أطفال بـ"قلبين" ورأس ضخم.. كيف أصبح العراق بؤرة للتشوهات الخلقية؟  

7 قراءة دقيقة
أطفال بـ"قلبين" ورأس ضخم.. كيف أصبح العراق بؤرة للتشوهات الخلقية؟   

تتصاعد التشوهات قرب القواعد العسكرية

تشهد المدن العراقية ارتفاعاً في معدلات التشوهات الخلقية بين المواليد، في ظاهرة أصبحت مصدر قلق صحي وبيئي متزايد.

 

وفيما كانت قضية التشوهات تقتصر بالماضي على مناطق تعرضت لقصف مكثفة وتلوث بالمواد المحرمة دولياً، مثل "الفسفور الأبيض والنابالم"، خلال فترة الاحتلال الأميركي منذ عام 2003، إلا أنها أصبحت اليوم ظاهرة أوسع نطاقاً. 

 

وتبرز مدن مثل الفلوجة والبصرة كنقاط ساخنة لهذه الأزمة، نظراً لما تعانيه من تلوث بيئي ناتج عن المخلفات الحربية، وغازات الصناعة النفطية، بالإضافة إلى الألغام التي لم تُفكك منذ عقود، ما يجعل من هذه المدن بؤراً حقيقية لتفاقم التحديات الصحية للأجيال الجديدة.

 

وخلال العام الجاري، سجل العراق العديد من حالات التشوهات، كان آخرها إعلان إحدى مستشفيات الولادة في محافظة صلاح الدين، ولادة طفل بقلبين والذي لم يكمل سوى 24 ساعة حتى وفاته.

 

رحلة علاج بين المستشفيات

 

في أحد أحياء البصرة، تقول "أم محمد"، وهي تحتضن طفلها الذي لم يكمل شهره السادس بعد، "عندما علمت أنني حامل، كنت أحلم بمستقبل مشرق لطفلي، لكنني اليوم أعيش كابوساً لا ينتهي". 

 

وتؤكد أم محمد، لمنصة "الجبال"، أنها ولدت طفلها بتشوهات في القلب والجهاز العصبي، وهي حالات أصبحت مألوفة بشكل مخيف في مدينتها، مبينة أن "هذه التشوهات قد تكون نتيجة التلوث البيئي الذي يعصف بالبصرة حسب رواية الأطباء".

 

وخلال العقود الماضية، تعرضت المدينة لموجات متتالية من التلوث، نتيجة الحروب والمخلفات السامة، والصناعات النفطية، حيث أن سكان المدينة لا يزالون يعانون من آثار الأسلحة المحرمة دولياً التي استخدمت أثناء الحروب، مثل الفسفور الأبيض.

 

وتتحدث أم محمد التي لم تفقد الأمل، بالقول إنها "تتابع رحلة علاج طفلها بين المستشفيات، على أمل أن تجد من ينقذ حياته رغم أن مرضه صعب ولا يعالج بسهولة". 

 

وتبقى قصة "أم محمد" واحدة من آلاف القصص التي تعكس ثمن الحروب المستمر، حيث لا تقتصر تداعيات الصراعات على الماضي، بل تلاحق الأجيال القادمة، لتجعل من البصرة والمدن العراقية الأخرى تنزف بصمت.

 

"5% من أطفال عراق مشوهون"

 

إلى ذلك تقول طبيبة اخصائية في مجال التوليد، تعمل في إحدى المستشفيات الحكومية في العاصمة بغداد، إن "ظاهرة التشوهات لدى الأطفال حديثي الولادة زادت في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية"، مبينة، أن "التقديرات تشير إلى أن 5% من أطفال العراق يولدون بتشوّهات خلقية، واغلبهم يتوفون بعد ساعات من ولادتهم". 

 

وتضيف الطبيبة التي رفضت الكشف عن أسمها، كونها غير مخولة بالتصريح الإعلامي، أن "هناك العديد من حالات التشوهات التي تصيب الأطفال حديثي الولادة أبرزها اختلاف أحجام الرأس وبقية أجزاء الجسم، وتضخم الأطراف وانكماشها، فضلاً عن وجود نقص في الأعضاء الداخلية". 

 

ووفقاً لحديث الطبيبة لمنصة "الجبال"، فإن الإحصائيات تؤكد أن أغلب المدن والمحافظات في العراق سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الولادة المشوهة، مؤكدة أن "أبرز الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة تكمن في الحروب والتلوث البيئي في البلاد". 

 

وبحسب دراسة دولية أجريت سابقاً فإن كميات اليورانيوم التي استخدمت في حرب العراق 2003 بلغت نحو 350 طناً، فضلاَ عن القنابل التي تحتوي على إشعاع نووي.

 

ويقول مركز الحماية من الإشعاع، إن هناك 300 موقع ملوّث في العراق، وأن الملف يحتاج إلى مليارات الدولارات وعشرات السنين لتطهيرها، فضلاً عن وجود 63 موقعاً عسكرياً ملوّثاً نتيجة العمليات العسكرية.

