ما يزال تمرير قانون الحشد الشعبي معلّقاً، بين دعوات داخلية ورغبات جامحة لإدراجه ضمن جدول أعمال جلسات مجلس النواب المقبلة من جهة، والضغوطات الأميركية والتهديدات المستمرة من جهة أخرى، وسط حديث عن انقسام داخل قوى الإطار التنسيقي إزاء تمرير القانون بصيغته الحالية، الأمر الذي يُضيفه متخصصون إلى قائمة معوقات تمرير القانون، إلى جانب "الفيتو الأميركي"، وذلك في ظل غياب للمواقف السُنية والكوردية الواضحة من القانون.
في السياق: حلّ الحشد الشعبي "انتحار".. الفياض: مستعدون للدفاع عن السفارات ونحاول أن ننأى بأنفسنا عن الفصائل
ومن المقرر أن يستأنف مجلس النواب العراقي جلساته، يوم الأربعاء المقبل، بعد توقف استمر لأسابيع، حيث أعلنت الدائرة الإعلامية للبرلمان عن جملة مشاريع قوانين ستتم مناقشتها والتصويت عليها، فيما لم يكن قانون الحشد الشعبي من بينها.
النائب عن الإطار التنسيقي (الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في العراق)، عارف الحمامي، أشار إلى أن قانون الحشد الشعبي سيتم إدراجه للتصويت عليه خلال الأسبوع الحالي.
الإطار التنسيقي: سنعمل على إدراجه في إحدى الجلسات
وقال الحمامي في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "عدم إدراج فقرة التصويت على قانون الحشد الشعبي لا يعني أن القانون لن يمرّر خلال جلسات مجلس النواب الثلاثة بالأسبوع الحالي"، مضيفاً أنه "سنعمل وفق الأطر القانونية على إدراج التصويت في إحدى الجلسات من خلال تقديم طلب رسمي معزّز بتواقيع البرلمان، كما حصل في القراءة الثانية للقانون".
وذكر الحمامي، أن "هناك عزماً وإصراراً كبيرين من قبل نواب الإطار التنسيقي ونواب آخرين مستقلين وغيرهم، على تمرير قانون الحشد خلال الأسبوع الحالي"، كما "سنعمل على ذلك بالتنسيق والاتفاق مع الشركاء في القوى السياسية السنية والكوردية، فلا يوجد ما يعرقل تمريره على المستوى القانوني والفني إطلاقاً".
مقرر البرلمان يتحدث عن "اتفاق" يخصّ جلسة التصويت
من جانبه، قلّل مقرر البرلمان العراقي غريب عسكر، من شأن التهديدات الأميركية المتمثلة بفرض عقوبات على العراق، مقابل تمرير قانون الحشد، فيما كشف عن "اتفاق" بين القوى المؤيدة للقانون، على ارتداء زيّ الحشد الشعبي خلال جلسة التصويت على القانون.
وقال عسكر في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "قانون الحشد وطني، وضمانة مهمة للشعب العراقي بجميع مكوناته، وإنصافاً للتضحيات التي قدّمها مقاتلو الحشد وعوائلهم"، مشيراً إلى "وجود قوى تعرقل إقرار القانون".
إقرأ/ ي أيضاً: استغراب من "امتعاض واشنطن".. باحث يوضح لـ"الجبال" الفرق بين قانون الحشد الشعبي القديم والجديد
واعتبر عسكر، قانون الحشد، "قانون مجاهدين ضحّوا من أجل الوطن، ويحظى بدعم المرجعية الدينية في النجف"، مطالباً الكتل السياسية بـ"الحضور التام لإقرار القانون خلال الفترة القليلة القادمة".
وعلّق عسكر على التهديد الأميركي بفرض عقوبات في حال إقرار القانون، قائلاً، إن "قانون الحشد موضوع وطني وسياسي، والحشد جزء مهم من المنظومة الأمنية المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة، ونرفض أي تدخلات خارجية بقانون الحشد وهو موقف الشعب العراقي بكافة مكوناته".
ولفت مقرر البرلمان العراقي، إلى "مساعي الإطار التنسيقي والقوى الأخرى لإقرار قانون الحشد خلال الأسبوع الحالي وتمريره"، وهذا ما اعتبره "أقل استحقاق لشهداء وجرحى الحشد وعوائلهم".
وكشف عسكر، عن "اتفاق بين القوى المؤيدة للقانون على ارتداء زي الحشد الشعبي خلال جلسة التصويت على القانون".
لا علامات على الإقرار حالياً
في المقابل، أشار النائب خالد الدراجي، إلى أنه "لا توجد علامات على إقرار قانون الحشد الشعبي حالياً"، فيما بيّن أن الضغوطات الداخلية والخارجية والخلافات بين القوى الشيعية، هي "المعطّل الرئيسي" للقانون.
