مهما كان مستقبل سوريا خيراً أم شراً، فإن ما حصل اليوم من زوال نظام قمعي وحشي لا يقدّر بثمن، و هو فرحة ما بعدها فرحة حيث نجى آلاف المسجونين من زنازينهم تحت الأرض، وأي زنازين التي تعتبر أشد قساوة ووحشية من معتقلات النازيين ومعتقلات العصور الوسطى والبعث البائد في العراق.
الوجه الحقيقي والقبيح للنظام الأسدي في سوريا لا يظهر جلياً إلا في سجون "صيدنايا" و غيرها من مراكز الاعتقال والسجون تحت الأرض. إن نظام البعث في العراق كان يدفن الكورد بالعمليات المسماة "الأنفال" تحت الأرض حيث كان الأبرياء من نساء و شيوخ ورجال يموتون فور دفنهم. لكن نحن نرى أبشع من ذلك في سجون أسد الأب و الأبن حيث يسجن الانسان تحت الأرض فلا موت ولا حياة، حقاً إن نظام البعث في سوريا لم يكن ديكتاتورياً فقط، بل كان وحشياً بمعنى الكلمة.
واليوم حيث ينجو من ناله الحظ من هؤلاء الأبرياء ويرى النور من جديد بعد ظلام دامس دام حوالي نصف قرن، أو عشرات السنوات، فإن هذا بحد ذاته مكسب ما بعده مكسب وفرحة ما بعدها فرحة، لكن مع هذا؛ هل ستدوم هذه الفرحة وتتحول الحالة الثورية في سوريا إلى حالة استقرار وتنمية وديمقراطية؟! وهل ستتحقق آمال وأمنيات الآف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل سوريا جديدة؟!
سوريا جديدة لا بسنواتها التي تأتي ولا بنظامها التي آلت إلى مزبلة التأريخ، بل جديدة في احترامها لحقوق الإنسان واعترافها بوجود الأقليات والمكونات ورعايتها لحرية التعبير وحرية إنشاء المنظمات المدنية والحزبية وإلخ.. من مكونات المجتمع المدني الحديث؟
هذه أسئلة تقع إجابتها على عاتق من يتمسكون بزمام الأمور في سوريا من "تحرير الشام" إلى "قسد" إلى "الجيش السوري الحر" و غيرها من القوات الثورية التي شاركت في الثورة السورية وساهمت في إسقاط نظام القتل والإجرام، فهل سيكون هؤلاء على قدر من المسؤولية أم سينجر كل واحد منهم وراء كسب المزيد من الانتصارات العسكرية وفرض سلطتها، كما فعل تحرير الشام -مع الأسف- في مناطق منبج؟!
إن الإنسان السوري اليوم- عربياً كان أم كوردياً، شيعياً كان أم سنياً- يحتاج إلى استراحة طويلة بعدما عذب وشُرّد وحُرم من العيش بكرامة ورفاهية طوال سنوات حكم البعث، وهذا المواطن الثائر الذي ثار بوجه أسوأ نظام قمعي، يستحق بجدارة أن يعيش حياة آمنة كريمة بعد اليوم وأن تدوم ضحكته لسنوات طوال عابرة للأجيال، فلنراقب ونرى هل سيكون الثوار في سوريا على قدر هذه المسؤلية؟ فارتقب إنهم مرتقبون.