كشفت صحيفة تركية عن مضامين اجتماع جمع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض مع وزير خارجية تركيا هاكان فيدان في أنقرة، مشيرة إلى واقع جديد في العراق، ورؤية جديدة تعتنقها الجارة تركيا تجاه الحشد.
وذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية، في تقرير نشرته اليوم السبت 20 أيلول 2025، أن اجتماعاً جمع فيدان والفياض في 30 آب الماضي في العاصمة التركية أنقرة، مشيرة إلى "مشاورات مكثفة" تجريها تركيا مع قادة الحشد الشعبي بشأن سنجار، حيث "عملت أنقرة مع الحكومة المركزية العراقية للسيطرة على نقاط حيوية محددة في سنجار، وسد الثغرات على طول الحدود، بل وقدمت دعماً مالياً لإجراءات أمن الحدود"، وأنه "خلال هذه العملية، تم الحفاظ على اتصال منتظم مع فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، الذي زار أنقرة للقاء فيدان".
نوّهت الصحيفة أن "أنقرة تعتقد أنه من غير المجدي الآن استبعاد الحشد الشعبي، بل من الأكثر عقلانية السعي لإيجاد حلول بإشراكه في الطاولة"، وأن تركيا تتبنّى سياسة "التعامل المُنضبط" مع الحشد الشعبي"، مبينة أن "الاجتماع الذي عُقد في أنقرة يوم 30 آب 2025 بين فيدان والفياض، انعكاس ملموس لهذا التوازن".
كيف تنظر تركيا إلى الحشد الشعبي وبماذا تحدّث فيدان والفياض؟
يرى مختصون أن "استخدام إيران للحشد الشعبي كأداة نفوذ يحمل في طياته مخاطر قد تؤدي إلى تأليب العراق على الدول العربية المجاورة وحتى على تركيا. وإذا استمرت الأعمال غير المنضبطة لبعض الفصائل المتشددة داخل الحشد، قد يتعرض التوازن الطائفي في العراق للزعزعة. علاوة على ذلك، قد يصبح العراق ساحة للصراع في حرب النفوذ بين إيران والغرب (خاصة الولايات المتحدة)"، وفق الصحيفة التركية، "وبما أن قوات التحالف الدولي وبعثة حلف الناتو لا تزال موجودة في العراق لأغراض التدريب، هناك حديث عن أن عناصر متشددة داخل الحشد الشعبي قد تستهدف هذه القوات في المستقبل".
و"لطالما أكدت تركيا على دعمها لوحدة العراق وسلامة أراضيه، وتبنت استراتيجية لإقامة اتصالات مع جميع الأطراف التي تلعب دوراً هاماً في التوازن الداخلي للعراق. وأصبح هذا النهج واضحاً بشكل خاص بعد تولي هاكان فيدان منصب وزير الخارجية التركي. فيدان، الذي يعرف جيداً الأطراف العراقية بصفته الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الوطنية (MIT)، زار بغداد فور توليه المنصب وأجرى اتصالات مكثفة".
وأشارت الصحيفة إلى عوامل رئيسة تشكل الموقف الأمني والدبلوماسي لأنقرة تجاه الحشد الشعبي، وهي "محاربة إرهاب حزب العمال الكوردستاني (PKK) وعدم الاستقرار في شمال العراق"، حيث سعت تركيا منذ فترة طويلة إلى تعميق التعاون الأمني مع الحكومة المركزية العراقية بسبب وجود تنظيم PKK في شمال العراق. وفي هذا السياق، "تُعد منطقة سنجار نقطة بالغة الأهمية على جدول الأعمال، حيث أقام فيها PKK نفوذاً بعد مجازر داعش عام 2014، وهي أيضاً موطن لفصائل الحشد الشعبي والسكان الأيزيديين".
وأشارت الصحيفة إلى تصريح وزير الخارجية التركي في مقابلة مع قناة "CNN Türk" في آذار 2024، قائلاً إنهم أجروا مشاورات مكثفة مع قادة الحشد الشعبي بشأن سنجار. ووفقاً لفيدان "عملت أنقرة مع الحكومة المركزية العراقية للسيطرة على نقاط حيوية محددة في سنجار وسد الثغرات على طول الحدود، بل وقدمت دعماً مالياً لإجراءات أمن الحدود. وخلال هذه العملية، تم الحفاظ على اتصال منتظم مع فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، الذي زار أنقرة للقاء فيدان". ولخّص فيدان موقف تركيا بالقول: "الحشد الشعبي الآن واقع في العراق، إنه قوة قانونية مدرجة في النظام، وتتلقى ميزانيتها من الدولة".
وبعبارة أخرى: "تعتقد أنقرة أنه من غير المجدي الآن استبعاد الحشد الشعبي، بل من الأكثر عقلانية السعي لإيجاد حلول بإشراكه في الطاولة. بهذه الطريقة، إذا نشأت مشكلة في المستقبل بسبب الحشد الشعبي، فلن يكون لدى قادته فرصة لقول: لم نُشرك في العملية".
