الانتخابات النيابية.. انتهت معركة العراقيين وبدأت معركة اللاعب الخارجي

الانتخابات النيابية.. انتهت معركة العراقيين وبدأت معركة اللاعب الخارجي اجتماع للإطار التنسيقي (أرشيف)

الانطباعُ الأوّل حول نتائج الانتخابات العراقيّة التي جرت في غضون الأسبوع الماضي، أنّها نجحت في إعادة إنتاج القوى الأساسيّة في النظام السياسيّ العراقيّ، وأنّ هامش التغيير بدا محدوداً.

 

كما هيمنت الانشغالاتُ التقليديّة لهذه القوى بـ"الآخر" في تحشيد جماهير الناخبين، فهناك دائماً آخرٌ مغايرٌ طائفياً أو عرقياً، وكذلك هناك عينٌ على الآخر الإقليميّ أو الدوليّ، في ترقّبٍ لنتائج مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة.

 

مشهدُ الناخبين لم يكن مفاجئاً إلا في حدود ضيّقة؛ فالرقمُ الذي أعلنته مفوّضيّةُ الانتخابات يبدو كبيراً مقارنةً بانتخابات عام 2021. وجزءٌ من ارتفاع نسبة التصويت يأتي، من دون شكّ، بانضمام جزء من المقاطعين التقليديّين إلى قائمة رئيس الوزراء "الإعمار والتنمية"، وجزءٌ آخر يتعلّقُ باستثمار أعلى سقفٍ ممكن لأعداد الجمهور الحزبيّ المعتاد، والجمهور الزبائنيّ للكيانات السياسيّة التقليديّة.

 

إضافةً إلى استثمار مؤسّسات الدولة في تحشيد الموظّفين ومحاصرتهم بأكثر من طريقة، لإجبارهم على التصويت للقوائم التي يتبعها الوزير، وكذلك ضخٍّ مهولٍ للمال السياسيّ في شراء الأصوات.

في كلّ الأحوال، فإنّ النتيجة تُبيّن – ظاهرياً على الأقلّ – شكلاً من أشكال إعادة الثقة بالنظام السياسيّ، وتحسّن صورته أمام المجتمع الدوليّ، وتعبّر عن إرادة الجمهور العراقيّ وتفضيلاته السياسيّة.

 

في المقابل، فإنّ مقاطعة التيّار الصدريّ لم يكن لها تأثيرٌ كبير، وكذلك جزءٌ من الجمهور المدنيّ والتشرينيّ الذي فضّل غالبيّتُه المقاطعة، بينما كانت نسبةُ المتحمّسين للتصويت من بينهم قليلة، ولم تستطع رفع الأسماء التشرينيّة أو المدنيّة في قوائم "التحالف المدنيّ" أو "تيار البديل" إلى عتبة الفوز.

 

هذه النتيجةُ تبدو صادمةً ومؤلمةً، وكأنّ المشهد السياسيّ – بغياب المدنيّين والعلمانيّين – يعودُ إلى ما قبل احتجاجات تشرين الأوّل 2019. وانشغل جمهورُ المدنيّين، بسبب ذلك، على مواقع التواصل الاجتماعيّ بتبادل الاتهامات واللوم والانتقادات القاسية؛ فالمقاطعون لاموا من أعاد ترشيح نفسه للانتخابات، واستخدموا النتيجة الصادمة دليلاً على صوابيّة موقفهم المقاطع.

 

أمّا المدنيّون والعلمانيّون المتحمّسون للمشاركة الانتخابيّة فلاموا المقاطعين على موقفهم السلبيّ و"غير الواقعيّ" بترك المشهد للإسلاميّين، مذكّرين إيّاهم بالأحداث السيّئة التي حصلت في البرلمان المنتهي ولايته، وكيف أنّ انفراد الإسلاميّين، بتلويناتهم المختلفة، جعلهم يقرّون قوانين رجعيّةً ضدّ مصالح الشعب العراقيّ.

 

في كلّ الأحوال، ربّما تكون هذه الصدمةُ مفيدةً لإعادة النظر بالمسار السياسيّ لهذه التيّارات المدنيّة والعلمانيّة، ومحاولة توحيد الصفوف في العمل السياسيّ، خارج البرلمان، أو استعداداً للدورات الانتخابيّة القادمة، كما أنّ خسارة هذا التيّار لم تكن على عاتق المدنيّين وحدهم، وإنّما أيضاً بسبب قوّة الماكنة الانتخابيّة لمنافسيهم الإسلاميّين، والأموال الهائلة التي أُنفقت لجذب جمهور الناخبين.

 

صعدت كثيرٌ من الأسماء في الكيانات السياسيّة الإسلاميّة الشيعيّة في الدورة السابقة، تعويضاً لمقاعد الصدريّين المنسحبين، وهذا جعلهم، جزئياً، مدينين بفوزهم لا إلى ثقة جمهورهم، بل إلى "منحة" السيّد مقتدى الصدر. وهذا ما تغيّر اليوم، خصوصاً مع نجاح بعض القوى السياسيّة ذات الأجنحة المسلّحة في زيادة مقاعدها.


ومع تماسك المشهدين الكورديّ والسنّيّ انتخابيّاً، فإنّ القوى الشيعيّة الفائزة ستنتظم، على ما يبدو، في "إطارٍ تنسيقيٍّ" جديد، مقابل كتلة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

 

ولا توجد مؤشّراتٌ على أنّ السيّد السوداني سيكرّر محاولة الصدر بالتحالف الثلاثيّ (مع البارزاني والحلبوسي) عقب انتخابات 2021 لإحراج القوى الشيعيّة؛ وإنّما سيحاولُ الامتثال للعرف غير المكتوب الذي تشكّل منذ سنوات، بأن يتمّ تنظيمُ البيت الشيعيّ وتوحيدُ قراره ليأتوا باسم رئيس الوزراء إلى السنّة والكورد.

 

داخل هذا البيت المفترض بدأت، حتى قبل يوم الاقتراع، محاولاتُ "تكسير عظامٍ" متبادلةٌ بين السوداني وخصومه الشيعة، وهناك كلامٌ يتردّد عن نيّة كلّ طرفٍ سحب نوّابٍ أو كياناتٍ داخليّةٍ من الآخر لإضعافه.


كما أنّ هناك من المراقبين من يرى أنّ دور الشعب العراقيّ قد انتهى بإغلاق صناديق الاقتراع، وأنّ رأي الشعب ليس حاسماً، إذ انتقلت المواجهةُ إلى اللاعبين الإقليميّين والدوليّين: فهل تنجح إيران في فرض رئيس وزراءٍ يناسبُ حاجاتها الإقليميّة؟، أم تنجح إدارةُ واشنطن في فرض توجّهها المتشدّد بسحب العراق أكثر بعيداً عن النفوذ الإيرانيّ؟

 

تلك هي المعركةُ الأكثرُ سخونةً من معركة الانتخابات، والتي سيكتفي معها الشعبُ العراقيّ بدور المتفرّج.

 


أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 14 نوفمبر 2025 10:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.