مع استمرار المفوضية في استبعاد المرشحين عن الانتخابات البرلمانية المنتظرة، والذين وصل عددهم في أحدث البيانات لـ627 مرشحاً من مختلف الكتل والأحزاب السياسية، تبرّر السلطات الرسمية هذه الاستبعادات بالإجراءات الإدارية والقانونية المتّبعة لضمان نزاهة العملية، فيما يرى فيها آخرون "سلاحاً سياسياً" تستخدمه بعض الأطراف لضبط المشهد الانتخابي وإعادة ترتيب التوازنات في الساحة العراقية.
ويرى المختص في الشأن السياسي والانتخابي علي ناصر، أن الصراعات السياسية لعبت دوراً في استبعاد بعض المرشحين من الانتخابات.
قال ناصر، في حديث لمنصة "الجبال"، إنه "بعد ترشيح ما يقارب 8000 مرشح بعموم محافظات العراق، ولأول مرة يتم فيها ترشيح هذا العدد الكبير من الأشخاص وهو قد يغير الرؤيا حول أهلية الترشيح للانتخابات ومدى معرفة المرشح بالعمل السياسي، نجد أن هناك العديد من الأسماء (خصوصاً المعروفة منها) تم استبعادها من قبل مفوضية الانتخابات لعدد من الأسباب، إما حسن السيرة والسلوك أو جرائم مخلّة بالشرف أو عدم اكتمال متطلبات الترشيح".
وأوضح ناصر أن "الصراعات السياسية ربما تلعب دوراً مهماً في تسقيط الآخر من العملية السياسية، كي تتاح فرصة أكبر للحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية، والانتخابات التي من المفترض أن لا تؤجل وتجري في توقيتها المحدّد تشكل أهمية كبيرة بسبب الفترة الحرجة التي يمر بها العراق"، لافتاً إلى أن "هذا أيضاً أحد أسباب ودوافع الاستبعاد، ربما تؤثر الأجندة الخارجية بشكل كبير على الداخل العراقي وهي تسبب الكثير من الافتراضات".
وبحسب قول المختص بالشأن السياسي فإنه "كما حدث من استهدافات خلال الفترة الماضية لإقصاء عدد من الشخصيات المهمة، إن جرائم القتل والفساد ستشكل الحصة الأكبر من الاستبعادات خلال الفترة المقبلة"، فقال: "ننتظر المزيد بعد رفع الحصانة عن المتهمين من بعض أعضاء مجلس النواب العراقي وتسليمهم للقضاء".
سيناريوهات ونتائج
غازي فيصل، مختص في العلوم السياسية، أوضح أن استبعاد 25% من المرشحين للانتخابات، "سلاح سياسي" لإعادة ترتيب التوازنات القائمة.
وقال فيصل، في حديث لـ "الجبال": "تثير الاستبعادات التي قامت بها مفوضية الانتخابات العراقية والتي طالت مئات المرشحين في هذه الدورة العديد من التساؤلات، وتبدو ذات طابع مختلف عن أي انتخابات سابقة، وهو ما يثير الجدل في الأوساط السياسية والشعبية، لذا يمكن تحليل طبيعة الاستبعادات نفسها، ثم الأسباب والدوافع وراءها".
وأضاف: "شملت الاستبعادات هذه المرة عدداً ملحوظاً من المرشحين من قوى سياسية مختلفة، بينما كانت في دورات سابقة تتركز غالباً على أطراف محددة وتُبرر بقانون (المساءلة والعدالة) أو قرارات قضائية أو ملفات قضائية معلنة"، لافتاً أن "كثير من القرارات اليوم تبدو مبهمة أو غير مدعومة بتفاصيل للرأي العام، مما يعكس تسييساً بالإجراءات بعكس ما حاولت المفوضية الإيحاء به في دورات سابقة من حياد إداري، تبدو هذه الدورة أكثر انخراطًا في الصراع السياسي، وكأنها أداة لإعادة تشكيل الخريطة البرلمانية".
وتابع: "كما جرت بعض الاستبعادات قبل انطلاق الحملات الانتخابية بوقت قصير، ما أربك حسابات الأحزاب والكتل، وهذا يختلف عن السابق حيث كانت القرارات تأتي مبكراً أحياناً وتتيح استبدال المرشحين".
وأوضح فيصل في حديثه أن "الأسباب والدوافع ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات. الأول، قانونية وإجرائية معلنة: ملفات فساد أو سوء استخدام للمال العام؛ ارتباط بجهات مسلحة غير نظامية أو خرق قواعد الدعاية الانتخابية؛ دعاوى قضائية لم تُحسم سابقاً، لكن هذه المبررات لم تُقنع الكثير من المراقبين بسبب غياب الشفافية الكاملة. والثاني، محاولة إعادة هندسة التوازنات: فبعض القوى النافذة تسعى لإضعاف خصومها عبر استبعاد مرشحين بارزين، خصوصاً المستقلين أو الوجوه المعارضة داخل البيئة الشيعية أو السنية أو حتى الكوردية بجانب ضغوط إقليمية ودولية، إذ أن الحديث عن تدخلات خارجية (إيرانية وأميركية خصوصاً) في إقصاء شخصيات قد تُربك التوازن الجديد بعد انسحاب التحالف الدولي وتراجع النفوذ الأميركي المباشر. وأخيراً، محاولة تجنب صعود قوى احتجاجية: لذا استهدفت الاستبعادات منع إعادة إحياء قوى تشرين أو أي معارضة شعبية قد تُحدث مفاجآت في النتائج".
