مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، يتصاعد الجدل إزاء قرارات الاستبعاد من قبل المفوضية العليا للانتخابات، والتي طالت مئات المرشحين منذ نهاية آب الماضي، ولا تزال مستمرة، على الرغم من أنه لم يتبق على موعد الانتخابات سوى أسابيع.
وفي موجة الاستبعادات، برزت قصة رئيس حزب الوطن والنائب السابق السياسي المثير للجدل، مشعان الجبوري التي تبدو غريبة بحسب عديدين، حيث انتهى طموح عائلة كانت ترغب بتمثيل ثلاثة نواب بين يوم وليلة، إلى استبعاد الابن والبنت والأب في قرارات متلاحقة.
وفي انتخابات 2021، ظهر السياسي مشعان الجبوري في لقاءٍ متلفز وقال إنه "ترشح للانتخابات البرلمانية مع نجلته هوازن التي ستكون على يمينه في البرلمان ونجله يزن الذي سيكون على يساره في البرلمان"، ولم يحالف الحظ يزن وهوازن في الصعود لقبة البرلمان، بينما فاز مشعان الجبوري بالعضوية، ولكن سرعان ما تم استبعاده بقرار قضائي، بسبب الاتهامات بـ"تزوير شهادة الإعدادية التي قدمها للمفوضية لغرض الترشح".
وخلال انتخابات 2025، قرر مشعان الجبوري التنحي عن الترشح لصالح نجله يزن، الذي شكل تحالفاً سياسياً لخوض المعترك الانتخابي في محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى، لكن سرعان ما جاء رفض الترشيح والاستبعاد ليزن الجبوري من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بسبب وجود قرار قضائي، ولعدم تمتع الأخير بشرط حسن السيرة والسلوك.
كما رفضت مفوضية الانتخابات ترشيح هوازن، ابنة مشعان الجبوري للانتخابات البرلمانية، بديلة عن المرشحة المستبعدة عنيدة سالم، ليتأجيل تحقيق حلم العائلة، من التمثيل.
ويزن مشعان كان قد سُجن في عام 2024، بسبب تسجيل صوتي منسوب له، يتحدث عن رشاوى وابتزاز، عندما كان مستشاراً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
ورغم تقديم يزن لاعتراض لدى الهيئة القضائية، لكن جاء الرد بتأكيد الاستبعاد، ولهذا قرر مشعان الجبوري تقديم نفسه بالترشيح بدلاً عن نجله، لكن سرعان ما جاء الرفض له أيضاً، ولهذا، لم يحظ أي شخص من هذه العائلة بالتمثيل البرلماني.
"أسباب تخادمية وإقصاء متعمد"
وفي أول رد على قرار استبعاده من الترشح، قال مشعان الجبوري في تدوينة له على موقع "إكس"، إنه "قدمنا أوراق ترشحنا استناداً إلى قرار المفوضية بقبول البدلاء عن المستبعدين، وأعلنا دخول السباق الانتخابي، لكنه تفاجئنا من قرار المفوضية بإلغاء قرارها بحجة وجود أسباب فنية، وهنا نسأل أين كان تقدير هذه الأسباب، ونؤكد أنها أسباب تخادمية، فرضها أصحاب السطوة ممن رأوا في إقصائنا مكسباً لمرشحيهم".
كما أكد في تدوينة أخرى له أنه "حتى وأن أقصونا وتنكروا لمواقفنا فإن ذلك لن يحولنا لأعداء، لأننا ندرك أن ما يفعلونه لا يعكس قناعتهم، بل هو تنفيذ لأمر الأرجنتين"، في إشارة ضمنية إلى إيران، وهو تعبير مجازي يطلق منذ سنوات.
وبدأ تداول هذه المصطلح بعد تصريح لرئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي بأن المخدرات تدخل للعراق عبر الأرجنتين، الأمر الذي اعتبره عدد من الناشطين والمدونين، بأنه "خشية من ذكر الدولة التي تدخل منها المخدرات وهي إيران، كونها جارة للعراق، والأرجنتين دولة بعيدة، وتفصلها عن العراق قارات ومحيطات وبحار".
في الأثناء يرى رئيس تحالف الصقور يزن مشعان الجبوري أن "قرار استبعاده كان سياسياً، ولا يستند إلى القانون، وتدخل فيه طرف خارجي، بمساعدة من أطراف شيعية، وربما ساعدتهم أطراف سياسية سنية، وجميعهم لا يريد صعود يزن، لعدة أسباب".
