بعد افتتاح معبر القائم الحدودي بين العراق وسوريا، تتجددت المخاوف، من عودة نشاط فصائل مسلحة، واستئناف عملية تهريب المخدرات والمواد الممنوعة، بالتزامن مع وجود تجمعات كبيرة لتلك الفصائل على الشريط الحدودي.
وكانت هيئة المنافذ الحدودية العراقية قد استأنفت حركات التبادل التجاري وحركة المسافرين في منفذ القائم الحدودي مع سوريا، في خطوة وصفتها بـ"المهمة" ضمن الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات وإحياء الروابط الاقتصادية بين العراق وسوريا.
وتأتي الخطوة بعد 4 أشهر من زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لبغداد وحثه العراق على استئناف التجارة عبر الحدود.
وفي كانون الأول الماضي، أُغلق معبر القائم غرب محافظة الأنبار، بعد تطورات الأحداث السورية وإسقاط نظام بشار الأسد، وبعد انسحاب الجيش السوري من الجانب المقابل للمعبر في مدينة البوكمال، إذ منعت أي حركة عبور باستثناء العراقيين الراغبين في العودة إلى بلادهم من الأراضي السورية.
وحتى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في الثامن من شهر كانون الأول من العام الماضي، كانت الأنبار واحدة من أكبر مراكز تجارة الكبتاغون والحبوب المخدرة، نتيجة إدخال تلك الحبوب من سوريا، بـ"مساعدة فصائل مسلحة"، وفق العديد من التقارير.
ووفقاً لإحصائيات رسمية لمديرية المخدرات في محافظة الأنبار فإن "نسبة المتعاطين في عموم المحافظة تبلغ نحو 20%، وأغلبها من متعاطي مادة الكبتاغون والفئة الأكبر هم من الشباب".
تكثيف الانتشار ونصب السيطرات
وكشفت مصادر مطلعة عن وجود تجمعات كبيرة لعدد من الفصائل المسلحة بالقرب من منفذ القائم الحدودي في محافظة الأنبار، وتعزيزات وصلت مؤخراً.
المصادر قالت لـ "الجبال" إن هناك تجمعات كبيرة لعناصر أكثر من 4 فصائل مسلحة "في مناطق القائم، وعكاشات، وسكك الحديد، وقرب نهر الفرات، ومنطقة العبيدي، وجباب، وطريق الرطبة الذي يصل إلى معبر الوليد الحدودي، وأعادت الفصائل نصب السيطرات الأمنية في تلك المناطق".
وأضافت أن "الفصائل المسلحة كثفت من انتشارها في مناطق حي الرسالة، وحي الفرات، في محاولة لإعادة افتتاح المنفذ الوهمي الذي كان تحت سيطرتها، قبل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، كما أن هناك تعزيزات كبيرة في منطقة البو كمال والباغوز في الداخل السوري من عناصر الجيش والأمن الداخلي السوري تصل إلى 4 آلاف مقاتل".
وقال مسؤول سوري لصحيفة "ذا ناشيونال"، إن وحدات المشاة والطائرات المسيرة بدأت بالوصول إلى الحدود من منطقة تدمر الوسطى، كما أُرسلت وحدات من مناطق وادي نهر الفرات.
وكانت الفصائل المسلحة العراقية عنصراً أساسياً في الدعم لنظام الأسد بين عامي 2011 و2024، لكنها انسحبت عندما سيطرت قوات هيئة تحرير الشام على العاصمة دمشق في كانون الأول الماضي.
زعزعة العلاقة بين بغداد ودمشق
في الأثناء يؤكد الخبير في الشأن الأمني، محمد الحياني، أن الهدف من تجمع الفصائل المسلحة العراقية، قرب الشريط الحدودي مع سوريا، هو لغرض محاولة استئناف تجارة المخدرات.
وأوضح في حديثه لـ "الجبال"، أن "الفصائل العراقية تعرضت لخسائر مالية كبيرة جراء توقف عمليات تهريب المخدرات، وخاصة مادة الكبتاغون والتي كانت تدخل من سوريا، عبر المنافذ الوهمية التي تسيطر عليها تلك الفصائل، في أيام حكم بشار الأسد".
وأضاف أن "الفصائل تريد أولاً استئناف نشاط تجارة المخدرات، والأمر الآخر تحاول زعزعة العلاقة بين الحكومة العراقية والإدارة الجديدة في سوريا، ووجودها على الشريط الحدودي مع سوريا، يأتي في إطار محاولة لدعم نشاط الجماعات المسلحة المعارضة للنظام الحالي في دمشق".
