في ظل التطورات السياسية والاقتصادية المتسارعة في المنطقة، عاد الحديث مؤخراً عن خط أنابيب "كركوك - بانياس" ليحتل مكانة بارزة في الأجندة الإقليمية والعراقية، حيث يربط هذا الخط النفطي التاريخي بين حقل كركوك الغني بالنفط في العراق وميناء بانياس على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، لكن يرى المراقبون أن إعادة تشغيله بعد توقف دام لسنوات قد يثير جدلاً واسعاً لما يحدثه من تأثير على خريطة الطاقة في المنطقة.
ويمثل أنبوب تصدير النفط العراقي - السوري، المعروف باسم خط أنابيب "كركوك - بانياس"، شرياناً حيوياً لاقتصادي العراق وسوريا، كون أن هذا المشروع يعتبر قديماً وهو أول منفذ للعراق لتصدير النفط إلى جميع بقع العالم.
إعادة إحياء المشروع هو قرار "سياسي"
ويقول المتخصص في مجال النفط والطاقة، محمد هورامي، لمنصة "الجبال"، إن "أنبوب النفط العراقي السوري (بانياس) يعد مشروعاً استراتيجياً ذا أهمية كبيرة لكل من العراق وسوريا، لما يوفره من منفذ حيوي على البحر الأبيض المتوسط يعزز التجارة النفطية بين البلدين ويفتح آفاقاً واسعة لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية بتكلفة أقل".
ويعود تاريخ خط أنابيب "كركوك - بانياس" إلى عام 1952، حيث تم بناؤه بطول 800 كيلومتر بقدرة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل نفط يومياً، وقد لعب هذا الخط دوراً حيوياً في تصدير النفط العراقي وتأمين مصالح الدول الكبرى في المنطقة.
ومع ذلك، والحديث لهورامي، فإن الظروف السياسية الراهنة والتوترات الأمنية على الحدود (العراقية - السورية)، تجعل إعادة تشغيل هذا الأنبوب صعبة للغاية في الوقت الحالي.
ويشير هورامي، إلى أن "العلاقات السابقة بين البلدين كانت قوية جداً خصوصاً بعد تعزيزها من قبل الوساطات الإيرانية، إلا أن مشروع الأنبوب لم يشهد أي تقدم يُذكر"، مبيناً أن "زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأخيرة إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ثم زيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد، لم تُتخذ عبرهما أي خطوات فعلية لإحياء المشروع".
بينما يعود تاريخ إنشاء أنبوب "كركوك - بانياس" إلى العام 1952، حيث قامت شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية بتنفيذه بهدف نقل النفط الخام من حقول كركوك الغنية في العراق إلى ميناء بانياس على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، وعلى الرغم من أهميته الاستراتيجية، إلا أن الأنبوب تعرض لتوقف متكرر على مر السنين بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة.
ويتابع هورامي، قائلاً إن "هذه الأحداث تُظهر أن العوامل الإقليمية والسياسية لا تزال تعرقل تحقيق المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للبلدين، رغم الأهمية الكبيرة لأنبوب بانياس كمنفذ للعراق على البحر المتوسط، ولا تحبذ المصالح الإقليمية الكبرى تفعيله، كما هو الحال مع العديد من المشاريع الاستراتيجية الأخرى للطاقة التي ظلت حبيسة التصريحات دون تنفيذ فعلي".
وبحسب الخبير، العراقي، فإن العلاقات العراقية التركية شهدت مؤخراً تحديات جديدة مع توقف تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، مما يعزز أهمية إيجاد منافذ بديلة كمنفذ "بانياس"، إلا أن القرار النهائي يبدو أنه يخضع للاعتبارات السياسية أكثر من المصالح الاقتصادية للشعبين العراقي والسوري.
وفي تعليق سابق، قال باسم العوادي المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية إن "العراق يفكر بإحياء خط تصدير النفط الذي يمر بميناء بانياس، إذ يبحث العراق عن منافذ جديدة لتصدير النفط"، مشيراً إلى أن "العراق اليوم بات على استعداد لمناقشة أمر إعادة تأهيل خط النفط المار بين كركوك وبانياس مع سوريا".
"التطورات في سوريا تدفع نحو التريث بالمشروع"
وفي العام 2007 اتفق العراق مع سوريا على إعادة تأهيل هذا الخط، إلا أن العقد الذي أبرم مع شركة "ستروي ترانس" غاز التابعة لمجموعة غازبروم الروسية، ألغي في عام 2009 بسبب ارتفاع التكاليف ولأسباب أخرى غير معلنة.
