خاص| بعد العقد مع "فودافون".. هل ينتهي عصر استرخاء "آسياسيل" و"زين"؟

خاص| بعد العقد مع "فودافون".. هل ينتهي عصر استرخاء "آسياسيل" و"زين"؟ (الجبال)

في خطوة غير مسبوقة، خطت الحكومة العراقية خطوة كبرى نحو كسر احتكار سوق الاتصالات، عبر تأسيس "الشركة الوطنية للهاتف النقال" بمساهمة ثلاث جهات حكومية رئيسية وبالتعاون مع شركة "فودافون" العالمية.

 

والمشروع الذي طال انتظاره لا يقتصر على إدخال تقنية الجيل الخامس (5G) إلى العراق فحسب، بل "يمتد ليشكل ركيزة اقتصادية وتنموية تستهدف تعظيم إيرادات الدولة وصندوق التقاعد وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين".


وفي تاريخ 11 آذار 2025، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، موافقة الحكومة على تأسيس الشركة الوطنية للهاتف النقال بمساهمة وزارة الاتصالات، وهيئة التقاعد الوطنية، والمصرف العراقي للتجارة، لتتولى تشغيل الرخصة الوطنية بتقنية الجيل الخامس، وبالتعاون مع "فودافون" العالمية.


حينها، قالت وزيرة الاتصالات هيام الياسري في تصريح متلفز، إن قرار مجلس الوزراء بتأسيس الشركة الوطنية جاء بمساهمة وزارة الاتصالات عبر شركة السلام العامة، إضافة إلى مصرف التجارة العراقي وهيئة التقاعد الوطنية، مشيرة إلى أن الهدف هو تعظيم صندوق تقاعد الموظفين وتقديم خدمات مدعومة للمتقاعدين.


وأكدت الياسري أن الوزارة ماضية في استكمال التحضيرات الفنية للمشروع بالتعاون مع "فودافون" وهيئة الإعلام والاتصالات، مبينة أن هذا المشروع مدرج ضمن المنهاج الوزاري للحكومة وسيتم تنفيذه قريباً.


"فودافون" مشغلاً وطنياً


في كانون الأول الماضي، كانت الياسري قد أعلنت أن مجلس الوزراء أصدر قراراً مهماً بالموافقة على اختيار "فودافون" العالمية مشغلاً للرخصة الوطنية الحكومية للهاتف النقال بتقنية الجيل الخامس، بناء على توصيات الفريق التفاوضي المشكّل في وزارة الاتصالات.


كما خوّل القرار وزارة الاتصالات التفاوض لتأمين الدعم المالي اللازم للإجراءات التمهيدية، استعداداً لإطلاق المشروع خلال الأشهر المقبلة.


لاحقاً، شهد العراق توقيع عقد تأسيس الشركة الوطنية الجديدة للهاتف النقال، برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لتكون الجهة التي تقدم خدمة الجيل الخامس في عموم البلاد.


وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من امتعاض المواطنين من أداء شركات الاتصالات الحالية: "آسيا سيل"، و"زين (أثير)"، والتي واجهت اتهامات متكررة بتردي الخدمة وعدم مواكبة التطورات.


خدمة الجيل الخامس.. أهداف ومكاسب متوقعة


من المنتظر أن تحقق الشركة الجديدة جملة من المكاسب، أبرزها، تحسين جودة الخدمة عبر إنهاء معاناة العراقيين مع ضعف الشبكات والانقطاعات المتكررة.


أيضاً ستسهم هذه الشركة بحسب مختصين، بخلق منافسة حقيقية عبر دخول لاعب جديد بقوة إلى السوق سيدفع الشركات القائمة إلى تحسين خدماتها.


كذلك ستدعم هذه الشركة الاقتصاد الرقمي عبر تمكين الشركات الناشئة والتحول الرقمي للقطاعين العام والخاص.


بالإضافة إلى ذلك، يرى المختصون أن شركة الاتصالات الوطنية الجديدة ستعزز الاستثمار من خلال فتح آفاق جديدة للاستثمارات في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، وبذلك، ترى الحكومة أن المشروع يمثل خطوة استراتيجية لإنهاء عقود من التردي في الخدمات، والانتقال نحو اقتصاد رقمي حديث.