وأكد الأستاذ المختص في العلوم السياسة، أن "السلطات وأحزاب الإطار التنسيقي تحاول أن تبرر هذه الإجراءات تحت ذريعة أن (بعض الأسماء مرتبطة بداعش أو جماعات مسلحة خطرة)، لكن من الواضح أن هذه الذريعة تُستخدم أحياناً بانتقائية. ونستخلص ان الاستبعادات الحالية ليست مجرد إجراءات إدارية عادية، بل تمثل محاولة سياسية لإعادة ضبط المشهد الانتخابي مسبقاً، والفارق الجوهري مع الانتخابات السابقة هو أن القرار لم يعد تقنياً أو قانونياً بحتاً، بل أصبح أداة لترتيب التوازنات مما حول الاستبعاد إلى سلاح سياسي لتقليم أظافر خصوم محتملين".
أكمل فيصل أن "هناك سيناريوهات محتملة لنتائج هذه الاستبعادات على العملية السياسية في العراق بعد الانتخابات، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة الحالية (انقسام داخلي + ضغوط إقليمية + هشاشة ثقة الشارع بالعملية الانتخابية)"، موضحاً أن "السيناريو الأول هو إعادة إنتاج البرلمان تحت سيطرة القوى التقليدية، والمعطى (استبعاد الوجوه المعارضة والمستقلين) سيؤدي إلى برلمان محصور بين الأحزاب الكبيرة المعروفة (الإطار التنسيقي، الكتل الكوردية، القوى السنية التقليدية) والنتيجة ستكون ((برلمان أكثر انسجاماً مع موازين القوى الإقليمية (خاصة إيران)، حكومة تُشكل بسهولة أكبر نسبياً لكن بلا شرعية شعبية، وتراجع فرص الإصلاح الحقيقي أو تمثيل تشرين))، أما المخاطر فتكمن في ازدياد فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع، وربما عودة احتجاجات شعبية بعد فترة قصيرة".
و"السيناريو الثاني: ارتباك سياسي وصدام حول شرعية الانتخابات، والمعطى هو (إذا توسعت الاعتراضات على الاستبعادات وجرى الطعن بها قانونياً أو سياسياً)، ستكون النتيجة (دخول العملية الانتخابية في مسار نزاعات قضائية طويلة، بعض القوى قد تهدد بالمقاطعة أو حتى تعطيل العملية، واحتمال إعادة فرز أو إلغاء مقاعد مثيرة للجدل)، وتكم المخاطر في هذا الأمر بانزلاق إلى أزمة شرعية قد تطعن بنتائج الانتخابات نفسها، وتؤخر تشكيل الحكومة لأشهر)".
واستدرك فيصل قائلاً إن "السيناريو الثالث يتمثل في صعود بدائل جديدة رغم الاستبعادات، والمعطى: (قد يُنتج الإقصاء فراغاً يتمكن آخرون من ملئه (مستقلون أقل شهرة، مرشحون عشائريون أو محليون)، والنتيجة تكون (برلمان فيه خليط من قوى تقليدية مع حضور غير متوقع لوجوه جديدة، إمكانية أن يفرض هؤلاء الجدد أجندة احتجاجية أو إصلاحية محدودة داخل المجلس"، مشيراً إلى أن "المحاطر في هذا السيناريو يكمن في عدم القدرة على التأثير الفعلي أمام الكتل الكبيرة، مع بقاء رمزية معينة لإمكانية التغيير".
ووفق قول فيصل يوجد سيناريو رابع وهو "ظهور احتجاجات شعبية موازية للعملية السياسية، والمعطى (إذا شعر الشارع أن الانتخابات مفصّلة على مقاس القوى النافذة، وأن الاستبعادات تستهدف أي صوت بديل)، والنتيجة ستكون (احتمال ولادة موجة احتجاج جديدة بعد إعلان النتائج، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع أزمة اقتصادية أو فساد متجدد، الشارع قد يُطالب بإسقاط البرلمان أو حكومة ما بعد الانتخابات، ما يفتح الباب أمام دورة صراع جديدة"، وبحسب قول فيصل "تكمن المخاطرفي السيناريو الأخير في (اهتزاز الاستقرار الأمني والسياسي، وربما تدخل دولي أوسع للضغط على القوى العراقية)".
وختم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية حديثه بقول إن "الاستبعادات قد تُحقق استقراراً شكلياً للنظام (سيناريو 1)، لكنها تُخاطر بخلق فراغ شرعي وأزمات متجددة (السيناريو 2 و4)، وإن والأكثر ترجيحاً هو مزيج بين السيناريو 1 والسيناريو 4: سيطرة القوى التقليدية على البرلمان، لكن بثمن عودة الشارع إلى موقع المواجهة".
من المقرر إجراء انتخابات برلمانية في العراق نهاية العام الحالي، في 11 تشرين الثاني 2025، يتم فيها اختيار أعضاء الدورة السادسة لمجلس النواب الاتحادي.