في اليوم الخامس للمواجهات العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، يتصاعد قلق عالمي من اتساع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط وتوسّع تأثيراتها السياسية والاقتصادية والأمنية على دول العالم، ولطالما كانت الجغرافيا السياسية ميّزة خاصة يتم الحديث فيها عن العراق بوصفه يعيش بين محاور متعددة وقوية، لكنها اليوم ـ أي الجغرافية ـ تجعل العراق بين مستويات من التهديدات السياسية، والأمنية، والاقتصادية والمالية، بوقوعه في منطقة تبادل النيران بين طهران وتل أبيب.
سياسيون عراقيون وخبراء أمنيون واقتصاديون، يحذرون من تهديدات "داخلية" و"خارجية" جدّية تحيط بالعراق في ظلّ المواجهات القائمة بين إيران وإسرائيل، في مقدمتها "انجرار العراق إلى القتال ووقوعه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، حدوث بلبلة، عودة داعش، وإغلاق مضيق هرمز بالتالي توقف حركة التجارة والتصدير".
ضغط كبير
في تعليق حول التوترات القائمة في الشرق الأوسط منذ أيام وتأثيرها على العراق، قال الخبير الأمني والاستراتيجي، عماد علو، إن "العراق يتعرض لضغط كبير نتيجة وقوع في منطقة تبادل النيران بين طهران وتل أبيب، وهو يحرص على عدم تعرضه لأي أضرار أو حدث يمسّ العراقيين وسلامتهم نتيجة المواجهة المسلحة بين غيران وإسرائيل"، مضيفاً أن "العراق أمام إشكاليات دبلوماسية، بعد أن تقدّم شكوى رسمية أمام مجلس الأمن الدولي نتيجة استباحة الطيران الإسرائيلي للأجواء العراقية في ضرب الجمهورية الإسلامية، وهو نتيجة ضعف دفاعاته الجوية"، مؤكداً أن "العراق يقع في موقف لا يحسد عليه إزاء الحفاظ على السيادة العراقية ومنع الطيران الإسرائيلي من تشكيل تهديد لدول الجوار، في مقدمتها اليوم ما يحصل لإيران".
وأشار علو إلى تحدّ آخر أمام العراق وهو "الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي"، لافتاً أن "الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة العراقية تنتشر وفق خطط مدروسة لغرض الحفاظ على الأمن الاستقرار ومنع أي تهديدات سواء كانت إرهابية أو تخريبية من قبل من يحاول خرق القوانين في ظل الوضع المرتبك والمتوتر مع الأجواء الحارة، وهو يشكل ضغطاً كبيراً على عناصر القوات المسلحة المنتشرة في البلاد".
وشدّد الخبير الأمني على أهمية المحافظة على أمن الحدود العراقية، "وخصوصاً الحدود العراقية السورية التي تمتد على طول أكثر من 600 كيلومتر"، منوهاً إلى "تهديدات واحتمالات خروج أو إطلاق سراح عناصر كانوا على صلة بتنظيم داعش، من الممكن قيامهم باختراقات للحدود العراقية وتشكيل تهديد للعمق العراقي".
وقال: "هناك تعاون ومباحثات ولقاءات بين الجانبين العراقي والسوري لاستدامة أمن هذه الحدود، لا سيما وأن القطعات العسكرية العراقية منفتحة وماسكة لهذه المنطقة بشكل جيد منذ عدّة أشهر لغرض مواجهة أي احتمال للتسلّل".
تحدّ سياسي
وذكر المختص في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، في حديث لـ "الجبال" أن "الحرب الإيرانية – الإسرائيلية ستدفع العراق نحو مواجهة تحديات داخلية وخارجية كبيرة وخطيرة"، مشيراً إلى أنه "في الجبهة الداخلية، هناك فصائل مسلحة بدأت تهدد بالدخول في الحرب، وهذا يحرج الحكومة أمام المجتمع الدولي ويدفع نحو اتخاذ قرارات دولية ضد العراق"، وقال إن "الحكومة لا تستطيع منع تلك الفصائل من أي تحرك، وهذا تحدّ سياسي وأمني خطير جداً".
