موسم لا يشبه غيره لكهرباء العراق.. نمو "غامض" للطلب وتحوّل بمسار الغضب الشعبي

10 قراءة دقيقة
موسم لا يشبه غيره لكهرباء العراق.. نمو "غامض" للطلب وتحوّل بمسار الغضب الشعبي

اتهامات بـ"التوزيع الطائفي" أو "المناطقي"

بالرغم من كونه أزمة مزمنة ومتكررة بمفهومها العام، حتى يكاد يكون لا جديد هناك في الحديث عنه، إلا أنّ ملف الكهرباء في العراق هذا الموسم حمل من المفاجآت والتفاصيل الملفتة للانتباه والمثيرة للاهتمام والأسئلة، ما لم يتم تسجيله في المواسم الماضية، وفق العديد من المختصين.

العراقيون، اعتادوا مع كل موسم ذروة خلال فصل الصيف، أن يتراجع التجهيز الكهربائي عندهم، وفي المواسم السابقة، كان المبرر واحداً: "انخفاض تجهيز الغاز الإيراني"، وهذا الحديث ليس سبباً بسيطاً بالفعل، فالغاز الإيراني للعراق والبالغة كميته قرابة 50 مليون متر مكعب يومياً، عند انخفاضه أو انقطاعه، يتسبب بفقدان منظومة الكهرباء بين 4 و6 آلاف ميغا واط بالعادة، وهذه الكمية من أصل متوسط إنتاج العراق خلال العامين الماضيين البالغ قرابة 23 ألف ميغا واط، وبذلك؛ فإنّ فقدان الغاز الإيراني يعني فقدان 25% من طاقة إنتاج الكهرباء في العراق.

وسجل العام الماضي، حالات متكررة من انخفاض وانقطاع الغاز الإيراني بين شهري أيار/مايو وأيلول/سبتمبر، أي خلال فترة ذروة الطلب على الكهرباء، وكان أكبرها في مطلع شهر تموز/يوليو من العام الماضي 2023، حيث فقد العراق 5 آلاف ميغا واط من إنتاجه، إلا أن هذه الحالة لم تسجل حتى الآن خلال العام الحالي، خصوصًا بعد أن وقّع العراق وإيران في آذار/مارس 2024، اتفاقاً جديداً لتمديد استيراد الغاز لمدة 5 سنوات وبمعدلات ضخ تصل لـ50 مليون متر مكعب يومياً.

وعلى صعيد الإنتاج الكلي، كان أعلى إنتاج وصله العراق العام الماضي يبلغ 24 ألف ميغا واط، في حين وصل إنتاج العام الحالي 27 ألف ميغا واط مع حلول تموز/يوليو، بزيادة قدرها حوالي 13% عن العام الماضي.

ومع تزايد إنتاج الكهرباء، وعدم تسجيل حالات انخفاض أو انقطاع الغاز الإيراني، من المفترض أن تجهيز الكهرباء هذا العام يكون أفضل من العام الماضي، إلا أن ما حدث هو العكس، في حالة مثيرة للاستغراب والتساؤل، فـ"النتائج السيئة"، لا تتطابق منطقياً مع المعطيات الجيدة.

وتتفق الأوساط الشعبية على أن تجهيز العام الماضي من الكهرباء أفضل من العام الحالي، وهو أمر تعترف به حتى وزارة الكهرباء، ودليل العديد من المختصين على ذلك، ما شهده هذا العام من عودة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالكهرباء في معظم المحافظات، ولاسيما مناطق الفرات الأوسط في النجف والديوانية، ما يجعل تراجع التجهيز هذا العام أمرًا غير مفهوم حتى الآن.

فترة ولادة مبرر ما.. شبكات التوزيع نجحت مع الإنتاج القليل وفشلت بارتفاعه

ومع بدء تسجيل تراجع في التجهيز بحلول شهر حزيران/يونيو الذي شهد موجات حارة متعددة وطويلة الأيام، لم تكشف وزارة الكهرباء عن سبب واضح وصريح، وظهر وزير الكهرباء وهو يتجول في المحافظات ودوائر التجهيز والتوزيع ومراكز الصيانة، وتخلل هذه الجولات حملات إعفاء مسؤولين ومدراء عامين، وصل عددهم خلال الأيام العشرة الأولى من شهر حزيران إلى 10 مسؤولين، وتبعتها حملة إعفاءات فردية أخرى، وقد يصل عدد المعفيين لحوالي 20 مسؤولًا.

