"خلط" بين الصندوق وحساب الرواتب.. ماذا وراء إثارة قضية أموال الحماية الاجتماعية؟

"خلط" بين الصندوق وحساب الرواتب.. ماذا وراء إثارة قضية أموال الحماية الاجتماعية؟ لقاء يجمع وزيرة المالية طيف سامي ووزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي يوم الانتخابات (مواقع التواصل)

عندما أطلق وزير العمل والشؤون الاجتماعية، والقيادي البارز ضمن ائتلاف "الإعمار والتنمية"، تصريحه بخصوص "اختفاء" مبالغ صندوق هيئة الحماية الاجتماعية، لا يعرف أحد ما الذي يدفع وزيراً وحليفاً للحكومة الحالية أن يطلق تصريحاً كهذا حتى مع حقيقة حدوثه، فإعلان اختفاء المبلغ ستكون آثاره السلبية عائدة على وزارته وحكومته وحليفه السوداني شخصياً، وليس على أحد آخر.

 

إقرأ/ ي أيضاً: أحمد الأسدي مصر على "ضياع" 2.5 تريليون دينار من أموال الرعاية الاجتماعية: عرضنا الوقائع أمام النزاهة

 

"غرابة" إطلاق هذا التصريح، يقود لاحتمالات عديدة، واحدة من هذه الاحتمالات، أن هناك فضيحة أو شبهة أراد الأسدي تفجيرها مع قرب مغادرته المنصب ليسبق الآخرين بخطوة، خوفاً من تحميله مسؤولية "التستّر"، فالأمر بدا وكأنه يشبه ما فعله وزير المالية ووزير النفط إحسان عبد الجبار في حكومة مصطفى الكاظمي، عندما لجأ إلى الإعلام للإعلان عن اختفاء مبالغ الأمانات الضريبية التي باتت تعرف بـ"سرقة القرن"، خصوصاً وأن المبلغ الذي أعلن وزير العمل يبلغ 2.5 تريليون دينار، أي أنه مقارب لمبلغ سرقة القرن البالغ 3.5 تريليون دينار عراقي.

 

لكن التصريح الذي يستمد غرابته من أن وزير العمل "لا يعلم" شيئاً عن صندوق الحماية الاجتماعية التابع لوزارته، وكيف يتم التصرّف به أو من يملك سلطة الصرف منه، ازداد غرابة وغموضاً أكثر كلما أصدرت الجهات المعنية بيانات توضيحية أكثر.

 

وزارة العمل: المبلغ مثبّت رقمياً

بداية الأمر، أصدرت وزارة العمل توضيحاً لتصريح الوزير، ووصفت أنه "تم تفسيره بشكل خاطئ"، والمعني بذلك أن الوزير لم يقل أن الأموال سُرِقت، بل "مُثبّتة رقمياً في حسابات وزارة المالية لدى مصرف الرافدين"، ويعد حقاً مالياً مثبتاً، كما أن رواتب الإعانات الاجتماعية تُصرف بانتظام ولا ترتبط بمستوى السيولة أو حركة رصيد الصندوق.

 

يُفهم من توضيح وزارة المالية، أن المبلغ رقمياً موجود في الحساب، هذا يعني أنه متى ما تتم المطالبة بالمبلغ، سيقوم المصرف بتوفيره للوزارة، شأنه شأن أي مواطن يودّع أمواله بحسابه بالمصرف، فهو لا يعلم أين ذهب المبلغ، أي أن السيولة لا توضع في "خانة أو صندوق مادي"، بل كل ما في الأمر يتم وضع "رقم إلكتروني في حساب إلكتروني"، أما الأموال فتكون موجودة مع إجمالي سيولة المصرف أو يتم استخدامها في أبواب أخرى بشكل طبيعي جداً، لذلك فليس هناك أي داعٍ لتصريح الوزير حينها.

 

توضيح وزارة العمل يكشف تلميحاً، عن: "لا علاقة لأموال الصندوق بصرف الرواتب"، وهذا يكشف عن أن وزير العمل يتحدث عن "أموال صندوق الرعاية"، وهو صندوق يشبه صندوق التقاعد، من المفترض أن تقوم وزارة العمل باستثمار هذه الأموال في مشاريع معينة تحقق من خلالها أرباحاً، لتجعل الصندوق والأرباح قادرة على تمويل رواتب الحماية الاجتماعية، وعدم استمرار الاعتماد على وزارة المالية التي تمول رواتب الحماية الاجتماعية من خزينة الدولة.

 

عبارات "مريبة" من المالية 

في المقابل، أصدرت وزارة المالية، بياناً زادت من خلاله الغموض تجاه القضية، فالوزارة تحدّثت عن "حساب الحماية الاجتماعية الذي يتم من خلاله صرف الرواتب التي يتم تمويلها من خزينة الدولة"، وهو حساب مختلف تماماً عن "حساب صندوق الحماية الاجتماعية" الذي تحدث عنه الوزير.

 

المالية أوضحت أن وزارة العمل قامت بإيداع "المبالغ المسترجعة من المتجاوزين على الحماية الاجتماعية"، وهذه الخطوة خلافاً لطبيعة الحساب، فالحساب مخصص فقط ليتم تمويله من خزينة الدولة لدفع الرواتب، وليس لإيداع مبالغ به من مصادر أخرى غير خزينة الدولة، فهو "حساب جارٍ".

