أعقب إعلان الحكومة العراقية عن توقيع وثيقة رسمية مع نظيرتها التركية بشأن إدارة المياه المشتركة بين البلدين، ردود فعل واسعة، وفي حين يرى كثيرون في الاتفاق خطوة إيجابية، يرى آخرون أن هذا الاتفاق الأخير بين بغداد وأنقرة "غير كاف" لحلّ مشكلة شح المياه في العراق.
ضمانات فعلية
وأكدت لجنة المياه والزراعة البرلمانية، اليوم الاثنين 3 تشرين الثاني 2025، أن اتفاق بغداد وأنقرة بخصوص المياه خطوة "إيجابية"، تحتاج إلى ضمانات تنفيذ فعلية.
عضو اللجنة ثائر الجبوري، قال في تصريح لمنصة "الجبال"، إن "الاتفاق الذي وقع يوم أمس بين حكومتي بغداد وأنقرة بشأن ملف المياه، يمثل خطوة مهمة نحو معالجة أزمة الشح المائي التي تعاني منها المحافظات العراقية منذ سنوات، لكن من الضروري أن تكون هناك آليات تنفيذية واضحة وضمانات حقيقية لتطبيق ما تم الاتفاق عليه على أرض الواقع".
وبين الجبوري أن "الوثيقة الموقعة بين الجانبين العراقي والتركي تحمل بنوداً إيجابية من حيث مبادئ التعاون المشترك في إدارة الموارد المائية وتبادل البيانات الهيدرولوجية وتنظيم إطلاقات نهري دجلة والفرات بما ينسجم مع احتياجات العراق الزراعية والبيئية"، مضيفاً أن "العراق عانى طيلة العقود الماضية من تقليص الحصص المائية من المنبع دون تنسيق، ما أدّى إلى تدهور الإنتاج الزراعي وزيادة التصحر وتراجع مناسيب المياه في الأنهار والأهوار. لذا فإن أي اتفاق جديد يجب أن يكون قائماً على التزام قانوني واضح من الجانب التركي وفق القوانين الدولية التي تضمن العدالة في تقاسم المياه بين الدول المتشاطئة".
الجبوري أكد أن "لجنة المياه البرلمانية ستتابع تفاصيل هذا الاتفاق بدقة، وستطالب الحكومة باطلاع مجلس النواب على بنوده التنفيذية وخطط المتابعة الفنية لضمان عدم تحول الاتفاق إلى مجرد إعلان إعلامي دون أثر ميداني"، منوهاً بأن "على الحكومة العراقية تعزيز قدراتها الداخلية في إدارة المياه من خلال تحديث شبكات الري، وتقليل الهدر، وتفعيل مشاريع الحصاد المائي، واستثمار أي اتفاق إقليمي لتطوير البنى التحتية المائية بما ينعكس على استدامة الأمن المائي والغذائي للبلاد".
"غير كاف"
من جانبه، رأى الخبير في شؤون المياه والموارد المائية، عادل المختار، أن اتفاق بغداد وأنقرة خطوة سياسية "إيجابية" لكنها لا تكفي لحل أزمة المياه، مبيناً الأسباب.
قال المختار، لـ"الجبال"، إن "الاتفاق بين العراق وتركيا بشأن إدارة وتوزيع المياه المشتركة يمثل خطوة سياسية مهمة تعكس تحسناً في مستوى التفاهم بين البلدين، لكن فعالية هذا الاتفاق ستتوقف على مدى الالتزام التركي بالتنفيذ العملي، وقدرة العراق على إدارة موارده الداخلية بكفاءة".
وأضاف أن "الاتفاق من حيث المبدأ إيجابي، لأنه يفتح باب الحوار الفني والتقني بعد سنوات من التوتر والجمود في ملف المياه، إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن التفاهمات الثنائية غالباً ما تصطدم بغياب الجداول الزمنية الملزمة والرقابة المشتركة"، مشيراً أن "تركيا تعتمد في سياستها المائية على مشاريع السدود الكبرى ضمن ما يعرف بمشروع (GAP)، وهو ما جعل كميات المياه الواردة إلى العراق تتراجع بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، والاتفاق الحالي سيكون ذا جدوى فقط إذا تم تضمينه بآلية واضحة لتوزيع الحصص المائية، وتحديد مستويات الإطلاق الشهرية وفق مؤشرات الخزن المائي، مع إشراف مشترك من فرق فنية من البلدين".