وقال الدراجي في حديث لمنصّة "الجبال"، إنه "لا توجد أي علامات على إقرار قانون الحشد الشعبي خلال الفترة الحالية بعد سحب القانون من قبل الحكومة ووجود خلافات بين القوى الشيعية نفسها حيال بنود القانون، مما سبّب تعطيل إقراره وعدم إدراجه للتصويت".
وأكد الدراجي، أن "القوى الشيعية وحدها قادرة على تمرير القانون بنصاب قانوني يتجاوز 166 نائباً، فيما لا تشكّل القوى السنية والكردية التي يتجاوز نوابها 120 نائباً على سبيل المثال (النصف المعطل) لإقرار القانون".
وأوضح الدراجي، أن "القانون بانتظار إعادته من الحكومة، إلا أن الضغوطات الداخلية والخارجية والخلافات بين القوى الشيعية لازالت المعطّل الرئيسي للقانون".
التمرير مستبعد ومعوّقان رئيسيّان
من جانبه، رأى الباحث المتخصص بالشأن السياسي والاستراتيجي فراس النجماوي، أن تمرير قانون الحشد الشعبي خلال الدورة البرلمانية الحالية أمر مستبعد.
وأوضح النجماوي في حديث لمنصّة "الجبال"، أنه "من المستبعد جداً أن يمرّر قانون الحشد الشعبي في الدورة البرلمانية الحالية، خصوصاً في ظل التراجع عن التوافق السياسي العام".
وأشار إلى أن "هناك عاملين رئيسيين يعوقان التقدّم في هذا الملف:
أولاً: الموقف الأميركي المعارض بشدة للقانون بصيغته الحالية، حيث اعتبرت إدارة واشنطن أن القانون إذا أقر، فسيعزز نفوذ فصائل مسلحة خارج الضبط الحكومي، بل وزادت المخاوف من تهديد السيادة العراقية والتوافقات الأمنية الثنائية.
ثانياً: الخلافات داخل الإطار التنسيقي قائمة وحادة، فبعض القوى تسعى إلى تمرير القانون سريعاً بشكله الحالي، بينما أطراف أخرى داخل الإطار، تعارض الصيغة الحالية أو تطالب بإعادة هيكلية القيادة وصلاحيات التقاعد وسنّ التقاعد للقيادات".
وبيّن الباحث، أن "هذه الانقسامات تؤدي إلى تأجيل الجلسات البرلمانية وحتى إلى احتمال ترحيل التصويت إلى الدورة البرلمانية المقبلة".
وأشار النجماوي إلى أنه "ليس فقط الضغط الخارجي (الأميركي) هو العامل الحاسم، بل التوازنات الداخلية ضمن الإطار التنسيقي تجعل من تمرير القانون في المدى القريب أمراً شبه مستبعد، ما لم يتم عقد تسوية سياسية أوسع أو تحالفات برلمانية جديدة تغلب على هذه المعوقات".
لا يمكن تجاوز "الفيتو" الأميركي
ورأى المحلل السياسي، مراد العتابي، أن "الفيتو" الأميركي إزاء قانون الحشد الشعبي، لا يمكن تجاوزه من قبل القوى السياسية.
وقال العتابي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "الفيتو الأميركي على القوى السياسية حيال قانون الحشد لا يمكن تجاوزه؛ بسبب نظرة واشنطن للحشد كفصائل موالية لإيران، دون التفريق بين المقاتلين النظاميين تحت مظلة القائد العام للقوات المسلحة وبين الفصائل الموالية لإيران والتي تستهدف المصالح والمواقع والأهداف الأميركية في العراق".
وأشار العتابي، إلى أن "القوى السياسية السُنية والكردية تتجنب مواجهات وصدامات مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ تسعى القوى السنية إلى منع تمدد النفوذ الإيراني في العراق، فيما تؤكد القوى الكوردية التزامها بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها".
وحاولت "الجبال"، الاطلاع على موقف ائتلاف "قوى الدولة الوطنية" بزعامة عمّار الحكيم، من قانون الحشد الشعبي ومصيره، إلا أن النائب عن الائتلاف سالم إبراهيم العنبكي رفض الخوض في تصريحات حول القانون، لكنه اكتفى بـ"رهن إقرار القانون باكتمال النصاب القانوني للبرلمان"، دون أن يدلي بتفاصيل أخرى.
كما حاولت "الجبال"، الحصول على إيضاحات ومواقف من قوى سياسية كوردية، إزاء قانون الحشد الشعبي، إلا أن غالبية النواب الكورد رفضوا الإدلاء بأي تصريح في هذا الإطار، بناءً على توصيات من مراجعهم السياسية.
وكان غابرييل صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد حذّر من عقوبات أميركية "قاسية" تنتظر العراق في حال تمرير قانون الحشد الشعبي.