الرسائل التي وصلت من جولات وحملات وزير الكهرباء ونوعية المسؤولين المعفيين، انعكست فيما بعد على تصريحات مسؤولي الكهرباء باستعراض مبررات تراجع التجهيز، انصبّت جميعها على أن تراجع التجهيز سببه "سوء التوزيع"، وعدم إجراء الصيانات المطلوبة واستبدال المحولات المعطوبة.

إلا أنّ هذا المبرر، قد يدين الوزارة بالنسبة لمختصين، إذ أنّ تهالك شبكات التوزيع أو عدم إجراء الصيانات اللازمة، ليس شيئاً "تتفاجئ به الوزارة"، بل من الطبيعي أن يكون ضمن الخطط الاستباقية التي تعلن الوزارة البدء بها استعدادًا لدخول الصيف، ما يجعل تراجع التجهيز يحتاج لسببٍ ثانٍ أكبر من ذلك، يبرر "غموض" تراجع التجهيز رغم ارتفاع الإنتاج.

نتيجة غامضة لسبب أكثر غموضاً.. كيف يرتفع الطلب 600% خلال عام؟

النتيجة الغامضة، المتمثلة بتراجع التجهيز رغم ارتفاع الإنتاج وعدم انقطاع الغاز الإيراني، بدأت تعطي الوزارة سبباً له، ربما يمكن وصفه بأنه "أكثر غموضاً" من النتيجة، ولعل شدة غموضه "ولا معقوليته" كانت أكثر وضوحاً على مسؤولي وزارة الكهرباء ذاتهم، حتى أن المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، خرج في 26 حزيران/يونيو، وهو يتحدث "بذهول" بأن العام الماضي كان الطلب يبلغ في مثل هذا اليوم من العام 29 ألف ميغا واط، ولم يكن يفصل الوزارة سوى 5 آلاف ميغا واط على تلبية الطلب بالكامل، إلا أنّ اليوم يبلغ الطلب حوالي 49 ألف ميغا واط.

هذا المبرر، أشد وضوحاً وقوة من مبرر "تهالك شبكات التوزيع" وهي ذاتها الشبكات المستخدمة العام الماضي، ومن المفترض أنه تم إجراء عدة صيانات عليها مسبقاً، واستطاعت هذه الشبكات ذاتها توفير تجهيزاً جيداً العام الماضي بكمية إنتاج أقل أساساً من العام الحالي.

ويعد ارتفاع الطلب هذا العام إلى قرابة 49 ألف ميغا واط، بل ووصل إلى 50 ألف ميغا واط. في تصريح آخر لوكيل وزارة الكهرباء عادل كريم، سبب غامض "وغير معقول"، وفقاً للتحليل الرقمي وتتبع نمو الطلب السنوي على الكهرباء في العراق منذ سنوات.

ويبلغ نمو الطلب السنوي في العراق على الكهرباء ألفي ميغا واط كحد أقصى، وحتى عام 2022، كان مسؤولو وزارة الكهرباء يؤكدون الحاجة لـ35 ألف ميغا واط لتجهيز الكهرباء لمدة 24 ساعة والتخلص من العجز بالكامل، ومع حلول 2023، أصبح الطلب يبلغ 37 ألف ميغا واط بينما الإنتاج 24 ألف ميغا واط، أي أنّ العجز يبلغ قرابة 13 ألف ميغا واط.

في 2024، يجب أن يكون الطلب شهد نمواً إلى 39 أو 40 ألف ميغا واط في أحسن الأحوال، إلا أنه بدلًا من أن يرتفع ألفي ميغا واط إضافية وفق مستوى النمو السنوي الطبيعي في العراق، ارتفع 13 ألف ميغا واط إضافية، أي أنه ارتفع من 37 ألف ميغا واط في 2023، إلى 50 ألف ميغا واط في 2024، ما يعني أن النمو ارتفع حوالي 600% مقارنة بمستوى النمو الطبيعي الذي يجب أن يبلغ ألفي ميغا واط إضافية فقط.

تواصل فريق "الجبال" مع المتحدث باسم وزارة الكهرباء، للاستيضاح حول ما إذا كانت الوزارة قد توصلت أو تمتلك تفسيراً لكيفية ارتفاع الطلب بهذا المستوى خلال عام واحد فقط، إلا أنه لم يجِب على طلبات التعليق.

