أزمة الرواتب في إقليم كوردستان.. هل تهدد وحدة العراق؟

6 قراءة دقيقة
أزمة الرواتب في إقليم كوردستان.. هل تهدد وحدة العراق؟ مبلغ من الدينار العراقي مع الدولار الأميريكي/ تعبيرية

مع التجدد المتكرر للأزمة المالية بين بغداد وإقليم كوردستان العراق من قطع حصة الإقليم بالميزانية العامة للبلاد إلى قطع رواتب الموظفين و تأخر سدادها من قبل المركز، يتسائل الشارع الكوردي؛ اذاَ ماذا يربطنا بالعراق إذا كانت الحكومة المركزية تقطع عنا قوت أطفالنا وحقوق موظفينا وميزانية حكومتنا الدستورية؟.

 

تساؤل شائع على أكثر من صعيد شعبي ونخبوي وسياسي؛ ماذا يربطنا بالعراق غير دستور لا يلتفت إليه أحد إلا من جهة مصلحته وميزانية قُطعت عنا منذ 2014، و الآن جاء الدور على رواتب موظفينا التي لا تسدد أبداً في وقتها وأصبحت ورقة ضغط من قبل الحكومة المركزية بدل كونها حقاً من حقوقنا كمواطنين عراقيين؟

 

أليس الأجدى بنا أن نعترف بالحقيقة ونعتمد على مواردنا واكتفائنا الذاتي بدل قبول هذا الواقع المرير؟


معروف أن الذي ينظم العلاقة بين بغداد وسائر أجزاء العراق بما فيها إقليم كوردستان هو الدستور الاتحادي الذي صوت عليه غالبية العراقيين بنعم ومنهم الكورد عام 2005، لتكون مرجعاً للجميع.


حيث يقر هذا الدستور بأن العراق دولة فيدرالية تتكون من مركز (بغداد) و أقاليم (مثل إقليم كوردستان) ومحافظات تدار بشكل لا مركزي (راجع مواد الدستور العراقي لسنة 2005 المواد 116-117-119).

 

فبعد سقوط نظام صدام وإقرار هذا الدستور من قبل القوى والجماهير العراقية، بدأت حقبة جديدة في العراق وهي حقبة الفيدرالية و التعددية، وولّت حُقبة الدكتاتورية المتمثلة بالسلطة المركزية. 

 

لكن بعد مرور سنوات على هذه التغيرات الجذرية وتكوين عراق فدرالي تعددي من حيث السلطات، يريد بعض السياسيين وأصحاب النفوذ في بغداد الانقلاب على هذه الحقيقة وإرجاع الأمور الى سابق عهدها، أي عهد الدكتاتورية الشمولية وعهد سيطرة الطائفة الواحدة على البلاد. وكما يقول المثل (وعادت حليمة لعادتها القديمة) بمعنى عودة العراق إلى المركزية وحكم الطائفة الواحدة. حيث يبدو أنّ معظم السياسيين الشيعة الذين دشّنوا هذه الحقبة الجديدة وأقروا بالعراق الفيدرالي التعددي واعترفوا بإقليم كوردستان كإقليم دستوري، انقلبوا على أعقابهم ويريدون تدشين حكم مركزي مُسلط على جميع العراق.

 

فبعد اضمحلال القوى السنية في المركزية السياسية والإدارية في بغداد أتى الدور اليوم على الكورد وعلى إقليم كوردستان لتخضع لهذه السيطرة المركزية والتي هي بالنتيجة سيطرة طائفية.

 

وقد ظهرت هذه النية للرجوع إلى المركزية وإفشال العمل بالفدرالية جلياً، بعد أولى خطوات إقليم كوردستان بتخريج النفط من آبارها و حقولها التي تقع في عمق حدودها الإدارية.

 

وللتذكير فإن هذه الخطوة في بداياتها حازت على مباركة بغداد متمثلة برئاسة الجمهورية وحتى أن معظم السياسيين العراقيين سنة وشيعة حضروا مراسيم تدشين إقليم كوردستان نفطها إلى الخارج (يمكن الرجوع إلى أرشيف الصور وفيديوهات مراسيم بدء ضخ نفط إقليم كوردستان إلى الخارج).