 

الأنبار هي الأكثر تشوهاً

 

ويقول مصدر رفيع في وزارة الصحة، لمنصة "الجبال"، إن "العراق سجل آخر إحصائية العام الماضي، ولم تصدر أي إحصائية رسمية خلال العام الحالي فيما يخص اعداد التشوهات الخلقية في عموم المحافظات". 

 

ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "العام الماضي  سجل العراق 3 آلاف حالة ولادة تعاني من التشوهات الخلقية بما فيها إقليم كردستان"، مشيراً إلى أن "الانبار تتصدر الإحصائية بواقع 650 حالة، فيما جاءت العاصمة بغداد في المرتبة الثانية بواقع أكثر من 400 حالة". 

 

وبحسب المصادر، فإن المركز الثالث كان من نصيب محافظة نينوى بواقع 300 حالة، بينما جاءت محافظة ميسان في المركز الأخير بواقع 60 حالة فقط.

 

ويشير المصدر إلى أن "الأسباب لغاية الآن لم توثق لدى وزارة الصحة حول انتشار الظاهرة خلال السنوات الأخيرة"، مؤكداً في ذات الوقت أن "الخطط الحالية للوزارة لا تتضمن إيجاد معالجات لهذا الملف". 

 

ووفقاً لتقرير سابق صدر عن الشركة المتخصصة في البيئية "إنفيرومينتال بوليوشن"، فإن التلوث البيئي في العراق له آثار صحية أخرى غير السرطان تمثلت في إصابة الأطفال بالعيوب الخلقية، حيث أنها أجرت دراسة في (كانون الثاني 2020)، على شعر وأسنان الأطفال الذين يعيشون بالقرب من قاعدة طليل الجوية (قاعدة الامام علي الجوية في الناصرية)، وجدوا مستويات مرتفعة من اليورانيوم والثوريوم، وكليهما من المعادن الثقيلة المشعة المرتبطة بالتعرض السام لليورانيوم المنضب.

 

وأشارت الدراسة إلى أن "الأطفال الذين ولدوا بإعاقات خلقية، مثل الأطراف المشوهة وعيوب القلب، كانت مستويات الثوريوم لديهم أعلى بما يصل إلى 28 مرة من الأطفال الذين يعيشون بعيدا، مما يشير إلى التعرض لملوثات اليورانيوم المنضب".

 

سلسلة التشوهات بالعراق 

 

وفي تصريح سابق، لوزير البيئة السابق، نزار آميدي، توقع زيادة نسبة التلوث في المحافظات مع قدوم فصل الصيف وقلة الإمدادات حيث أن نسب الملوحة والتلوّث ستزداد خصوصاً في محافظات البصرة والمثنى وذي قار وأخرى في المحافظات الجنوبية.

 

وتقول إقبال لطيف، الخبيرة في مجال البيئة لمنصة "الجبال"، إن "العراق يشهد ارتفاعاً غير مسبوق بالتشوهات الخلقية لدى الأطفال حديثي الولادة، حيث أن أبرز التشوهات تتمحور حول تحمض الانابيب الكلى الكلوي، تشوهات العمود الفقري وضمور الدماغ، فضلاً عن سرطان العيون". 

 

وتشير لطيف، إلى أن "الأسباب الرئيسة وراء هذه التشوهات يعود للتلوث جراء الحروب والتلوث جراء الهواء"، مبينة أن "ضمور الدماغ هو المرض الأكثر شيوعاً وأن سببه يعود لتعرض المرأة الحامل للرصاص وعناصر الكادميوم الثقيلة". 

 

ويعتبر "الكادميوم" من العناصر الثقيلة واسعة الانتشار وعالية السمية في النظم البيئية ويأتي بالمرتبة الثالثة من حيث الخطورة بعد الزئبق والرصاص.

 

وبحسب لطيف، فإن هناك دراسة أسترالية أجريت في العراق وجدت أن انتشار مرض الصرع يعود لتلوث الهواء بثاني أوكسيد الكاربون وثاني أوكسيد الكبريت، فضلاً عن أول أوكسيد النيتروجين، مضيفة أن "المعطيات تشير إلى أن نسب التشوهات قد تزداد في العراق نتيجة تلوث الهواء واستمرار استخدام الأسلحة في الحروب داخل البلاد". 

 

وتؤكد لطيف، أن "أسباب انتشار التشوهات في جميع المحافظات العراقية جاء نتيجة لتعرض العراق بشكل كامل إلى عمليات قصف بداءً من الحرب ضد إيران واخيرا بحروب تحرير البلاد من سيطرة التنظيمات الإرهابية". 

 

ويشهد العراق، بحسب تقارير دولية عديدة، زيادة في أعداد مرضى السرطان، حيث يتلقى أكثر من 30 ألف مريض بالسرطان العلاج حاليا، وكثير منهم يقيمون في مناطق معرضة لتلوث اليورانيوم المنضب.

الجبال

نُشرت في الخميس 28 نوفمبر 2024 07:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.