في ظل التوترات والتغيرات المعقدة في منطقة الشرق الأوسط، يبرز "ملف الطاقة" إلى الساحة بعد تزايد الحديث حول امكانية اشتعال فتيل الصراعات بين الدول؛ فالموارد الطبيعية وخاصة احتياطيات الغاز والنفط أصبحت محوراً رئيساً للتوترات بين بعض دول المنطقة و"إسرائيل".
وقبل أيام، فجر المسؤول بكتائب حزب الله في العراق أبو علي العسكري، قنبلة بعد تغريدة تسببت بجدل كبير قال فيها: "إذا بدأت حرب الطاقة سيخسر العالم 12 مليون برميل نفط يومياً"، في إشارة إلى امكانية استهداف المنشآت النفطية المهمة في المنطقة.
وجاءت تصريحات أبو علي العسكري، بعد تسريبات تحدثت عن نية إسرائيل تنفيذ ضربات جوية تستهدف المنشآت النفطية المهمة في إيران على خلفية الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير الذي استهدف مواقع عديدة في الداخل الإسرائيلي.
وسبق أن أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، قبل أيام قليلة، بأن "أسعار النفط سترتفع إلى أعلى مستوى خلال شهر بعد تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن الرد الإسرائيلي على إيران"، وهذا ما أكدته أسعار الذهب الأسود عالمياً خلال الساعات الماضية.
وكالة "بلومبرغ"، من جانبها نقلت تقديرات عن شركة "كليرفيو إينرجي بارتنرز" المتخصصة بالطاقة، القول إن "أسعار النفط قد ترتفع بواقع 7 دولارات للبرميل، إذا فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية على إيران، أو 13 دولاراً إذا ضربت إسرائيل البنية التحتية للطاقة الإيرانية".
"كوارث اقتصادية في الانتظار"
يقول بلال خليفة، وهو باحث في مجال النفط والطاقة، لمنصة "الجبال"، إن "الحروب التي اندلعت في المنطقة أسفرت عن استهداف السفن ومنها نواقل النفط المرتبطة بإسرائيل أو الدول المساندة لها كأميركا وبريطانيا، وهذا الأمر جعل تلك الناقلات تستخدم طريق الرجاء الصالح بدل من البحر الأحمر وقناة السويس مما أدى إلى ارتفاع أجرة النقل".
مع العلم أن معظم صادرات العراق النفطية هي إلى الشرق منها الهند بحدود المليون برميل يومياً، والصين بحدود 800 الف برميل يومياً وكذلك كوريا الجنوبية، وأما ما يتم تصديره إلى أميركا والغرب الذي يمر بقناة السويس فهو بمقدار 400 الف برميل لو أقل وبالتالي عدم تأثره من ذلك الموضوع، وفقاً لحديث خليفة.
ووفقاً لرؤية الخبير، فإن هناك سيناريوهات متوقعة لمستقبل المنطقة النفطي على النحو الآتي:
-
السيناريو الأول: قصف المنشآت النفطية الإيرانية
يرى خليفة، أن "الجميع يعرف أن منطقة الخليج وهي أهم مصدر في العالم لإنتاج النفط والغاز، وبالتالي ستكون متوترة وقد تتوقف فيها حركة ناقلات النفط نتيجة الصراع وحرمان العالم من 12 مليون برميل نفط يومياً وهذا يعني أن العالم سيشهد ارتفاع جنوني في أسعار النفط وترتفع من 150 – 300 دولاراً للبرميل الواحد".
-
السيناريو الثاني: قصف إيران لكن دون المنشآت النفطية
يرجح الخبير، هذا السيناريو كون أن دول الغرب هي المستهلك الأول للنفط، وأنها المتضرر الأكبر في حال ارتفاع أسعار النفط، وفي هذه الحالة فان أسعار النفط ستشهد ارتفاعاً أيضاً، لكن ليست كالمرة السابقة على اعتبار أن هذا الارتفاع قد يكون بحوالي 5 - 10 دولارات للبرميل وجاء جراء تطورات الحروب في المنطقة لا أكثر.
ويشير خليفة، إلى أن "إيران تمتلك احتياطي من النفط الخام 157 مليار برميل وتنتج 3084 مليون برميل يومياً من النفط الخام، وكما تمتلك احتياطي من الغاز الطبيعي يصل إلى 32.1 تريليون متر مكعب قياسي".
ويختم الخبير حديثه قائلاً إن "أسعار النفط سترتفع في كل الأحوال متأثرة بالتوترات السياسية والحرب الدائرة في المنطقة"، مبيناً أن "الارتفاع سيصب في مصلحة الدول المنتجة وستتضرر الدول المستهلكة ومنها أوروبا خصوصاً وأنها إلى الآن لا تزال تعاني من ارتفاع الأسعار نتيجة حرب أوكرانيا".
ومع تزايد الحديث حول اندلاع "حرب الطاقة"، كتب عضو مجلس النواب سجاد سالم، على منصة "إكس"، متسائلاً: "الفصيل المسلّح الذي يهدد بحرب الطاقة هل يستطيع تأمين رواتب شهرين فقط إذا توقّف تصدير النفط العراقي؟".
ويعتمد الاقتصاد في العراق ما بعد العام 2003 بشكل كامل على القطاع النفطي حيث يكون 95% من إجمالي دخل البلاد من الدولار، مما يجعله "متأرجحاً" كونه يتأثر في أسعار النفط العالمي.