وعن علاقة هذه الشركة بالقطاع الخاص، أكد رئيس الوزراء في حفل إعلان التأسيس الرسمي، أن الهدف من تأسيس الشركة الوطنية للهاتف النقال هو أن تكون منافساً فعالاً لبقية الشركات وتقديم أفضل خدمات الاتصالات التي أصبحت تمثل ركيزة للاقتصاد والتعليم والتنمية.


وأوضح السوداني أن دخول ثلاث جهات حكومية لتأسيس شركة للهاتف النقال يُعد سابقة، مع فتح باب الاكتتاب أمام المواطنين للمساهمة في رأس المال، باعتباره أحد المسارات التي تعتمدها الحكومة لتعزيز الاقتصاد غير النفطي.


كما شدد على أن تأسيس الشركة لا يعني تقييد القطاع الخاص، بل خلق بيئة تنافسية تضمن تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، لافتاً إلى أن إطلاق خدمة الجيل الخامس سيوفر نقلة نوعية للمستخدمين في عموم العراق.


وبحسب التقديرات، فإن دخول الشركة الوطنية سيؤدي إلى زيادة المنافسة وإجبار الشركات على تحسين عروضها، وخلق تأثير مالي مباشر من خلال خفض الأسعار أو رفع الاستثمارات، وأيضاً تحسين مستوى الخدمة للمواطنين، وإعادة التفاوض على العقود والتراخيص لضمان عوائد أفضل للدولة.


فرصة استراتيجية مهمة للعراق


في سياق الموضوع، أكد الباحث في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن التعاون بين الشركة الوطنية للاتصالات وشركة "فودافون" البريطانية يمثل فرصة استراتيجية مهمة للعراق، مشدداً على أن "نجاح هذه الخطوة مرهون بكيفية استغلالها وتوظيفها بالشكل الصحيح".


وقال حنتوش لـ"الجبال": إن الشركة الوطنية، بصفتها الجهة الحاصلة على رخصة من هيئة الإعلام والاتصالات، ستعمل تحت إشراف الهيئة بشكل مباشر، معتمدة على تمويل مستقر من صندوق التقاعد والمصرف الوطني، وهو ما يوفر، بحسب رأيه، إطاراً مالياً وإدارياً متيناً يضمن انطلاقة قوية للمشروع.


وأضاف، أن "نجاح الشركة في تقديم خدمات اتصالات ذات جودة عالية سيمكنها من التحول إلى رائدة في السوق المحلية خلال فترة زمنية قصيرة، لافتاً إلى أن "دمج خبرة فودافون العالمية مع الدعم الحكومي سيخلق نموذجاً عملياً يمكن الاستفادة منه في تعظيم أرباح الشركة وتعزيز موارد خزينة الدولة".


وأشار حنتوش إلى أن "المشروع لا يقتصر على كونه شركة اتصالات جديدة فحسب، بل يمثل نموذجاً يحتذى به لتعظيم العائدات وتعزيز كفاءة القطاع العام"، مؤكداً أن "الهدف النهائي يتمثل في خلق بيئة استثمارية مستدامة، توازن بين خدمة المستهلكين من خلال تحسين نوعية الاتصالات، وبين تحقيق منفعة مباشرة للدولة عبر زيادة الإيرادات وتطوير البنية التحتية الرقمية".


من جانبه، رهن المختص في الشأن التكنولوجي، سامر الظفيري، نجاح الشركة الوطنية للاتصالات بمدى قدرتها على تقديم خدمات جاذبة ومتنوعة تستقطب المستخدمين، على أن تكون هذه الخدمات ذات جودة عالية وتدعم قدرتها التنافسية في السوق.


وقال الظفيري لـ"الجبال" إن "تحقيق ذلك يتطلب تطبيق معايير صارمة في مجالات الجودة والخدمة، إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وتبني برامج متطورة لتتبع الأداء وضمان استمرارية العمل بكفاءة".