 

وبالرغم من أن وزارة المالية زادت الغموض عندما قالت: إن "الحساب تم استخدامه لأغراض غير المخصصة له"، إلا أنها أكدت أن "الأموال موجودة في الحساب"، أي أنها "غير مسروقة ولا مختفية"، وتتضمن "المبالغ المسترجعة من البطاقات المتجاوزة، والمبالغ الممولة من خزينة الدولة للحساب"، لكن المالية لم تكشف ما المقصود بأن الحساب تم استخدامه لغير الأغراض المخصصة له، ومن غير المعروف ما إذا كانت تقصد فقط أنه تم إيداع أموال فيه مسترجعة من البطاقات، بينما الحساب مخصص لإيداع أموال الرواتب فقط من قبل خزينة الدولة.

 

"خلط وتضليل".. ماذا يحمل توضيح الرافدين؟

وكان بيان مصرف الرافدين، أكثر البيانات وضوحاً، فالمصرف لم يتحدث عن أموال صندوق الحماية الاجتماعية بمفردها كما تحدثت وزارة العمل، ولم يتحدث عن أموال "حساب الحماية الاجتماعية" المخصّص للرواتب كما تحدثت وزارة المالية، بل ذكر بوضوح المبالغ الموجودة في الحسابين.

 

كان وزير العمل قد تحدث عن "صندوق الحماية الاجتماعية"، وقال، إن المبالغ فيه كانت 360 مليار دينار عندما جاء للوزارة وقام بمضاعفتها 6 مرات، وأصبحت الأموال 2.5 تريليون دينار، وأنه جاء للصندوق قبل شهرين ووجد أن الأموال تم سحبها واستخدامها من قبل وزارة المالية ومصرف الرافدين.

 

لكن مصرف الرافدين فكّ اللبس الذي تسبب به وزير المالية، وقال، إن "مبالغ صندوق الحماية الاجتماعية تبلغ 390 مليار دينار، والمبالغ موجودة، ولم تطلبها وزارة العمل لاستخدامها واستثمارها، أما الـ2.5 تريليون دينار فهي مبالغ حساب الحماية الاجتماعية المخصصة للرواتب الممولة من خزينة الدولة"، وهذا التفصيل يكشف عن "معلومة مضلّلة" أصدرها وزير العمل عندما ادّعى أنه "ضاعف أموال الصندوق 6 مرات"، وتبين أن الفرق بين أموال الصندوق بلغ 30 مليار دينار أي ارتفع من 360 مليار دينار عندما استلم الوزارة، وأصبح 390 مليار دينار الآن فقط، أي أنه رفعه بنسبة 8% فقط.

 

أما مبلغ الـ2.5 تريليون دينار، فهو مبلغ حساب الرواتب، وهذا المبلغ من الطبيعي أن يتم سحبه وصرفه شهرياً للرواتب، ثم تعود وزارة المالية لتمويله مجدداً كل شهر لغرض صرف الرواتب، ما يعني أن الحساب أساساً لا يجب أن يكون ممتلئاً  بالأموال طوال السنة، بل الطبيعي أن يتم إخلاءه وصرف الأموال للرواتب، ثم يتم تمويله مجدداً شهرياً وهكذا.

 

يتضح أن تصريح وزير العمل، كان يحمل "خلطاً" بين أموال صندوق الحماية، وأموال حساب الحماية المخصص للرواتب، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا "الخلط" مقصوداً أم جاء نتيجة اشتباه، لكن بكل الأحوال هناك نوايا معينة وراء قيام وزير العمل بتفجير "قنبلة" كهذه، ربما لإبعاد شبهة معينة عن نفسه مسبقاً، شبهة قد تتكشف لاحقاً، أو أنه أراد إرسال رسالة تخويف لمن سيأتي كمرشح بديل للسوداني لرئاسة الوزراء لتصوير الوضع المالي للرواتب بأنه فيه مشاكل كثيرة، وهذا ما يجعل أي مرشح لرئاسة الوزراء يشعر بالخشية من "الألغام" التي قد تواجهه، لذلك "يهرب" من المنصب، ليبقى للسوداني، أو أن وزير العمل أراد إحراج وزارة المالية لكي تستمر بصرف رواتب الحماية، فهو ربما يكون قد سمع معلومات عن عرقلة أو تأخير صرف رواتب الرعاية بسبب الأزمة المالية، ومحاولة تأمين رواتب الموظفين كأولوية على باقي الرواتب، لذلك قام بهذه الحركة الاستباقية لإحراج وزارة المالية، فبعد الأن، إذا تأخرت المالية بصرف رواتب الرعاية، فهذا يعني أنها ستكون في دائرة الاتهام بخصوص "اختفاء مبالغ الحماية"، وهو ما سيشعل غضب الشارع أكثر من أي شيء آخر. 

 

رغم توضيحات وتأكيدات وزارة المالية ومصرف الرافدين واعتراف وزارة العمل أن المبالغ "موجودة ومثبتة" سواء في صندوق الحماية، أو حساب رواتب الحماية، إلا أن هيئة النزاهة والقضاء، أعلنا المباشرة بالتحقيقات وجمع الأدلة في القضية، وهو إجراء طبيعي من غير المتوقع أن يفضي إلى شيء مهم، فإعلان مصرف الرافدين أن المبالغ موجودة، هذا يعني أن أي مطالبة بها سيكون المصرف جاهزاً لتسليمها، ما يجعل القضية منفيّة مسبقاً، ولا تتعدى "سوء الفهم" والخلط بين حسابين مصرفيين منفصلين.


الجبال

نُشرت في الاثنين 24 نوفمبر 2025 11:15 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.