وشدّد المختار على أن "العراق بحاجة إلى رؤية داخلية متكاملة لإدارة ملف المياه، لا تقتصر على الاعتماد على الاتفاقات الخارجية، بل تشمل تحديث أنظمة الري التقليدية، ومعالجة الهدر في شبكات التوزيع، واستثمار مياه الأمطار والسيول في مشاريع الحصاد المائي، فالبيئة المائية العراقية تواجه تحديات معقدة تشمل التغير المناخي، وتراجع نوعية المياه بسبب الملوحة والتلوث، مما يجعل أي اتفاق خارجي جزء فقط من الحل وليس الحل الكامل".
الخبير في شؤون المياه والموارد المائية ختم حديثه قائلاً إن "نجاح اتفاق بغداد وأنقرة لن يقاس بالتصريحات السياسية، بل بكمية المياه التي تصل فعلاً إلى الأراضي الزراعية العراقية خلال المواسم المقبلة، وبمدى استمرار التعاون الفني بين الطرفين تحت إشراف دولي يضمن الشفافية والمساءلة".
آلية عمل
سبق وأن تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، آخرها اتفاقية التفاهم في مجال المياه عام 2014 الموقعة بين وزارة الموارد المائية ووزارة الغابات وشؤون المياه التركية والتي دخلت حيز التنفيذ رسمياً في عام 2021، إلا إنها واجهت العديد من التحديات حالت دون تنفيذ معظم بنودها".
وفي وقت سابق من اليوم كشفت وكالة الانباء الرسمية عن تفاصيل الاتفاق الجديد بين بغداد وأنقرة، وبحسب الاتفاقية "تم تدارس تلك التحديات ومراجعتها مع الجهات المعنية من الجانب التركي، وتم التوصل الى توقيع الاتفاق الإطاري للتعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا عند زيارة رجب طيب أردوغان للعراق بتاريخ 2024/4/22 والذي شكل انعطافه في مسار العلاقات بين البلدين في مختلف القطاعات أهمها ملف المياه، والذي ارتكز على التشارك والتكامل في مواجهة الشح المائية في المنطقة والتعاون الجاد في مجال تحسين إدارة المياه في العراق وتحسين نوعيتها واستصلاح الأراضي نتيجة التأثر بالتغيرات المناخية".
و"استمرت المناقشات بين الجانبين لأكثر من سنة للتواصل إلى آلية مناسبة تساعد على تنفيذ الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة بشأن قطاع المياه، وتم بتاريخ 2025/11/2 توقيع الآلية الخاصة بتنفيذ إطار التعاون في مجال المياه، ااشتملت على منهجية عمل لتنفيذ مشاريع استراتيجية مهمة في قطاع المياه ترتكز على المشاريع التي ترشحها الجهات الحكومية (وزارة الموارد المائية، وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، المحافظات، أي جهة حكومية أخرى) على
النحو الآتي:
1-مشاريع تحسين نوعية المياه وإيقاف تلويث مياه الأنهار.
2-مشاريع تطوير أساليب الري واستخدام تقنيات الري الحديثة.
3-مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية.
4-مشروع حوكمة إدارة المياه في العراق وترشيد استخدامها.
وتقوم الآلية على مبادئ أساسية هي:
أولاً: يقوم فريق استشاري من البلدين بتحديد مشاريع المياه المطلوبة وأولويتها، وذلك بناء على طلبات الجهات المعنية في العراق.
ثانياً: تعلن الجهات العراقية المعنية عن المشاريع المطلوب تنفيذها للتنافس بين الشركات التركية ليتم اختيار الشركة المختصة والمؤهلة لتنفيذ أي مشروع.
ثالثاً: يتم تمويل هذه المشروعات وفقاً لسياقات وزارة المالية العراقية ومن حساب ينشأ من بيع كميات النفط الخام التي تحدد بقرار من مجلس الوزراء، ووفقاً لسعر النشرة العالمية للنفط العراقي المباع للشركة التركية التي يجب أن تكون مقبولة لدى شركة تسويق النفط العراقي.
رابعاً: ستكون آليات بيع النفط للشركات التركية وفقاً للسياقات المعمول بها لدى شركة تسوق النفط العراقية.
خامساً: تكون هذه الآلية سارية المفعول بسريان الاتفاق بشأن المياه.
جفاف نهر دجلة