ألقت العقوبات الأميركية الأخيرة بظلالها على منشآت التصدير العراقية، بعدما استهدفت بشكل مباشر رصيف 41 في ميناء خور الزبير بمحافظة البصرة، والذي يُعد أحد أهم الأرصفة المخصصة لتصدير النفط الأسود.
ووفقاً لتحذيرات أطلقتها جهات نيابية واقتصاديون، فإن تعطيل هذا الرصيف قد يؤدي إلى شللٍ جزئي في منظومة التصدير العراقية، وخسائر بملايين الدولارات يومياً، فضلاً عن آثار أمنية واقتصادية طويلة المدى.
في السياق: خبير يحذّر البنك المركزي العراقي من "ورطة" ويدعو لتلافي "مصيدة" أميركية
كانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت مطلع تموز الجاري، عقوبات على رجل الأعمال العراقي البريطاني سليم أحمد سعيد المعروف بلقب "أوميد"، متهمةً إياه بإدارة شبكة لتهريب النفط لصالح الحرس الثوري الإيراني، باستخدام وثائق مزوّرة، ومن خلال استثمارات مباشرة في رصيف 41، الذي كان يستخدم رسمياً لتصدير الوقود الثقيل (النفط الأسود).
الرصيف الذي تم تطويره بتقنيات متقدمة، كان يسهم في رفع طاقة التصدير اليومية من 500 ألف إلى مليون برميل، بحسب ما أكده النائب علي شداد، المتحدث باسم لجنة النفط والطاقة النيابية.
شدّاد أشار إلى أن "الرصيف يتمتع بقدرة خزنية كبيرة وإمكانيات شحن عالية، وقد أدّى خروجه من الخدمة إلى اضطراب مباشر في عمليات التصفية والإمداد، خصوصاً في ظل انخفاض توريد الغاز الإيراني".
خسائر على الأرض.. وناقلة عالقة
في السياق، كشف مصدر أمني رفيع لمنصة "الجبال" عن أن "باخرة شحن تُدعى (ستيله) ما زالت متوقفة عند رصيف 41، محمّلةً بكمية من زيت الوقود تعادل حمولة نحو 850 صهريجاً، وسط حالة من الشلل التام في عمليات النقل والشحن".
المصدر، أكد أن "استمرار التجميد المفروض على الرصيف سيُفاقم الأزمة اللوجستية، خصوصاً مع تعقّد إجراءات التحويل إلى أرصفة بديلة في ظل غياب المستودعات الكافية وسعة المناولة".
رئيس لجنة المالية في مجلس محافظة البصرة، شكر العامري، أعرب عن استغرابه من "تغييب الحكومة المحلية عن تفاصيل استثمار الرصيف"، قائلاً إن "الملف أُدير بالكامل خارج علم المحافظة، ولم تُشرك البصرة لا في الرقابة ولا في آليات منح التراخيص، رغم أن الرصيف يقع ضمن حدودها الجغرافية وله تأثير مباشر على اقتصادها".
وأشار العامري، في تصريح، إلى أن "تعطيل الرصيف سيؤدي إلى تأخر الشحن، وزيادة كلفة التصدير، وتهديد فرص العمل المرتبطة بالنشاط اللوجستي"، داعياً إلى "مراجعة عاجلة لملف الاستثمار في الموانئ العراقية".
وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم هيئة المنافذ الحدودية، علاء الدين القيسي، إن "الهيئة لا تملك صلاحيات رقابية على الأنشطة التشغيلية داخل الموانئ".
وأوضح، أن "عمليات تصدير النفط تقع ضمن مسؤوليات وزارة النفط وشركة تسويق النفط (سومو) والجمارك".
خبراء: أزمة ثقة وأضرار مركّبة
من جانبه، وصف الخبير الاقتصادي، نزار محي، ما حدث في رصيف 41 بأنه "ثغرة خطيرة في بنية الحوكمة الاقتصادية للدولة"، معتبراً أن "العراق يواجه احتمال تكرار سيناريوهات العقوبات، ما لم يُعد النظر في طريقة إدارة المنافذ والمنشآت السيادية".
وقال في حديث لمنصّة "الجبال": إن "توقف منشأة بهذا الحجم لا يُقاس بالخسارة اليومية فحسب، بل يؤدي إلى تآكل ثقة المستثمرين الدوليين، ويدفعهم لرؤية العراق كبيئة مرتفعة المخاطر، خصوصاً في قطاع الطاقة".
هذا الرأي أيّده أيضاً الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، الذي قال إن "تعطيل أو إغلاق رصيف 41 سيتسبب بتقليص قدرة العراق على تصدير المنتجات النفطية، وحرمان الخزينة من عوائد ضخمة".
وأضاف، أن "الجهات التصديرية ستضطر لاستخدام وسائل نقل بديلة أكثر كلفة وأقل كفاءة، ما يزيد من الضغط على البنية التحتية".
الهاشمي أشار أيضاً إلى أن استمرار هذا التعطيل يُضاف إلى عوامل أخرى “تُعطي صورة سلبية للأسواق الخارجية وتُقلق المستثمرين من مستقبل الاستثمار في العراق”.