يقرب منه العراقيون أبداً، سنّة وشيعة.

 

ويخرج المالكي أيضاً للحديث عن البعث، ولكن من زاوية مضادة باعتباره بعبعاً يتم تخويف المجتمع به. ثم يتحدث عن التمهيد لدولة الإمام المهدي، بطريقة الوعّاض على المنابر التي تكشف جفاف قاموسه السياسي.

 

لقد مثّل الرجلان، في لحظة تاريخية سابقة، مشاريع واعدة، ولكن، بسبب سوء التقديرات، والتدخلات الإقليمية والدولية، وإغراء المشاركة في الأوضاع الخاطئة بدلاً من محاولة تصحيحها، انتهيا إلى الإقامة في تصورات 1979. وكأن الزمن لم يتغيّر أبداً.

 

 

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 21 فبراير 2025 12:22 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.