 
وعملياً فقد بدأ العمل في الحقول الخاضعة لإدارة الإقليم منذ عام 2006 وفق تفاهمات دستورية مع السلطات في بغداد، طبعاً مع وجود بعض الانتقادات واستنكار و رفض.

 

ولكن بالأخير طغى الجانب السياسي على المسألة، مما أدى الى قطع الميزانية عن الإقليم سنة 2014 في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، وبالطبع يجب أن لا نستبعد البُعد الإقليمي والتدخلات الإيرانية في هذه المسألة.

 

ومنذ ذلك الحين، انقلب طابع العلاقة بين إقليم كوردستان والمركز في بغداد من طابع دستوري قانوني إلى طابع صراع سياسي من أجل بسط السيطرة والنفوذ طبعاً مع وجود تدخلات إقليمية ووجود صراع أكبر على الساحة العراقية وهو الصراع الأميركي الإيراني الذي كان ولا يزال له دور محوري في تدوير وتأخير عجلة العملية السياسية في العراق. 

 

لا أريد الإطالة في الحديث عما مضى، فالأهم هو الحديث عما يجري الآن وما يمكن أن يقع نتيجة السياسة المركزية التي يريد أن يطبقها السياسيون العراقيون الجدد. هذه السياسة المكشوفة لن يكتب لها النجاح، والعراق أما أن يبقى عراقاً فيدرالياً موحداً أو سينقسم إلى دولتين لامحالة إذا استمر الوضع على هذا المنوال.

 

فالحكومة الكوردية في هولير لن تتنازل عن حقوقها الدستورية، والدليل أنها ماضية في طريق عقد صفقات تطوير الطاقة في الحقول الموجودة ضمن حدودها الإدارية، وآخرها صفقة تطوير حقلين للغاز ضمن حدود محافظة السليمانية ومنطقة جمجمال مع شريكتين أميركيتين وبمباركة من الإدارة الأميركية.

 

قطع الرواتب لن يجدي نفعاً، ولن ينجح في تمرير سياسة الإخضاع، مثلما أن قطع الميزانية لم تأتي بخير ولم تُثني إقليم كوردستان عن درب التطور والازدهار، فمن يزور هولير ودهوك والسليمانية يرى بأم عينه أنها أكثر تطوراً وازدهاراً من بعض مدن العراق، وهذه مفارقة عجيبة ودليل على فشل سياسة الضغط والاخضاع مع إقليم كوردستان.

 

لذلك، فإن سياسة محاولة إخضاع الإقليم إما أن تفشل مثلما هي الآن وتزيد الأحقاد في نفوس أبناء الشعب الكوردي على الحكومة المركزية وتزيد من إيمان هذا الشعب بوجوب الاستقلال عن بغداد، أو أن تؤدي بالفعل إلى انفصال الإقليم عن المركز في لحظة حاسمة وغيرُ محسوبة من قبل السياسيين العراقيين.

 

انفصال يلوح به ساسة الإقليم من حين إلى آخر، وعلى رأسهم الرئيس مسعود البرزاني، مع كل تجدد لأزمة الرواتب بين الإقليم والمركز، وهذا التلويح هو ضمنياً استجابة للتساؤل المطروح شعبياً "ماذا يربطنا ببغداد غير المال والدستور؟".

 

 وهذه اللحظة إن وجدت ستكون بالطبع "وصمة فشل" على جبين من هم وراء سياسة الضغط والقطع و التجويع ضد إقليم كوردستان. 

 

 إذاً، الحل في هذه المرحلة يكمن في الرجوع إلى ميثاق 2005 سياسياً وإدارياً وعدم المساس بسلطات وصلاحيات إقليم كوردستان وإنهاء سياسة الضغوط، فقط هذا ما يضمن للعراق وحدته.

عبدالله ريشاوي كاتب صحفي

نُشرت في الاثنين 9 يونيو 2025 11:29 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.