وذكر خلال حديثه لـ "الجبال" أنه "بالرغم من الظلم الذي وقع عليه وقرار الاستبعاد، ورفض الاستبدال، وإبقاء الرقم واحد فارغاً، فأني سابقى مؤمناً برئاستي لتحالف الصقور، وساستمر بهذا المشروع، رغم الحيف".
وشدد على أن "قصة الاستبعاد ورفض الاستبدال تؤكد بما لا يضع مجالاً للشك بأن هناك تدخلات سياسية في عمل المفوضية، ولكن مع ذلك قررنا الاستمرار بدعم العملية السياسية، والمشاركة في الانتخابات، ورئاسة التحالف، الذي يضم شخصيات محترمة، وإذا تم استبعادي، ورفض البديل، فإن التحالف ما زال مستمراً".
وحتى الآن، استبعدت مفوضية الانتخابات أكثر من 750 مرشحاً للسباق الانتخابي المقبل، منهم شخصيات سياسية معروفة في المشهد السياسي العراقي، وشكل استبعادها العديد من النقاشات والجدل السياسي، وكان أبرزهم النائب المستقل، سجاد سالم.
تعليق من مفوضية الانتخابات
وبهذا الصدد تشير نبراس أبو سودة مساعد المتحدث باسم المفوضية إلى أن الاستبعادات التي صدرت جميعها تمت وفق القانون.
ولفتت خلال حديثها لـ "الجبال" إلى أنه "بخصوص منح فرصىة الاستبدال، والتراجع عنها، هي من صلاحيات مجلس المفوضين، وبحسب ما يخدم المصلحة العامة في مجال الانتخابات".
وأضافت أن "المجلس قرر إيقاف الاستبدال منذ الرابع من أيلول الماضي، كون المستبدلين يحتاجون إلى فترة تحقق من الأهلية، وهذا يؤثر على سير الجدول الزمني لتنفذ الانتخابات وصولاً إلى يوم الاقتراع".
ونفت وجود "أي جنبة سياسية في قرار استبعاد أي مرشح من السباق الانتخابي، وأن المفوضية لم تخضع لأي إملاءات أو ضغوط سياسية في عملها إطلاقاً".
ومشعان الجبوري هو سياسي مثير للجدل، عارض نظام صدام حسين، وظهر في القنوات التلفزيونية، وعاد إلى العراق بعد 2003، وشغل منصب محافظ نينوى، ثم شكل كتل سياسية باسم المصالحة والتحرير، شاركت في الانتخابات عام 2006، وحصل على ثلاثة مقاعد، قبل أن يتم رفع الحصانة عنه من قبل البرلمان آنذاك.
تحول الجبوري بعدها إلى معارض للنظام، وعاد إلى الاستقرار في سوريا، ويؤسس قناة تلفزيونية تدعى الزوراء، ثم حولها إلى الرأي، وعاد إلى العراق سنة 2012، بعد أن أنهى وضعه القضائي، وتصالح مع خصومه، وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
ثم انضم الجبوري إلى الحشد الشعبي وشكل فصيلاً مسلحاً عام 2014، بعد سيطرة "داعش" على عدد من المحافظات، وتزعم نجله يزن رئاسة هذا الفصيل، بدعم من نائب رئيس هيئة الحشد السابق "أبو مهدي المهندس".
الفوضى والقرار الفني
ويعلق الخبير في شأن الانتخابات سعد الراوي على حادثة استبعاد يزن ووالده مشعان الجبوري بالقول إنها "تعبر عن حالة الفوضى، وعدم الإطلاع على قانون الانتخابات، من قبل جميع الكتل".
وبين خلال حديثه لـ "الجبال" إنه "بخصوص منع الاستبدال فإنه قرار فني بحت، وليس سياسياً، كون الرقم الأصلي فيه اسم ومعلومات، توثق لدى الشركة المتعاقدة معها المفوضية، وبالتالي يصعب نقل معلومات أخرى لشخص آخر".
وأشار إلى أن "الخلل كان يكمن في تأخير عملية الاستبعاد، وكان يجب إعطاء فرصة للتحالفات قبل فترة، لغرض استبدال مرشحيها، وأيضاً وجود معايير محددة للاستبعاد، حتى لا تضع المفوضية نفسها أمام خانة التشكيك".