لماذا المنشآت النفطية الإيرانية؟
يقول رمضان البدران، وهو باحث في الشأن السياسي في واشنطن، إن "اسرائيل تفكر في استهداف المنشآت النفطية الإيرانية كون طهران هي تعاني على مدار السنوات الماضية من قضية العقوبات الأميركية عليها وهي تعتمد بشكل كبير على النفط ما يجعل استهداف المنشآت ضربة موجعة لها".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف البدران، أن "تهديد إيران أو استهدافها سيعمل على زيادة التوتر الأمني في المنطقة والذي سينعكس على تصدير الدول للنفط وبالتالي سترتفع الأسعار العالمية"، موضحاً أن "أغلب تصدير إيران النفطي يذهب إلى الصين وبالتالي هي ستكون أول المتضررين".
واستوردت الصين ما بين 1.2 و1.4 مليون برميل يومياً من إيران خلال النصف الأول من عام 2024، بحسب البيانات الاقتصادية المتداولة عالمياً.
نقطة ضعف إيران حالياً هي الاقتصاد، خصوصاً وأن اقتصادها تحسن بنسبة قليلة بعد اتفاقها مع الصين على تصدير النفط لها، وفقاً لحديث البدران الذي أشار إلى أن "إسرائيل ترى أن ضرب الاقتصاد الإيراني سيعمل على خفض دعم طهران للفصائل المسلحة في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن".
وفي ظل هذه التطورات، يقول علي فدوي نائب قائد الحرس الثوري إن "إيران ستستهدف منشآت الطاقة والغاز الإسرائيلية إذا شنت إسرائيل هجوماً على الجمهورية الإسلامية".
وتمتلك إيران أحد أكبر قطاعات التكرير في الشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية وصلت إلى حوالي 2.4 مليون برميل يوميا في عام 2023، موزعة على 10 مواقع رئيسية، كما لديها أكبر 3 مصافي هي مصفاة أصفهان التي تنتج 370 ألف برميل يوميا، ومصفاة عبادان التي تنتج 360 ألف برميل يومياً، ومصفاة بندر عباس التي تنتج 320 ألف برميل يومياً، فضلاً عن مصفاة النفط الخام التي تبلغ طاقتها 320 ألف برميل يومياً في بندر عباس، وفقاً لوكالة "ستاندرد آند بورز".
"أزمة اقتصادية عالمية تقترب"
توعدُ الفصائل العراقية بحرب الطاقة في الخليج العربي والمنطقة، لم يقتصر على كتائب حزب الله في العراق فقط، وإنما دخل فصيل آخر هذه التوترات، حيث قال المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي، إن "الدستور العراقي لا يمنع (الفصائل) من الرد على إسرائيل"، مستطرداً بالقول: "بإمكاننا استهداف القواعد في الخليج العربي، وسيكون ملف الطاقة هو الفيصل".
من جانبه يقول المحلل السياسي الناصر دريد، لمنصة "الجبال"، إن "العالم الآن يختلف تماماً عما كان في العام 1973، عدما ضرب العالم أزمة طاقة وغيرت في وقتها جميع المفاهيم وحدوث الصدمة الكبرى"، مضيفاً أن "دول العالم لديها الآن بدائل عديدة، إلا أن أي أزمة أمنية تضرب الشرق الأوسط ستشهد أسعار النفط العالمي ارتفاعاً لكن ليس بالمستوى الذي يتحدثون عنه".
وبحسب كلام، دريد، فإن أسعار النفط هي الآن في أزمة مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانياً، فبالتالي أسعار النفط لا تتحمل حروباً أخرى، وبالتالي فإن النفط وأسعاره سيلقي بكل تأكيد ظلالها على الأوضاع السياسية العالمية خصوصاً فيما يتعلق بالانتخابات الأميركية المقبلة.
وتنفذ فصائل المقاومة في العراق على مدار الأيام الماضية، العديد من العمليات التي استهدفت مناطق الجولان داخل الأراضي المحتلة، عبر الطائرات "المفخخة" المسيرة والصواريخ.
مشاريع المنطقة وحرب الطاقة
أما مدير مركز العراق للطاقة، فرات الموسوي فيقول لمنصة "الجبال"، إن "الكيان الإسرائيلي يسعى ومنذ الحرب على غزة ليكون مركز للطاقة بين الشرق والغرب، لهذا قام بالاستيلاء على حقول للنفط والغاز في غزة ولبنان، في حين يسعى الآن إلى استهداف المنشآت والبنى التحتية في إيران محاولاً تعطيل الممر المائي في مضيق هرمز شريان النفط العالمي والذي يمر من خلاله ثلث إنتاج النفط العالمي من خلاله".
ويضيف الموسوي، أن "المخاوف بشأن استخدام مضيق هرمز كورقة في الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران تفرض نفسها على الأسواق"، مبيناً أن "تصاعد الصراع بشكل أكبر ليؤثر على الإمدادات عبر المضيق هو بمثابة السيناريو الأكثر خطورة، لا سيما وأن المضيق يتعامل مع نحو30% من تجارة النفط العالمية".
رغم ذلك ما زالت منظمة أوبك+ تملك فائضاً نفطياً ضمن التخفيضات الطوعية والتي من المقرر فك القيود عليها في شهر كانون الأول المقبل والتي تقدر بـ 2.2 مليون برميل، وفق الموسوي.
وختم مدير المركز حديثه قائلاً إن "مشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي هو نظام إقليمي بقيادة إسرائيل وتابع لواشنطن، لذلك تحاول إسرائيل أن تكون مركزاً رئيساً للطاقة بين الشرق والغرب، ولهذا هدف الحرب والصراع الجيوسياسي القائم هو حرب وصراع طاقة".