وقال صوما إن "بعض مفاصل الحشد تتلقى دعماً من إيران، والعراق ليس بحاجة إلى الحشد الشعبي بوجود الجيش".
وأضاف، أن "الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان يغض النظر عن النفوذ الإيراني في العراق، لكن ترامب يختلف"، مشيراً إلى أن "جزءاً كبيراً من الحشد الشعبي يأخذ أوامره من إيران".
وتابع، أن "قوات البيشمركة ولاؤها للعراق، وإن كانت تأخذ مساعدات من أميركا"، مبيناً أن "واشنطن استثمرت الكثير لتعزيز الشراكة مع العراق، وترى أن الحشد امتداد للنفوذ الإيراني في العراق".
ولفت إلى أن "واشنطن لن تسمح بتمرير قانون الحشد، وهذا ما قاله وزير الخارجية الأميركي"، مؤكداً أن "ترامب سيفرض عقوبات قاسية على العراق في حال تمرير قانون الحشد".
وفي 10 آب الجاري، صرح المتحدث باللغة العربية باسم وزارة الخارجية الأميركية، مايكل ميتشل، بأنه من المرجّح فرض عقوبات اقتصادية أميركية على العراق، في حال إقرار قانون الحشد الشعبي، في إطار حملة "الضغط الأقصى على إيران"، لافتاً إلى أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يتردّد في اتخاذ موقف أكثر صرامة فيما يتعلّق بالعقوبات الاقتصادية ضدّ أي كيان أو دولة لديها علاقات خارجة عن القانون مع إيران".
وقال ميتشل في تصريح لمنصة الجبال، إنه "هناك قلق بالغ لدى وزارة الخارجية الأميركية إزاء تشريع قانون الحشد الشعبي في العراق"، منوّهاً: "نحن نشهد تغييراً في التوازن الإقليمي وإيران أصبحت ضعيفة نسبياً، لكن تشريع القانون سوف يقلص سيادة العراق ولن يؤدي إلى أي نتيجة جيدة لشعب العراق".
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن "هناك فئات إرهابية ضمن الحشد، ساهمت في الهجمات على الجيش الأميركي وعلى الشركات الأميركية والدولية، وهذا القانون سيرتب انعكاسات سلبية على العراق، لا سيما ضمن حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب (الضغط الأقصى ضد إيران)"، مؤكداً أن "ترامب لن يتردّد في اتخاذ موقف أكثر صرامة بما يتعلّق بالعقوبات الاقتصادية ضدّ أي كيان أو دولة لديها علاقات خارجة عن القانون مع إيران، ونستطيع أن نتوقع شيئاً من هذا القبيل".
وأردف بالقول: إن "الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو سيادة العراق، فالقانون يقوض سيادة العراق والولايات المتحدة ضد هذه الفكرة"، مضيفاً بخصوص العقوبات على العراق "هناك إمكانيات كبيرة لحدوث ذلك، لكن لا استطيع التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، أي قرار بهذا الصدد سوف يأتي من البيت الأبيض مباشرة. مستقبل العراق مسألة تتعلق بشعب العراق، والولايات المتحدة لا سيما في إدارة ترامب الثانية تحث العراق على أن يصبح قادراً على ممارسة السيطرة على كل أراضيه بدون النفوذ الإيراني، كذلك مكافحة تنظيم داعش ومنع عودته، مع منع ظهور أي تنظيم إرهابي آخر، لأن العراق بحاجة إلى النمو الاقتصادي والميليشيات المتطرفة الإرهابية ستؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في العراق".
ميتشل لفت إلى أنه "لدى الولايات المتحدة رأي خاص بهذا الصدد، والقرار بيد الشعب العراقي بنهاية المطاف، لكن هذا لا يعني أن هذا القرار لن يؤدي إلى انعكاسات سياسية أو اقتصادية، هناك تداعيات مرجّحة في حال الاتفاق على هذا القانون، وهذا ما يثير قلق واشنطن اليوم".
وأكد أن "السبب الرئيس لمعارضة الولايات المتحدة الأميركية لتشريع قانون الحشد هو اعتبار الحكومة الأميركية هذا القانون سيسفر عن نمو النفوذ الإيراني الخبيث بشكل أكبر، والولايات المتحدة لا تدعم هذه الفكرة".
وقال: "بغض النظر عن الوجود العسكري في العراق، الولايات المتحدة ستبقى قادرة على الدفاع عن مصالحها ومصالح شركائها الإقليميين والدوليين (هذه حقيقة بسيطة لكن مهمّة)"، مشيراً إلى أولويات تلتزم بها إدارة ترامب في العراق، أبرزها: "دعم الشراكة مع حكومة العراق، مكافحة إعادة ظهور تنظيم داعش وبقوة، ومكافحة النفوذ الإيراني المنتشر بالمنطقة".