بعد أكثر من عقدين على بدء التخطيط، ومرور 11 عاماً على وضع حجر الأساس، لم يكتمل بعد "مشروع ماء البصرة الكبير" الذي يُفترض أن يوفّر مياه الشرب لنحو مليوني نسمة في واحدة من أكثر محافظات العراق تضرراً من أزمة المياه.
وتقول وزارة الإعمار والإسكان إن نسبة الإنجاز في المرحلة الأولى من المشروع بلغت 73% حتى تموز 2025، وسط استمرار العمل على الخط الناقل بطول 37 كيلومتراً.
والمشروع الذي قُدّرت كلفته الإجمالية بأكثر من 400 مليون دولار، تأخر مرات عدة بسبب ما تقول السلطات إنها عوامل لوجستية وأمنية فضلًا عن تغيّر الشركات المنفذة، فيما واجهت بعض مراحله شبهات فساد وخلافات إدارية، بحسب وثائق وتصريحات سابقة لمسؤولين.
ويأتي تعثّر المشروع في ظل مخاوف من تكرار أزمات سابقة، أبرزها كارثة صيف 2018 حين نقلت مستشفيات البصرة أكثر من 118 ألف حالة تسمم نتيجة تلوث المياه، ما سلّط الضوء على هشاشة البُنى التحتية المائية في المحافظة، ورغم الوعود المتكررة بقرب الإنجاز، لا تزال مواعيد افتتاح المشروع النهائية غير محسومة.
وكشف الكاتب قيس حسن في تدوينة موسّعة ، تابعتها "الجبال"، كيف تُدار أخطر المشاريع الخدمية في العراق بطريقة تفتقر إلى التخطيط والمحاسبة، مسلّطاً الضوء على "مشروع ماء البصرة الكبير" بوصفه "نموذجاً صارخاً للفشل الإداري والتلكؤ المزمن رغم أهميته البالغة لأكثر من مليوني مواطن في البصرة".
واستعرض حسن تسلسلًا زمنيًا يوثّق مسار المشروع منذ وضع حجره الأساس عام 2014 وحتى منتصف عام 2025، مشيراً إلى أن "نسبة الإنجاز في مرحلته الأولى لم تتجاوز حتى الآن 73%، على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات، وتجاوز الكلفة الإجمالية 400 مليون دولار، وتوالي الحكومات والوزراء والشركات المنفذة".
وربط حسن بين هذا التأخير المزمن وأزمة المياه التي عصفت بالبصرة عام 2018، والتي تسببت في إدخال أكثر من 118 ألف مواطن إلى المستشفيات بسبب تلوث المياه، معتبراً أن "استمرار تلكؤ المشروع يُبقي احتمالات تكرار الكارثة قائمة، ويُظهر حجم الخلل في إدارة المشاريع الحيوية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر".
وأكّد المتحدث الرسمي باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، في تصريح خاص لـ"الجبال"، أن مشروع ماء البصرة الكبير يشهد تقدماً ملحوظاً في نسب الإنجاز، متوقعاً "افتتاحه مع بداية العام المقبل".
وأوضح الصفار أن "المشروع يُنفذ على مراحل، وقد تم إنجاز المرحلتين الثالثة والرابعة بالكامل من قبل المديرية العامة للماء، بينما يجري العمل حالياً في المرحلة الأولى، التي بلغت نسبة إنجازها نحو 73%".
وأضاف أن "المشروع انطلق فعلياً عام 2020، إلا أن تنفيذه واجه تحديات كبيرة أبرزها جائحة كورونا، وعدم الاستقرار السياسي، وتأخر إقرار الموازنات، ما أثر على وتيرة العمل خلال السنوات الماضية".
وأشار الصفار إلى أن "المشروع يُعد من أبرز المشاريع الحيوية في محافظة البصرة، وسيُسهم عند اكتماله في توفير المياه الصالحة للشرب لمناطق واسعة من المحافظة"، مؤكداً أن "الوزارة تتابع تنفيذه بشكل مباشر لضمان إنجازه في الوقت المحدد".
واختتم المتحدث الرسمي تصريحه بالقول: "نأمل أن يتم افتتاح المشروع رسمياً في نهاية هذا العام أو مطلع العام القادم على أبعد تقدير، ليبدأ بتحقيق أهدافه في خدمة المواطنين والتخفيف من أزمة المياه في البصرة".
إن تأخّر مشروع بهذه الأهمية والحساسية، في محافظة تُعاني أصلًا من تحديات بيئية معقّدة كالتلوث وارتفاع نسب الملوحة، يطرح تساؤلات جوهرية حول أسباب الإخفاق في إنجاز المشاريع الاستراتيجية في العراق، رغم توفر التخصيصات المالية وتعدد الوعود الرسمية.
ووفقًا لتقرير ديوان الرقابة المالية الاتحادي لعام 2023، فإن أكثر من 60% من المشاريع الوزارية المتلكئة تعود إلى أسباب تتصل بسوء الإدارة، وتشظي الصلاحيات بين الجهات المنفذة، فضلًا عن غياب آليات الرقابة والمساءلة الفاعلة.
وأعلن المهندس عمار عادل حسين المالكي، مدير عام المديرية العامة للماء، في حديث تابعته "الجبال" عن إنجاز 73% من المرحلة الأولى لمشروع ماء البصرة الكبير، ضمن البرنامج الحكومي، مشيرًا إلى أن "المشروع يغذي قضاء البصرة بالكامل، ويُعد استكمالًا للمرحلتين الثالثة والرابعة (محطة الهارثة) بطاقة 200,000 م³/ساعة".
وخلال زيارته إلى البصرة برفقة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الإعمار بنكين ريكاني، تابع المالكي الأعمال في موقعي Zone 14 (أنبوب 900 ملم) وZone 19 (أنبوب 800 ملم)، مؤكداً إنجاز 23 كم من أصل 37 كم من الخط الناقل، وإتمام تعبيرة نهر الكرمة بطول 300 م وعمق 27 م.
وشدد المالكي على مضاعفة الجهود والعمل بثلاث شفتات يومياً، مؤكداً "أهمية المشروع في تأمين مياه الشرب لمركز قضاء البصرة، واعتباره من أبرز المشاريع الستراتيجية في العراق".
ويُحذّر مختصون من أن "استكمال مشروع ماء البصرة الكبير، رغم ما أُنجز منه، قد لا يحقق الأهداف المرجوة في حال لم يُدمج ضمن منظومة متكاملة تشمل صيانة شبكة التوزيع، وتطوير محطات التحلية والمعالجة، وضمان استدامة التشغيل والإشراف الفني المستمر"، إذ أنه في ظل تضخّم الكلفة، وتعاقب الحكومات، واستمرار تأجيل مواعيد الإنجاز، لا يزال المشروع عالقاً بين التعثّر والتنفيذ.