وأضاف أن "وجود شركة مدعومة حكومياً يمثل فرصة حقيقية لكسر احتكار وهيمنة الشركات الخاصة المعروفة في السوق العراقية"، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أن "نجاح هذه الخطوة يستلزم توفير إطار تنظيمي واضح، فضلاً عن دعم مالي واستراتيجي من قبل الدولة يضمن استقرار الشركة وقدرتها على المنافسة".


وختم حديثه قائلاً: "إذا نجحت الشركة الوطنية في الالتزام بالمعايير المهنية والتقنية العالية، فإنها يمكن أن تصبح نموذجاً يحتذى به في تطوير قطاع الاتصالات، بما يحقق منافسة عادلة تخدم المستهلكين وتعزز مكانة العراق في السوق الإقليمية".


كسر احتكار "زين وآسياسيل"


أثار قرار مجلس الوزراء بتأسيس "الشركة الوطنية للهاتف النقال" عاصفة من الجدل والتساؤلات حول مستقبل شركات الاتصالات القائمة، وعلى رأسها "زين العراق" و"آسيا سيل"، اللتين ظلتا لعقود تهيمنان على السوق دون أن تقدما خدمات بمستوى تطلعات المواطنين، إذ يُنظر إلى الشركة الوطنية الجديدة بالتعاون مع "فودافون" العالمية كفرصة تاريخية لكسر الاحتكار وإنهاء معاناة العراقيين من سوء الخدمة وفتح الباب أمام منافسة حقيقية طال انتظارها.


وتعمل في العراق منذ سنوات ثلاث شركات رئيسية للهاتف النقال وهي:


زين العراق: من أكبر الشركات في البلاد، لكنها واجهت اتهامات واسعة بالتقصير في تقديم خدمات مستقرة رغم أرباحها الضخمة.


آسيا سيل: تصدّرت السوق بفعل نفوذها المالي والإعلاني، لكنها لم تلبّ أبسط معايير الجودة للمشتركين الذين يعانون يومياً من ضعف الشبكات والانقطاعات.


كورك تيليكوم: تركز على إقليم كوردستان، وتقدم خدمات محدودة في بعض المناطق الأخرى.


ورغم الأرباح الطائلة التي حققتها شركات "زين وآسياسيل" لكونهما تغطيان كلّ العراق على مدى سنوات، فإن المواطنين لم يلمسوا تحسناً يُذكر في جودة الاتصالات أو أسعار الخدمات بل إن الديون والمستحقات المتراكمة على هذه الشركتين تكشف عن إدارة مالية مشبوهة وإهمال في الالتزامات تجاه الدولة، فمثلاً بلغت مستحقات شركة آسياسيل نحو 121 تريليون دينار، بينما تُقدر مستحقات شركة زين العراق بأكثر من 4 ملايين دولار، بحسب تقارير صحفية. 


ويتوقع أن يحدث قرار تأسيس الشركة الوطنية للهاتف النقال تحولات جذرية في مشهد الاتصالات العراقي، خصوصاً على مستوى الشركات المتنفذة التي اعتادت على العمل دون منافسة حقيقية أو محاسبة فعلية.


وبحسب مختصين، فإن دخول الشركة الوطنية سيضع حداً لهيمنة "زين" و"آسياسيل" على السوق، وسيدفعهما إلى تحسين خدماتهما وتقديم عروض أكثر جاذبية، بعدما فشلتا سابقاً في تلبية احتياجات المواطنين رغم الموارد الهائلة التي استحوذتا عليها.


أيضاً، وجود منافس وطني مدعوم حكومياً وبخبرة عالمية مثل "فودافون" سيُجبر هذه الشركات على خفض أسعارها أو استثمار أموال طائلة لتحديث شبكاتها، وهذا يعني تقليص هوامش أرباحهما، التي طالما جُنيت على حساب المواطن العراقي. 


ويعني ذلك بحسب المختصين، أن الحكومة العراقية قد تلجأ بفضل وجود الشركة الوطنية إلى إعادة تقييم شروط التراخيص مع الشركات القائمة ما يعني نهاية مرحلة الاسترخاء التي عاشتاها "زين" و"آسياسيل" لسنوات، وإجبارهما على الالتزام بمعايير الجودة وتحقيق عوائد عادلة للدولة.

الجبال

نُشرت في الأحد 14 سبتمبر 2025 11:10 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.