وأضاف أن "العراق قد يتعرض إلى أزمة اقتصادية ومالية في حال استمرت الحرب، خاصة مع ارتفاع أسعار الدولار وكذلك الذهب وبعض السلع الأخرى"، مبيناً أن "هذا التطور الإقليمي سيجعل العراق أكبر المتضررين خاصة وأن سماءه هي الآن ساحة للحرب المباشرة ما بين إيران وإسرائيل"، وأن "هذا أكبر تحدّ تواجهه بغداد حالياً".
الاقتصاد في خطر
مع تنفيذ أول ضربة إسرائيلية على الأراضي الإيرانية، فجر 13 حزيران 2025، قفزت أسعار النفط والذهب والعملة الأميركية (الدولار) في العراق والأسواق العالمية، ما ينعكس بدوره على حركة التجارة والبيع والشراء في المستويين المحلي والدولي، وإن تهديد إيران بإغلاق مضيق "هرمز" في منطقة الخليج يربك الوضع أكثر.
وتستخدم طهران المضيق ورقة للضغط على القطب الغربي (إسرائيل، أوروبا، أميركا)، مهدّدة بشلّ حركة التجارة العالمية ردّاً على أي ضربة تستهدف برنامجها النووي أو النظام، ما ينذر بأزمة اقتصادية عالمية جديدة بالأفق خصوصاً لتلك الدول القريبة منه وبينها العراق الذي يعتمد على المضيق في تصدير نفطه إلى العالم.
وفي هذا الإطار، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "مشكلة الجغرافيا السياسية صعبة، مضيق هرمز في حال غلقه سيغلق الطريق أمام 20 إلى 30% من التدفقات الطاقة في العالم، وهذه قضية ليست عراقية فحسب بل تهم منظمة أوبك ومنتجي النفط في انحاء العالم"، مشيراً أن "العراق هو رابع منتجي النفط على مستوى العالم، وثاني منتج في منظمة أوبك، وإن وقف تدفق النفط من العراق سيخلق مشكلة للعالم أجمع وليس للعراق فحسب، بالتالي ستكون للحرب امتدادات اقتصادية على كل العالم".
وأكد صالح أن "غلق مضيق هرمز سيخلق مشكلة مالية أمام العراق"، كاشفاً عن سبل أخرى تجهزها الحكومة "لا تعوّض بل يمكن أن تحلّ الامر" في حال إغلاق هرمز.
وقال صالح: "في هكذا وضع، لا يوجد أمام العراق بديل سوى خط جيهان، هذا الخط يعاني حالياً من تعثرات لأسباب قانونية وفنية، يمكن أن تحل الأمر لكنها لا تعوّض، نظراً لمحدودية طاقاته".
وبحسب قول صالح "تبلغ أقصى طاقة خط كركوك - جيهان النفطي 1مليون برميل يومياً بين الإقليم والمركز، ويمكن للخط تعويض ضرر جزئي في حال استمرار الحرب لوقت طويل وإغلاق المضيق".
وأضاف المستشار أن "العراق يتبع سياسية تنويع مصادر التصدير، عبر منافذ متعدّدة على البحر الأبيض المتوسط، منها إعادة فتح خط كركوك - بانياس الذي يعدّ مهماً تاريخياً، وهو فُعّل خلال الحرب العراقية الإيرانية سابقاً، لكن حدثت ظروف وهو معطّل الآن".
ويقول صالح إن "السبيل الوحيد أمام العراق هو الخط العراقي - التركي، مع بعض الصادرات هنا وهناك، لكن ستكون تأثيرات ذلك كبيرة، لأن ثلثي صادرات العراق تتم عبر أنبوب الخليج من مضيق هرمز، تذهب لأسواق آسيا إلى الصين والهند"، ويوضح ان "أكثر من مليوني برميل تذهب على هذه البلدان، في حين يبلغ حجم الصادرات العراقية من النفط نحو 3.3 مليون برميل يومياً".
ووفقاً لقوله "ستتأثر حركة الاستيراد إلى العراق جراء الإغلاق، بالتالي ترتفع كلفة شحن البضائع المستوردة ومخاطر النقل والتأمين، والوضع سيؤثر على تجارة المنطقة كاملة وحركة الاستثمارات ووضع المنطقة بالكامل"، مبيناً: "إن طالت الحرب، وأغلق هرمز، سيكون الخطر متلازماً يصيب العالم كله، ويكون العالم في أزمة طاقة، والوضع الاقتصادي العالمي كله سيتأثر، ستكون حرباً اقتصادية بالدرجة الأولى قبل أن تكون سياسية".