في خطوة مماثلة للتعداد السكاني، تعتزم الحكومة العراقية تنفيذ أول تعداد زراعي منذ قرابة 70 عاماً؛ لرسم سياسات واضحة عن الأمن القومي العراقي، بوقت حذر مختصون من إجراء تعداد في ظل استمرار السياسات الحالية.
ويمرّ الواقع الزراعي في العراق طيلة السنوات السابقة بـ"مواقف لا يُحسد عليها" بظل مشكلات كبيرة أبرزها الجفاف والهجرة، وهو ما يجبر السلطات في بغداد بإعادة التفكير بقطاع قد يكون الأهم، حتى على حساب النفط.
وبحسب إحصائيات التعداد السكاني العام الأخير، فإن عدد سكان العراق يبلغ 46 مليوناً و118 ألف نسمة، فيما توزع السكان حسب البيئة بواقع 70.17% في الحضر و29.83% في الريف في العراق، و84.57% في الحضر و15.43% في الريف بإقليم كوردستان.
وبهذا الصدد، بينت وزارة التخطيط، أبرز ملامح التعداد الزراعي الذي سيجري العام المقبل.
وخلال حديثه لمنصة "الجبال" أكد المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، أن "العراق يستعد لتنفيذ تعداد زراعي شامل نهاية العام المقبل 2026، في خطوة مهمة تهدف إلى رسم صورة دقيقة وشاملة للواقع الزراعي في البلاد، وذلك استناداً إلى مخرجات التعداد السكاني العام الذي أُجري في نهاية عام 2024".
وأجرى العراق تعداداً سكانياً في 20 تشرين الثاني، والذي يعد الأول من نوعه منذ أكثر من ثلاثة عقود، مما يمثل خطوة مهمة للتخطيط والتنمية في المستقبل.
وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، آنذاك، خلال مؤتمر صحفي، إن "التعداد السكاني كان خطوة مؤجلة من سنوات طويلة وآخر تعداد شامل كان في العام 1987"، مشيراً إلى أن "التعداد السكاني في العام 1997 لم يشمل إقليم كوردستان".
ووفقاً لإحصاءات رسمية، بلغ عدد السكان آنذاك 19 مليون نسمة، وأشارت تقديرات مسؤولين أن 3 ملايين آخرين يعيشون قي إقليم كردستان.
وأشار الهنداوي الى أن "التعداد الزراعي المرتقب لا يقل أهمية عن التعداد السكاني، بل يُعد مكملاً له في رسم السياسات التنموية، خاصة في ظل الحاجة الماسّة لتوفير بيانات دقيقة تسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وبيّن أن "وزارة التخطيط، من خلال هيئة الإحصاء، تعمل حالياً على وضع الاستعدادات اللازمة لتنفيذ هذا التعداد، والذي سيوفر قاعدة بيانات شاملة حول كل ما يتعلق بالقطاع الزراعي، من محاصيل حقلية واستراتيجية، إلى الأشجار والنخيل والثروة الحيوانية بمختلف أنواعها".
وأوضح أن "التعداد سيتناول أيضاً الحيازات الزراعية، والمساحات المزروعة، والأراضي غير المستصلحة، ما يُمكّن صانع القرار من بناء سياسات واقعية تستند إلى معطيات دقيقة، تُعالج التحديات وتُسهم في تطوير القطاع الزراعي كرافد رئيس للناتج المحلي الإجمالي".
وختم الهنداوي تصريحه بالقول إن "التعداد الزراعي المقبل سيكون أحد المرتكزات الأساسية لرسم خريطة التنمية الزراعية في العراق، ويُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق الأمن الغذائي وتوفير السلة الغذائية للمواطن العراقي".
وحاولت منصة "الجبال" الاتصال بلجنة الزراعة النيابية لأكثر من يومين، لكنها تفاجأت بأن أغلب أعضاء اللجنة يجهلون تفاصيل التعداد الزراعي، بينما لم يبد البعض الآخر أي موقف.
إلى ذلك، حذّر الخبير في الشأن الزراعي، تحسين الموسوي، من أن الواقع الزراعي في العراق بات يمر بـ"مرحلة خطرة"، فيما أشار إلى "الخطط المعتمدة يعود لأكثر من سبعة عقود".
وخلال حديثه لمنصة "الجبال"، بين الموسوي أن "جميع المنشآت الإروائية الزراعية والتجارية، بما في ذلك الصوامع والسدود ومشاريع استصلاح الأراضي، ما تزال قائمة على أسس خطة مجلس الإعمار التي وضعت قبل أكثر من 70 عاماً"، مشيراً إلى أن "تلك الخطة كانت خمسينية المدى، وكان من المفترض أن يُجرى تعداد زراعي جديد قبل 20 عاماً على الأقل".
وأوضح أن "الزيادة السكانية الكبيرة، واتساع الرقعة السكانية المستغلة، والانفجار السكاني، كلها عوامل تحتم إعادة النظر في البنية الزراعية والتخطيط المرافق لها"، مؤكداً أن "الأمر لا يقتصر على تعداد زراعي فقط، بل يتعلق ببنية التخطيط نفسها، التي وصفها بأنها أحد أهم عناصر التدهور في القطاع الزراعي".
وتابع الموسوي: لا يمكن الاستمرار بنفس الآليات والدراسات القديمة والملفات المركونة على الرفوف، فهذا لن ينتج سوى مزيد من الأزمات، وتكرار للفشل الإداري الذي قاد إلى هذا الواقع المتردي، مضيفاً أن "الإدارات المتعاقبة مسؤولة عن هذا التدهور"، داعياً إلى "ضرورة إشراك خبرات دولية للمساهمة في تطوير القطاع الزراعي".
الموسوي حذر من أن الأمن الغذائي العراقي بات مهدداً، قائلاً: "نحن لا نتحدث فقط عن الزراعة، بل عن صحة الإنسان وارتفاع مستوى التلوث البيئي"، لافتاً أن "الحرب القادمة هي حرب المياه، وليست حرباً عسكرية بل اقتصادية، حيث بدأت دول المنبع المائي تتعامل مع المياه كسلعة تجارية، أغلى من النفط في الوقت الراهن".
وأشار الخبير بالشأن الزراعي إلى أن "إجراء تعداد زراعي في ظل استمرار السياسات الحالية لن يكون سوى للاستهلاك الإعلامي، ما لم يرافقه تغيير جذري في آليات التخطيط والإدارة، ووضع برامج حقيقية يقودها مختصون، بدعم من المجتمع الدولي".