"فيدرالية الغضب".. تحوّل استثنائي ببوصلة الاحتجاج 

باتت تعرف أزمة الكهرباء في العراق بأنها "الاختبار الأصعب لأي حكومة"، وباتحادها مع الصيف الساخن في العراق، فإنها السلاح القادر على "إسقاط حكومات" نتيجة لتصاعد مستوى الغضب الشعبي بسببهما، حيث أن الغضب الشعبي في أي بقعة من العراق تشهد تراجعاً في الكهرباء، كان يتوجه صوب الحكومة الاتحادية والأحزاب السياسية في البرلمان، وضد وزارة الكهرباء الاتحادية، إذ تحمّل الأوساط الشعبية القوى السياسية المسؤولية بـ"أثر رجعي"، فكل فشل في تجهيز الكهرباء يعني فشل القوى السياسية أو "عدم اهتمامها" طوال سنوات السيطرة على النظام والحكومات في حل أزمة الكهرباء.

إلا أن الغضب هذا العام كان "محلياً"، وليس اتحادياً، فالمحافظات والأقضية والنواحي، بدأت تتحدث بفكرة جديدة عن سوء الكهرباء، حيث أن الاحتجاجات باتت تنظّم على أبواب دوائر شركات التوزيع، وليس في الساحات العامة أو تحمل شعارات ضد الحكومة ووزارة الكهرباء عموماً، كما أن الحديث بدأ يجري عن "محسوبيات" في توزيع الكهرباء.

يمكن القول إنّ الأوساط الشعبية، باتت مقتنعة "خلافاً للسنوات الماضية"، بأن الكهرباء موجودة، لكن لا يتم توزيعها بعدالة، أي أنّ المواطنين ينظرون إلى الكهرباء مثلها مثل النفط والثروات الأخرى في العراق، موجود بوفرة، ويتم منحها لمناطق أو أشخاص دون آخرين.

لم يأتِ هذا الاعتقاد من فراغ، بل أنه متسق تماماً مع تحركات وتصريحات المسؤولين في الحكومة العراقية ووزارة الكهرباء، حتى أنّ وزير الكهرباء وخلال إحدى جولاته، اكتشف أن إحدى دوائر التوزيع وضعت فندقاً على مغذٍ لوحده، ووضع منطقة كاملة على مغذٍ آخر، وظهر في مقطع فيديو وهو يوجه توبيخاً لمسؤول وحدة التوزيع لهذا السبب، وفي تصريح بذات السياق، كشف فادي الشمري مستشار رئيس الوزراء أن هناك فندقاً في منطقة الكرادة ببغداد يستهلك كهرباء تعادل ألف منزل، ويدفع رشاوى لتقليل مبالغ الجباية.

ولم تقتصر "شكوك التوزيع" لدى المواطنين بعدم وجود عدالة توزيع بين "معامل وفنادق ومولات" مقارنة مع تجهيز المواطنين، بل تعدى الأمر إلى ما يمكن وصفه بـ"مناطقية التوزيع" أو "طائفية الكهرباء"، حيث تعتقد المحافظات والمناطق بأن حصتها من الكهرباء بدأت تُمنح لمحافظات أخرى على أساس "مناطقي"، أو منحها لمنطقة دون أخرى في داخل المحافظة الواحدة على أساس احتواء هذه المنطقة على شخصيات وشيوخ أو سياسيين.

ولا يتوقف هذا الاعتقاد على صعيد الأوساط الشعبية فقط، بل انخرطت فيه الشخصيات السياسية، فالنائب عن محافظة ديالى أحمد الموسوي هدد بإطفاء محطة المنصورية الغازية احتجاجاً على "منح كهرباء ديالى لمحافظات أخرى"، فيما شن النائب عن محافظة بابل على تركي هجوماً على وزارة الكهرباء التي وصفها بأنها أصبحت من "لون حزبي واحد"، مذكراً أن بابل "ليست من البدون الكويتي"، في إشارة إلى "ظلم المحافظة أو التعامل معها كمحافظة من الدرجة الثانية فيما يتعلق بحصتها من الكهرباء".

وفي النتيجة؛ أفرزت أزمة الكهرباء هذا الموسم، مؤشرات غريبة، من بينها ما إذا كان النمو المبالغ به في الطلب سيؤدي إلى "إحباط مبكّر" لخطط وزارة الكهرباء، فالنمو البالغ 13 ألف ميغا واط في عام واحد، يعادل نمو 6 أعوام من الطلب على الكهرباء، وهو ما لا يمكن أن تتداركه الوزارة قريباً، كما أفصحت عن "محسوبية التوزيع" والتي أدت لإشعال "صراع مناطقي"، وهو تحدٍ آخر أمام الوزارة في كيفية إقناع المحافظات أو المناطق بمعاييرها في التوزيع وتحديد حصة كل محافظة مستقبلًا.

 

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في السبت 20 يوليو 2024 11:43 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.