الانتخابات العراقية.. عن المشاركة والمقاطعة أيضاً

4 قراءة دقيقة
الانتخابات العراقية.. عن المشاركة والمقاطعة أيضاً (تعبيرية/ فيسبوك)

أثار المقال الذي نشر في هذه الزاوية الأسبوع الماضي ردود فعلٍ مختلفة، ولغطاً بين متابعي مواقع التواصل، واذا استبعدنا البذاءة والصفاقة والإساءات التي يوزّعها أفراد معروفي التوجّهات، ينفثون أمراضهم على كلّ مخالف لهم بالرأي. فإن أوجه الاعتراض المحترمة جاءت بالأغلب على نقطتين؛ جدوى المشاركة اليوم، بعد أن كنتُ دعوت للمقاطعة في الانتخابات السابقة، أكتوبر 2021.

 

الاعتراض الثاني جاء على الجملة الأخيرة من المقال، التي فهم منها البعض أنها تخوين أو إساءة للمقاطعين، بينما هي توضّح أن هناك نمطين، أحدهما يحمل نوايا حسنة، وهؤلاء لا شأن لي بهم، فهم أحرار، والمقاطعة هنا هي خيار سياسي مثل المشاركة.

 

النمط الثاني، الذي يحرّض على المقاطعة لأنه مدفوع الأجر من جهات حزبية متنفّذة لا تريد مشاركة واسعة ربما تسبب في إغراق أصوات جمهورها، وبالتالي سيتضاءل مستوى حضورها في البرلمان القادم.

 

على أية حال؛ أنا اعتذار لكلّ قارئ حسن النيّة فهم أن المقالة تسيء له، فمن يتابع ما أكتب سيعرف تماماً أن الفرض والإقصاء والإملاء هي ليست من مزاجي ولا توجّهي، والناس أحرارٌ فيما يبتغون، بل أن جلّ كتاباتي مكرّسة للدفاع عن حريّة المواطنين في كلّ مناحي الحياة، ومنها الخيارات السياسية.

 

أما عن الاعتراض الأول؛ فقد أوضحت جوابه في المقال السابق، وأفصّل وأوضّح أكثر: كان خيار المقاطعة في 2021 خاطئاً. كان موقفاً عاطفياً ولم يكن واقعياً. كنت أعرف، مثلما أعرف اليوم، أن رأيي وصوتي هو جزء من ساحة الآراء ووجهات النظر، ولا يمكن لي أن أدّعي أن لي سلطة في توجيه الناس أو التاثير البالغ عليهم.

 

لم يتوجّه الغالبية من الناخبين المؤهلين في 2021 الى مقاطعة الانتخابات بسبب رأي لي، وإنما لأنه كان مزاجاً عاماً، مثلما أن هذا المزاج، للأسف، ما زال يفرض نفسه، ونتحدّث بشكل دقيق عن الدائرة الاجتماعية الشيعية، التي إنطلق منها الزخم الأكبر لانتفاضة تشرين 2019. ونضيف عليها اليوم زخم تيار سياسي منظّم وكبير في هذه الساحة؛ ألا وهو التيار الصدري، الذي ما زال حتى الساعة يعلن المقاطعة.

 

برأيي الشخصي؛ لم تكن المقاطعة صحيحة سابقاً والآن خاطئة، وانما كانت خاطئة في كلا الحالتين، وفي كلّ الحالات، ما لم تنبع من تيار سياسي منظّم أصلاً، يستطيع تحويل فعل المقاطعة الى مناسبة تحشيد سياسي، خصوصاً وأنه لا يوجد سقف أدنى لعدد الأصوات في الانتخابات العراقية، وإنما هي تميل الى ما يسمّى "الشرعية الاجرائية"، فإن كانت الاجراءات الفنيّة للانتخابات سليمة، فهي شرعية حتى لو صوّت ألف شخص فيها.

 

هناك من الأصدقاء من اعترض على مشاركة "الفاسدين والمجرمين" بانتخابات ستزيد من شرعية النظام، وأن البديل هو النضال المدني. المشكلة أن النظام سيبقى شرعياً في عيون المنظمات الدولية والقوى الكبرى الفاعلة في العالم، ولن تنقص من شرعيته أي مقاطعة، إلا اللهم إن كانت مقاطعة ساحقة، وهذا من الصعب أن يتحقّق على الأرض لأن الأحزاب الحاكمة لديها جمهور تتواصل وتتخادم معه بأشكال مختلفة، بالاضافة الى أن الدوائر الاجتماعية الكوردية والسنيّة لا تعاني من هذه المعضلة، وستشهد على الأغلب مشاركة واسعة في الانتخابات القادمة.

 

وللأسف حين نضع "النضال المدني" في الميزان، فإننا سنرى نتيجة مخيّبة جداً، منذ انتهاء احتجاجات تشرين إلى اليوم، فلم يحصل أي تنظيم احتجاجي، أو عمل ميداني للمتظاهرين السابقين والناشطين المدنيين، ما سوى تظاهرات أو وقفات تحدث من قبل فئات اجتماعية لأهداف مطلبية، كما هي تظاهرات خريجي جامعات معيّنة، أو تظاهرات على سوء الخدمات في منطقة ما، وما الى ذلك. حتى النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي فإن وتيرته انخفضت بشكل واضح، وأحجم الكثير من الناشطين المعروفين عن التعليق على قضايا سجالية خطيرة كما هو قانون الأحوال الجعفري، أو منع بيع المشروبات الكحولية، والسبب في ذلك بالطبع هو سطوة المليشيات والتخويف والارهاب، الأمر الذي يوصلنا الى باب مسدود في هذه النقطة. وعدم التحرّك للقيام بشيء ليس حلّاً.

 

 

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 30 مايو 2025 11:15 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.