وأشار إلى أنه "من الأفضل سحب عناصر الفصائل المسلحة من الشريط الحدودي وتسليم مهمة حمايتها للجيش العراقي وقوات حرس الحدود، والاعتماد على الجهد الاستخباري، وشراء منظومة كاميرات متطورة، إذا كانت هناك جدية حقيقية في السيطرة على ملف المخدرات، ومنع تواجد الفصائل، من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأردف أن "الحكومة العراقية في إطار فتح علاقات جديدة مع النظام الجديد في سوريا، ووجود هذه الفصائل، هي لتخريب هذه العلاقة، بناءً على تعليمات وصلت لها من إيران، التي لا تريد علاقة جيدة بين بغداد ودمشق، وتريد استمرار الفوضى في المدن السورية".
وكان قائد شرطة محافظة الأنبار، اللواء عادل حامد، قد صرح في وقت سابق أن "المحافظة شهدت انخفاضاً كبيراً في انتشار المخدرات بنسبة وصلت إلى 85%، وأن قوات الأمن تواصل جهودها بدقة واستمرار لملاحقة باقي المتاجرين والمتعاطين". وأشار إلى أن "شرطة المحافظة تتابع عن كثب الحالات القليلة جداً المتبقية من متعاطي ومروجي المخدرات، وتعمل لاجتثاث الآفة بالكامل، وقريباً جداً ستعلن الأنبار محافظةً خالية من المخدرات".
يذكر أن السلطات السورية الجديدة، أعلنت أكثر من مرة عن إتلاف ملايين حبوب الكبتاغون، عبر حرقها، وقد نشرت العديد من الصفحات السورية الرسمية وغير الرسمية، مشاهد الإتلاف.
التواجد قرب القواعد الأميركية
من جانب آخر يرى عضو مجلس عشائر قضاء القائم ثامر الدليمي، أن وجود الفصائل المسلحة بهذا الكم الكبير من العدد، مع وجود فصائل غير عراقية، مثل "زينبيون، فاطميون، أتباع نظام الأسد"، يشكل تهديداً حقيقاً لدمشق.
وأوضح في حديثه لـ "الجبال" أن "هذه الفصائل تريد السيطرة بالكامل على الشريط الحدودي مع سوريا، بسبب العائدات المالية الكبيرة، التي كانت تجنيها من تجارة المخدرات، وتهريب الممنوعات".
وذكر أن "الفصائل تريد استغلال الفوضى الموجودة حالياً في سوريا، لاستئناف تجارة الكبتاغون، وأيضاً، محاولة إيصال إمدادات السلاح والعناصر للداخل السوري، فضلاً عن التواجد بالقرب من القواعد العسكرية الأميركية، التي تقع في سوريا، ومنها قاعدة التنف".
أشار الدليمي إلى أن "وجود هذه الفصائل بحجة التصدي لتهديدات تنظيم داعش، غير حقيقية، كون هناك ساتر أمني لا يمكن عبوره، فضلاً عن وجود كثيف للجيش العراقي، وحرس الحدود، وطيران التحالف الدولي، الذي يجري جولات استطلاعية على الشريط الحدودي باستمرار".
وتقع معظم القواعد الأميركية في سوريا في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، على بُعد أقل من 60 كيلو متراً من الحدود مع العراق.
وشنت فصائل مسلحة عراقية هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ضد القوات الأميركية المتمركزة في سوريا خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً، وخاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر.
إلى ذلك يؤكد قائممام قضاء القائم تركي المحلاوي أن الوضع الأمني على الشريط الحدودي مع سوريا، طبيعي، ولا توجد أي مخاطر، أو تهديدات.
ولفت خلال حديثه لـ "الجبال" إلى أن "الانتشار الأمني الموجود في القائم، هو لحماية القضاء والشريط الحدودي مع سوريا، وهو طبيعي جداً، وهناك تعاون وتنسيق بين الجيش وحرس الحدود والمغاوير والحشد الشعبي، والشرطة المحلية، لمنع تسلل عناصر داعش، أو أي عناصر إرهابية أخرى".
وفيما يخص تجارة المخدرت قال إن "نشاط تجارة الكبتاغون تراجع كثيراً، ولا توجد إمكانية لا ستئناف النشاط، بسبب الانتشار الأمني المكثف في الجانب العراقي والجانب السوري من الحدود، وحتى جانب النهر، محاط بقوة أمنية كبيرة"، موضحاً أن "تواجد القوات السورية بهذا الكم الكبير على الشريط الحدودي من جهتها، هو أمر يخصها، وشأن داخلي، ولكن هناك تنسيق وتعاون كبير بين الجانبين، ومنذ فتح معبر القائم، لم يسجل أي خرق أمني".