عن "حل الميليشيات" في العراق والجني الأميركي

4 قراءة دقيقة
عن "حل الميليشيات" في العراق والجني الأميركي

في المتداول الإعلامي الذي يمكن التأكد منه، أن كلّ الحديث عن حلّ المليشيات في العراق أو إدماجها، وحتى التهديد بضربها، يتعلّق بثلاث مليشيات لا أكثر. بينما تذهب التحليلات والتصريحات من هذا الطرف أو ذاك يميناً وشمالاً، وتشرّق وتغرّب، بل أن هناك من عقد "مجلس قيادة الثورة" خارج العراق، وهناك من وسّع من قائمة الأهداف الأميركية المحتملة لتشمل غالبية الشخصيات في الطبقة السياسية العراقية.

 

ينسى هؤلاء أن أميركا تتعامل مع النظام العراقي حتى الساعة على أنه نظام صديق، حتى وإن كان ودّ الطبقة السياسية تجاه أميركا غير محسوم.  ثم أن أميركا لم تستنفد بعد أوراقها في الضغط على النظام السياسي العراقي، بل أن عصب الاقتصاد العراقي في يدها، من خلال حماية واردات النفط العراقية، والعملة الصعبة تأتي بطائرات الحمل من أميركا تحديداً وليس من مكان آخر.

 

يبقى النظام السياسي الحالي هو من صنع أميركا، بغض النظر عن الحزب الحاكم في أميركا. كما أن استقرار الأوضاع في العراق، مهم جداً لاستقرار المنطقة، والدول المؤثرة في المنطقة تعرف تماماً تكلفة الاضطراب الذي جلبه تنظيم داعش قبل سنوات، ولا تريد تكرار مواجهة من هذا النوع مرّة أخرى.

 

يرغب بعض المتحمّسين للتغيير في العراق أن تنجز أميركا شيئاً يشبه لحظة نيسان 2003، متجاهلين أن الظروف مختلفة، وأن أميركا التي خسرت الكثير في مشروع تغيير نظام صدام بنظام ديمقراطي بديل، غير مستعدّة لإنزال جنودها على الأرض مرّة أخرى، ولن يقبل الشعب الأميركي ولا مؤسساته الديمقراطية تكرار هذه التجربة من جديد.

 

يعرف المعنيون بالملف العراقي في الدوائر الأميركية أن البلد بعد حرب داعش قد صار بيد المليشيات، ولكن، رغم الإساءات التي ترتكبها هذه المليشيات، والتي يعرفها الاميركيون جيداً، فإنهم ينظرون إليهم على أنهم جزءٌ من منظومة السيطرة الأمنية في البلد، وقبضهم على الأرض أقل تكلفة للأميركان مما لو نزلوا هم بجنودهم ومعداتهم وحاولوا ضبط الحدود المشتركة بين العراق وسوريا على سبيل المثال.

 

يصحو المسؤول الأميركي ويشرب فنجان قهوته الصباحية، وينظر إلى خريطة العالم، ولا يرى العراق سوى جزء من ساحات صراع عديدة يحتاج للانشغال بها، وربما ليست لها الأولوية قياساً بالساحة الصينية أو ساحة الحرب الأوكرانية الروسية، بالإضافة إلى الملفات الأميركية الداخلية العديدة، والتي لها الأولوية بكلّ تأكيد.

 

لن يكون هذا المسؤول الأميركي معنياً بأن منظور العراقيين إلى مشكلة المليشيات لا يتطابق تماماً مع المنظور الأميركي، وأن المشكلة ليست محصورة بثلاث مليشيات فحسب، وإنما بـ"المنطق المليشياوي" الذي يحكم الدولة كلّها، في مؤسساتها ونشاطاتها.

 

إن خوف الناس في الشارع من أي مسلّح، لا يتعلّق بأن هذا المليشاوي تابع للمليشيات الثلاث أم المليشيات الخمسين، ولا بحجمها ولا بمستوى شراستها، وإنما بشعور المواطن بأنه غير محمي من القانون. قد ترتدي عصابة إجرامية ملابس مليشيا معيّنة وتمارس الابتزاز في الشارع أو دوائر الدولة، ولن يتجرأ المواطن لمساءلة هذه العصابة عن أوراقها الثبوتية التي تؤيد انتسابها إلى مليشيات معروفة أم أنهم مجرد عصابة إجرامية عادية!.

 

ستنتهي مشكلة الأميركان إن توقفت المليشيات الصغيرة أو الكبيرة، الزرقاء أو الحمراء، أو أياً كانت، عن إطلاق الصواريخ على المصالح الأميركية، وتهديد دول الجوار. لكن مشكلة المواطن العراقي لن تنتهي، وسيكون ساذجاً ذلك الذي يعوّل على أن أميركا ستفرك، بالنيابة عنه، مصباح علاء الدين، وتخرج الجنّي الذي يحقّق له كلّ الأحلام.

 

الأميركان لن يغيّروا نظاماً هم صنعوه، وإنما يريدون منه أن يكون نظاماً أليفاً، يستطيع السيطرة على المشاغبين فيه، وإن فشل النظام بتحقيق هذا المطلب، فلديهم أوراق ضغط عديدة ستجبره في نهاية المطاف على الاستجابة. وما على الراغبين بالتغيير في العراق سوى التحشيد منذ الآن للانتخابات القادمة.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 17 يناير 2025 12:20 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.