ويقول مصدر رفيع في وزارة النفط العراقية، إن "هناك تريثاً في تنفيذ مشروع إعادة تأهيل خط أنابيب كركوك - بانياس لنقل النفط العراقي عبر الأراضي السورية".
ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "التطورات السياسية والأحداث الأمنية في سوريا تُعد أبرز العوامل التي دفعت لاتخاذ هذا القرار"، مشيراً إلى أن "الأنبوب يحتاج إلى صيانة كبيرة نظراً لما تعرض له من استهدافات وأضرار خلال السنوات الماضية".
ويؤكد المصدر، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "إعادة إحياء هذا المشروع يُعد من الأولويات الاستراتيجية للعراق، لا سيما في ظل توقف الصادرات النفطية عبر ميناء جيهان التركي، مما يجعل البحث عن بدائل فعالة ضرورة ملحة".
ووفقاً للمصدر، فإن الخط يكتسب أهمية كبرى كونه يوفر منفذاً حيوياً على البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي من شأنه تعزيز قدرات العراق التصديرية وتقليل الاعتماد على المسارات الحالية ذات التكلفة العالية، ورغم أهمية المشروع، إلا أن التقدم في تنفيذه يبقى مرهوناً بتحسن الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا، بالإضافة إلى التوصل إلى توافقات تضمن استقرار العمل على الأنبوب في المستقبل.
وبحسب التقديرات فإن إعادة احياء الأنبوب يحتاج إلى أكثر من 8 مليارات دولار تقريباً، فيما يعتبر مختصون أن هذا رقم كبير كون طاقة الخط التصديرية تُقدر بـ700 ألف برميل يومياً فقط.
الأنبوب "العراقي - السوري" مهم ولكن!
ويعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة "أوبك" بمتوسط إنتاج يومي يبلغ أكثر من 3 ملايين برميل يومياً، في حين يشكل النفط في العراق أكثر من 90% من إجمالي الصادرات، كما يعد مصدراً مهماً في تمويل الموازنة المالية العامة ومشاريع التنمية داخل البلاد.
ويمتلك العراق، بحسب الخبير في الشأن النفطي، بلال خليفة، منفذاً وحيداً لتصدير النفط عبر الخليج العربي، بعدما توقفت صادراته عبر ميناء جيهان التركي نتيجة قرار محكمة التحكيم التجارية العام الماضي وقرار المحكمة الاتحادية.
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يقول خليفة، إن "أول منفذ لتصدير النفط العراقي كان عبر الأراضي السورية، حيث تم إنشاء أنبوب نفطي يصل إلى سوريا ولبنان وحيفا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، واكتمل في الأربعينيات ومع ذلك تم إلغاء هذا المسار بعد إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي".
ووفقاً خليفة فإن الأنبوب النفطي السوري تم تأميمه في الثمانينيات، لكنه توقف عن العمل منذ ذلك الحين، وأصبح بحاجة إلى صيانة كبيرة، مستطرداً بالقول "كانت هناك نية لدى الحكومة العراقية لإعادة تشغيل الأنبوب السوري إما من خلال صيانته أو إنشاء أنبوب بديل، لكن العقوبات المفروضة على سوريا، وخاصة قانون قيصر، والظروف السياسية منعت تحقيق ذلك".
ويضيف خليفة، أن "إعادة تشغيل الأنبوب تعتمد على عدة عوامل أبرزها تقديم تطمينات وضمانات من السلطات السورية الحالية، فضلاً عن تحقيق الاستقرار الأمني واستتباب الأوضاع في سوريا".
ويختتم خليفة، حديثه قائلاً إن "الأنبوب السوري يُعد خياراً أفضل للعراق مقارنة بخيار أنبوب العقبة لأسباب عدة أبرزها (قربه من الأسواق الأوروبية مما يقلل تكاليف النقل، انخفاض الكلفة الإجمالية مقارنة بمسار العقبة، عدم وجود أي قيود متعلقة بالتعامل مع إسرائيل، مرونة أكبر للعراق في خيارات التصدير، وتجنب المرور عبر قناة السويس، مما يخفض رسوم العبور ويوفر في التكاليف".
في المقابل، كتب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي على صحفته الشخصية في "فيسبوك"، وتابعته منصة "الجبال"، أن "ما يجري في سوريا حالياً يثبت خطأ التفكير بإعادة إحياء خط أنبوب النفط (العراقي - السوري)، إذ أن خطوط أنابيب النفط ينبغي أن تمر عبر أراضي دول مستقرة أمنياً وسياسياً".