أوضحت الصحيفة أن "بهذه الاستراتيجية، تشجع تركيا الحشد الشعبي من جهة، بينما ترسل رسالة غير مباشرة إلى إيران من جهة أخرى"، وتؤكد أنقرة أنها ستعتبر الحشد الشعبي شرعياً إذا أخذ زمام المبادرة في قضايا تعتبرها تركيا عدواً مشتركاً، مثل PKK، لكنها ستنظر إليه كتهديد إذا لم يفعل"، وأنه "بالفعل، يرى صناع القرار الأتراك أن العناصر المتطرفة داخل الحشد الشعبي يمكن أن تشكل تهديداً طويل المدى ليس فقط للعراق ولكن أيضاً لتركيا وحلف الناتو. كما أن الهياكل داخل الحشد الشعبي، مثل (كتائب حزب الله)، لديها القدرة على استهداف القواعد والأفراد الأتراك في المنطقة بنفس قدر استهدافها للوجود العسكري الأميركي في العراق. لذلك، تبنت أنقرة سياسة (التعامل المُنضبط) مع الحشد الشعبي"، مشيرة أن "انعكاس ملموس لهذا التوازن هو الاجتماع الذي عُقد في أنقرة يوم 30 آب 2025 بين فيدان والفياض، الذي أعلنت وزارة الخارجية التركية عنه للعامة، دون تقديم أي تفاصيل إضافية".
"أهداف متعدّدة في السياق"
لفتت الصحيفة في تقريرها إلى إلى أهداف متعدّدة في سياق اجتماع فيدان مع الفياض، مرجحة أن يكون التركيز الأساسي لاجتماعهما هو "مناقشة الإجراءات التي يجب اتخاذها ضد وجود PKK في العراق. وقد يكونا ناقشا تشديد السيطرة على مناطق مثل سنجار ومخمور بدعم من الحشد الشعبي، وتقييد منطقة عمليات PKK. وربما كان الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وخاصة في معسكر بعشيقة، وأنشطته التدريبية والاستشارية، مطروحاً على الطاولة أيضاً. فبعض المجموعات داخل الحشد الشعبي ردت بشكل سلبي على الوجود التركي في الماضي، بل وأصدرت تصريحات تهديدية"، مبينة: "ربما حذّر فيدان الفياض، مؤكداً أن الوجود التركي يهدف إلى المساهمة في استقرار العراق".
وأضافت الصحية التركية "ورغم ما يبدو أن زيارة تركز على الأمن، فإن تركيا تطرح أيضاً أبعاد التعاون الاقتصادي والإنساني في محادثاتها مع نظرائها. وقد يكون أمن الاستثمارات التركية ومشاريع الطاقة في المحافظات الجنوبية، مثل البصرة وكربلاء، حيث ينشط الحشد الشعبي، بالإضافة إلى أمن المواطنين الأتراك الزائرين (مثل أولئك الذين يزورون الأضرحة)، قد تم التطرق إليه أيضاً"، لافتة إلى أن "توقيت اجتماع فيدان-الفياض له أهمية كبيرة، فقد جرت الزيارة في وقت كانت فيه التوترات الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة تتصاعد، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني يزيد من حدة التوترات في المنطقة"، وأن "تركيا بصفتها عضواً في حلف الناتو تريد منع العراق من الانحياز بالكامل نحو المحور الإيراني. ومن هذا المنظور، لقد تبنت أنقرة لهجة (حاسمة ولكن دبلوماسية) في سياستها تجاه الحشد الشعبي".
بحسب الصحيفة "يمكن تلخيص نهج تركيا تجاه الحشد الشعبي بالآتي: إدارة علاقة متعددة الأبعاد تتماشى مع أولويات الأمن القومي، مع الأخذ في الاعتبار الديناميكيات الداخلية للعراق. فمن جهة، يرى صناع القرار الأتراك أن الحشد الشعبي حلقة حاسمة في شبكة وكلاء إيران في المنطقة، ويعتبرونه تهديداً محتملاً للمصالح الوطنية. وبالفعل، تشكل الفصائل الموالية لإيران في العراق خطراً طويل المدى على مصالح حلف الناتو وتركيا. ومن جهة أخرى، من الواضح أنه أصبح من المستحيل فصل هيكل الحشد الشعبي عن الدولة العراقية. ولذلك، فبدلاً من استبعاد الحشد الشعبي، تسعى تركيا إلى تحويله إلى طرف يمكن التحكم فيه ومسؤول".
ونتيجة لذلك، تحاول تركيا إقامة توازن قائم على "ضمان أقصى درجة ممكنة من أمنها القومي دون التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها". و"تعمل أنقرة من خلال الحفاظ على القنوات الدبلوماسية، وتبني مقاربات مربحة للطرفين، وتذكير الآخرين بردعها العسكري عند الضرورة. كما أن السياسة المتبعة تجاه الحشد الشعبي هي جزء من هذه الصورة الأكبر. والهدف هو منع العراق من أن يصبح (سوريا ثانية) أو (الساحة الخلفية لإيران)، وأن ترى تركيا العراق كبلد جار ذي سيادة ومزدهر يمكنه أن يقرر مصيره بنفسه. إن تحقيق هذا الهدف سيجعل الحدود الجنوبية لتركيا أكثر أماناً ويخلق شرق أوسط أكثر سلاماً. وهذا الأمر يحمل أهمية كبيرة لأمن تركيا وهو حيوي للحفاظ على الاستقرار والسلام في جميع أنحاء المنطقة".