الحقيقة والوهم.. بين مسؤولية الإعلام وواجب حماية الوطن

الحقيقة والوهم.. بين مسؤولية الإعلام وواجب حماية الوطن جانب من الاحتفال في بغداد بفوز ائتلاف الإعمار والتنمية في الانتخابات - AFP

في عالمٍ يموج بالأحداث والتحولات السريعة، تبقى "الحقيقة" الركيزة الأهم التي ينبغي أن تتكئ عليها الشعوب، فيما يشكّل الوهم بوابة لفوضى لا تنتهي. ومن هنا تأتي أهمية التمسّك بالحقائق، وتعزيز الانتماء الوطني الخالص، والابتعاد عن كل الولاءات الخارجية التي تُقدَّم على حساب الوطن.

 

خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2025، تلقّى الشعب العراقي سيلًا كبيرًا من التصريحات الإعلامية غير الدقيقة التي تناولت ملفات أمنية وسياسية حسّاسة. وقد روّج بعض المحللين والضيوف الإعلاميين—عبر قنوات متعددة—لروايات شائكة حملت عناوين مثيرة مثل: فوضى أمنية، وادي حوران، انقلابات واجتماعات سرية، اعتداءات مرتقبة، قصف للفصائل، عدم إجراء الانتخابات، تهديدات لزيارة الأربعين، أحداث 25 تشرين، وعقوبات أميركية قادمة على العراق… وغيرها من التوقعات التي غذّت مخاوف الناس وأشعلت بيئة خصبة للشائعات.

 

لقد عاش المواطنون، أشهراً طويلة، حالة ملحوظة من القلق والارتباك نتيجة حجم المعلومات المتدفقة من بعض المنصّات الإعلامية، سواء عبر مقدمين يلهثون خلف «العاجل» و«الخاص» و«الحصري»، أو عبر ضيوف تُمنح لهم صفات وخبرات تمنح كلامهم مصداقية ظاهرية، أو من خلال جهات سياسية لها أهداف ومصالح واضحة.

 

لكن الواقع أثبت أن معظم تلك التوقعات كانت مجرد أوهام؛ فها هي الانتخابات قد أُجريت بنجاح، وسط أمن انتخابي نوعي ومشاركة واسعة، لتسقط كل السيناريوهات التي رُوّج لها حول الانهيار والفوضى.

 

إن هذه التجربة تطرح ضرورة أن يتخذ القضاء العراقي إجراءات واضحة بحق كل من عبث بالرأي العام وروّج للأكاذيب المتعمدة، حمايةً للدولة والمجتمع من هذا النوع من “الفيروسات الإعلامية” التي تستهدف تسميم وعي المواطن وتقويض ثقته بالنظام السياسي ومؤسسات الدولة.

 

كما ينبغي أن تكون هذه التجربة درسًا مهمًا لكل وسيلة إعلام، لتعيد النظر في معايير اختيار ضيوفها، ولتحاسب مقدمي البرامج الذين انجرف بعضهم خلف الإثارة على حساب المهنية والصدق.

 

فالوطن والأمة لا يُساوَم عليهما، وحماية الدولة مسؤولية مشتركة لا تقبل التهاون. والدستور، رغم مساحاته الواسعة لحرية الرأي والنقد البنّاء، لا يحمي اختلاق الأكاذيب أو الترويج لها. لذلك يجب أن يكون هناك رادع قانوني وإعلامي وأخلاقي يمنع تكرار هذه الظواهر التي أثبتت خطورتها على المجتمع وثقته بمؤسساته.


سعيد الجياشي

نُشرت في الاثنين 17 نوفمبر 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.